"Soul".. حكاية عن الحياة والوجود وعالم الكبار في فيلم أنيمشن موجه للصغار!
يسعد الكبار أيضاً بمُشاهدة أفلام الرسوم المُتحركة المُخصصة للأطفال، ربما لأنها تُمنحهم السعادة الخالصة وتُغذي حالة الحنين لمرح الطفولة، ولكن أفلام شركة "بيكسار" من نوعية Soul "روح" لا تسعى لجذب جمهور الكبار من زاوية الحنين لأجواء الطفولة وحدها، بل تُدهشهم بأنها تًصور حياة وأفكار الكبار بأسلوب أفلام الصغار، وهى حينما تفعل ذلك تُقدم للصغار حكايات عميقة عن مشاكل الكبار، بتفاصيل ومرح أفلام الرسوم المتحركة الكوميدية، وبطل فيلم "روح" ليس لعبة تروي حكايتها كما في Toy Story "قصة لعبة"، وليس طفلاً صغيراً يحب الموسيقى التي تُحرمها عائلته كما في فيلم Coco "كوكو"، وليست طفلة تتسرب منها السعادة كلما كبرت كما في Inside Out "قلباً وقالباً"، بل رجل في منتصف العمر، لديه ولع بعزف موسيقى الجاز على البيانو.
كل هذا “الجاز"!
المدهش فعلاً أننا أمام فيلم أنيمشن يحكي عن شخص ناضج، وهو رجل يُدعى "جو" ويؤدي صوته "جيمي فوكس"، وحلم حياته أن يكون عازف جاز، ونفس الفيلم يتناول من زاوية أخرى الموت والغيب، وقدرة الإنسان على إكتشاف جوهر وهدف الحياة الحقيقى، والفيلم يتطرق لأمور فلسفية دون أن يفقد روح فيلم الرسوم المُتحركة المرحة، حيث السخرية والتهكم جزء من لغة الحوار والمواقف الدرامية، وربما كان التحدى الأكبر للفيلم هو شخصية بطله؛ فهو مدرس موسيقى في منتصف العمر، كل إهتمامه بموسيقى الجاز، ولديه أمنية وحيدة هى أن يكون عازف بيانو في فرقة تعزف موسيقى الجاز، وهو يعيش وحيداً، وكل تلك العناصر كان يُمكن تقديمها في فيلم سينمائى عادي، وسيكون غالباً عمل درامي قاتم وكئيب.
تبدأ حكاية الفيلم في التحول حينما يسقط البطل في بالوعة ويموت قبل ساعات قليلة من تحقيق حلم عمره، وهو العزف بمُصاحبة فرقة جاز معروفة في كازينو، وهنا يبدأ الفيلم في تصوير عالم مُختلف وخيالي عن العالم الأخر، وهو العالم الذي تقوم فيه الأرواح التي تركت الأرض لتوها بإرشاد الأرواح الجديدة التي على وشك بداية الحياة، ولكن "جو" يرفض هذا المصير ويرغب في العودة للحياة لتحقيقي أمنيته، ويجد نفسه مُجبراً على مرافقة روح جديدة ليس لديها شغف للحياة، وتصبح علاقتهما ومغامرتهما الغريبة على الأرض محور مواقف وأحداث الفيلم.
البحث عن أهداف الحياة
تيمة الشخص المُعلق بين الموت والحياة تكررت بتنويعات مُختلفة في العديد من الأفلام، منها Just like Heaven "كأنها الجنة" (2005) الذي تظهر فيه "ريز ويذرسبون" على هيئة شبح لمهندس شاب يسكن شقتها، وتحدث بينهما علاقة رومانسية غريبة، وهناك الفيلم المصري "على جثتي" (2013) التي يعود فيها شبح البطل "أحمد حلمي" لمنزله ليرى ما حدث لعائلته بعد وفاته، وهى نفس تيمة الفيلم الكلاسيكي "بابا أمين" (1950)، وهو أول فيلم يخرجه "يوسف شاهين"، وفيه يراقب شبح الأب "حسين رياض" مصير عائلته بعد موته، ويجمع بين تلك الأفلام تويست نكتشفه في النهاية، وهى أن أرواحهم كانت مُعلقة بين الموت والحياة، وأنهم كانوا فقط في غيبوبة سريرية، أو كان الأمر مجرد كابوس كما في فيلم "بابا أمين"، ولكن فيلم "روح" يتجاوز تلك الحلول الدرامية؛ فعودة جو للحياة كانت نتيجة مجموعة من المفارقات والحيل التي قامت بها روحه في العالم الأخر، وكل شغفه تحقيق هدفه كعارف لموسيقى الجاز، وخلال رحلته بصحبة الروح الجديد المدعوة بـ22 "تينا فاى" يحاول إلهامها لتكتشف شغفها الخاص والهدف من حياتها على الأرض.
الفيلم لا يسير في إتجاه الفلسفة العميقة للحياة والموت، بل يحاول أن يرى كل منهما بصورة بسيطة، وهو يُضيف بعد ثالث لتلك الثُنائية، وهو حياة ما قبل الحياة، وتُمثله الشخصية الغاضبة "22"، وهى دائمة التشكك في قدرتها على العثور على هدف لحياتها على الأرض، وترى فكرة السعى للنجاح بالصورة التى يراها "جو" عبثية، وبتصرفاتها العشوائية على الأرض تشير دون قصد لجوهر أخر للحياة، وهو الإستمتاع بتفاصيلها البسيطة للغاية، وهو أمر لم يُدركه "جو" إلا مُتأخراً.
بين السماء والأرض!
الفيلم يدور بين عالمين، وكل منهما له قواعده وتفاصيله المختلفة؛ سواء من خلال أسلوب الرسم، حيث يظهر عالم ما بعد الحياة وشخصياته على هيئة خطوط بسيطة دون تجسيد، والأرواح مثل دمى طيفية لم تتشكل هيئتها البشرية بعد، وتعمد المخرج وكاتب القصة "بيت دوكتر" أن يكون لكل عالم موسيقاه الخاصة، ولهذا شارك عدد من الموسيقيين في تأليف موسيقى العالم الغيبي للأرواح بثيمات حداثية تختلف عن موسيقى عالم جو الأرضي التى كانت مزيج من موسيقى وأغاني الجاز.
لم تعد أفلام الرسوم المتحركة حصرية على الصغار، وقد تجاوزت بأفكارها المُبتكرة شكل المطاردات الضاحكة التي كانت تقدمها أفلام من نوعية "توم وجيري"؛ ربما لأن الصغار أصبحوا أكثر نُضجاً وقدرة على التعامل مع حكايات الكبار، وربما لأن الكبار هم من يصنعون أفلام الصغار، ويجدون في حكاياتهم دراما تصلح لموضوعات أفلام الأنيمشن، وتمرير عظاتهم وحكمتهم للصغار، وعلى عكس أفلام "ديزني" التي تخصص عالمها الخيالي للصغار، وجدت "بيكسار" مساحة تجمع فيها بين الكبار والصغار، وتُحقق المُعادلة الصعبة للفيلم الذي يُقبل عليه أفراد العائلة بنفس الحماس والشغف.