مسلسل "4 The Crown".. حواديت قاتمة داخل القصر البارد !
حينما يدخل الواقع والتاريخ إلى الدراما يقع أسير سحر التفاصيل الفنية؛ فلا يُمكن أن يكون الالتزام بالواقع حرفياً، ويصعب مُحاسبة الخيال ومُحاكمته لأنه لم يلتزم برواية تاريخية محددة، وهذا ما نجده في مسلسل "The Crown " ـ التاج، بصورة نموذجية؛ فهو يستلهم واقع مُعاصر، وأغلب أبطاله على قيد الحياة، ومن المؤكد أزعجهم مُشاهدة صورتهم على الشاشة تعكس عيوبهم قبل ميزاتهم، لكن العمل يظل دراما خيالية، وليست سرداً تاريخياً توثيقياً، وهذا جمال الدراما وسر سحرها.
حكايات وردية ونهايات مؤسفة!
الحكايات في الموسم الرابع من المسلسل الذي بثته شبكة "نتفليكس" مؤخراً أقرب لحواديت الأميرات الخيالية؛ الملكة قاسية القلب والأميرة المراهقة الضعيفة التي تحلم بفارس الأحلام، ولكن حكايات "4 The Crown" ـ التاج ، لا تشبه حواديت "ديزني" اللطيفة، بل هى أقرب لأصول الحواديت التي اقتبستها "ديزني" وقامت بتلطيفها وتهذيبها لتلائم جمهور الأطفال، وربما لا يعلم كثير من الجمهور أن "سنو وايت" في الرواية الأصلية لم تكن لطيفة وبريئة كما نتصورها؛ ففي نهاية القصة الأصلية تأمر "سنو وايت" خدمها بتسخين زوج من الأحذية الحديدية في النار، وتجبر زوجة أبيها على إنتعالهما، لتتعذب حرقاً حتى الموت، وفي حفل زفاف "سندريلا" تنتقم الطيور من ابنتي زوجة الأب بفقع عيونهما ليصابا بالعمى، وتنتحر "مولان" في نهاية قصتها لأنها ترفض أن تكون محظية الإمبراطور، وبعيداً عن الحكايات الخيالية ظنت الفتاة الإنجليزية ذات الأصول النبيلة "ديانا سبنسر" أنها تعيش واحدة من حكايات "ديزني" الخيالية اللطيفة حينما تقدم لخطبتها الأمير "تشارلز" في بداية الثمانينيات من القرن الماضي، ولكن الواقع لم يكن وردياً كما كانت تظن.
تصل أحداث الموسم الرابع من مسلسل The Crown إلى حقبة الثمانينيات الثرية بوقائع تاريخية قريبة مُلهمة درامياً، وأبطال تلك الحقبة شخصيات تأثرت بقُربها من العائلة الملكية، ويُمكن أن نقول أن هذا الموسم يرسم ملامح صراع إنساني وسياسي بين الملكة وكلا من زوجة ابنها الأكبر "ديانا سبنسر"، ورئيسة الوزراء الصارمة "مارجريت تاتشر"، وظهرت "ديانا" نموذج للأميرة الصغيرة الضعيفة، وكانت "تاتشر" المُلقبة بالمرأة الحديدية كابوس حقيقي للملكة، وفي النهاية زعزعت كلا المرأتين العرش الملكي بصورة غير مسبوقة.
مأساة الليدي ديانا!
المسلسل بدأ في موسمه الأول بقصة صعود فتاة شابة إلى عرش أقوى إمبراطورية، وكيف أصبحت الملكة إليزابيث الثانية، المرأة القوية التى حافظت على استمراية العرش البريطاني وسط كثير من العواصف السياسية والعائلية، ولم يعتمد "بيتر مورجان" كاتب المسلسل على الرواية التاريخية التقليدية للأحداث، بل عمد إلى رسم الشخصيات الملكية بصورة إنسانية للغاية؛ فالملكة تظهر ضعيفة في كثير من الأحيان، وهذا ما عكسته الممثلة "كلير فوى" في أول موسمين، ورغم سنوات الخبرة والنضج التى عكسها أداء "أوليفيا كولمان" للملكة في الموسم الرابع نرى في عيونها نظرات الارتباك والغضب في لقاءاتها مع رئيسة الوزراء الصارمة "مارجريت تاتشر"، وهى سيدة عِصامية شديدة الجدية، لا تكن احتراما كبيراً للعائلة الملكية.
الموسم الرابع يركز على شخصيات ثلاث، هن الملكة والأميرة "ديانا" ورئيسة الوزراء "مارجريت تاتشر"، وتحتل حكاية "ديانا" الجزء الأكبر من الموسم، و هى الشخصية الهشة التي تُصور الوجه المعاكس لشخصية "تاتشر" القوية؛ ونراها في ظهورها الأول في المسلسل فتاة لطيفة صغيرة السن، سعيدة باهتمام الأمير "تشارلز" والعائلة الملكية، وداخلها حلم دخول القصر الملكي كأميرة، وفي مشهد لقائها الأول بالعائلة الملكية لأثناء رحلة صيد برية، نرى عيون "ديانا" سعيدة ومتحمسة، وداخلها شعور بالنجاح في اجتياز اختبار العائلة الملكية، وبعد صيد الظبي الجريح ونقله إلى القصر، لا تُدرك "ديانا" أنها قد أصبحت الصيد القادم للعائلة، وأن زواجها المُدبر من الأمير ليس أكثر من زيجة ملكية صورية.
سُجناء القصر
تمكن شاب عاطل يُدعى "مايكل فاجان" من التسلل إلى القصر الملكي، ودخول مخدع الملكة ليلاً، وقضى بعض الوقت معها يشكو لها أحواله وأحوال البلاد المتردية اقتصادياً، ولكن التسلل إلى قلب ومشاعر العائلة الملكة أمر صعب ومستحيل؛ فهم يعيشون داخل صورة ثابتة تحكمها بروتوكولات تمنعهم من التصرف بتلقائية، والتعبير الحر عن المشاعر والآراء السياسية، وبينما تمكن "مايكل فاجان" من لقاء الملكة عنوة لا تستطيع الأميرة "ديانا" لقائها للاستماع إلى شكواها من زوج لا يحبها ويُفضل قضاء وقته بصحبة عشيقته كاميلا باركر، وكلا من "فانجان" و"ديانا" شخصيات تُعاني ولا يشعر بها أفراد العائلة المالكة. يسأل "فانجان" الملكة لماذا لا تهتم بأمثاله من العاطلين؟ لكنها تؤكد أنها تهتم، وفي نهاية الحوار نرى الشاب مُحبطاً؛ فقد أدرك أن الملكة قد تهتم ولكنها لن تفعل شيئاً، فتلك هى وظيفتها، ألا تفعل شيئاً خارج إطار الحفاظ على الصورة الملكية النمطية في عيون العامة، وهى لا تفعل شىء ملموس للتهوين عن زوجة ابنتها "ديانا"، لأنها تهتم ببقاء الزواج الملكي مهما كانت الظروف التى تؤكد فشله.
أحلام ملكية مُجهضة
رغم اعتماد المسلسل على الوقائع التاريخية التي وثقها الإعلام، إلا أنه عمل درامي شديد الجاذبية، ومُشاهدته دون تربص بالتفاصيل التاريخية تجعله أكثر جاذبية، وقد نجح كاتبه "بيتر مورجان" في تحويله من عمل تاريخي يتتبع الواقع ويحاول نقله إلى الشاشة إلى حدوتة خيالية حزينة مأساوية، وتعيش كل شخصية من شخصيات المسلسل داخل مأساتها شخصية؛ فالملكة أسيرة واجبها المقدس كرمز للدولة، وتتحطم أحلام الشابة الجميلة "ديانا" على عتبات القصر الملكي الباردة، وتحصد رئيسة الوزراء الدؤوبة المُخلصة لمهمتها كراهية الجميع بدلاً من التقدير والزهور، وبينما ظنت كل واحدة منهن أنها تعيش داخل حكاية أسطورية، حيث يُحبها الجميع، وحيث ينتصر الخير على الشر، وحيث يعيش الجميع فى سعادة وسرور، تكتشف كل واحدة على حدة أن الواقع أكثر تعقيداً من الحواديت الخيالية.