فيلم "The Woman in the Window".. إيمي آدامز تواجه الوحدة والصدمة وسيناريو متواضع!
تدور رواية "امرأة في النافذة" للكاتب "أ. ج. فين" داخل منزل تعيش فيه "آنا فوكس"، وهى امرأة شابة وحيدة، وتُعاني صدمة نفسية ولا تخرج من بيتها تقريباً؛ بسبب إصابتها بمرض رهاب الأماكن المفتوحة، وهذا جعل دراما الرواية تدور داخل المنزل، وأغلب الأحداث هى أفكار البطلة وتأملاتها وأحياناً هلاوسها، وبعض المحادثات النصية القليلة التي تقوم بها على برنامج تواصل على الإنترنت، وهو برنامج يضم بعض من يبحثون عن الدعم النفسي، وأخيراً تُحاول البطلة التواصل مع جيرانها من خلال مُراقبتهم من خلال نافذتها بعدسة كاميرا تصوير دقيقة، وربما يبدو هذا الأمر قريباً للغاية من سلوك "جيمس ستيوارات" في فيلم Rear Window "النافذة الخلفية" الذي أخرجه "ألفريد هيتشكوك" عام 1954 عن رواية كتبها "كورنيل وولريتش".
جريمة من النافذة!
رواية "أ. ج. فين" من نوعية التشويق النفسي والجريمة، وهى مليئة بالأحداث والتويستات التي تجعل قرائتها ممتعة للغاية، وقرار شركة فوكس تحويلها إلى فيلم بالتعاون مع شبكة نتفليكس" أمر محفوف بالمخاطر؛ فالرواية تعتمد في كثير من تفاصيلها على وصف البطلة ورؤيتها للأحداث، وعلى مزج ما تستدعيه من ذكريات ووقائع، ومشاهد من الأفلام الكلاسيكية التي تراها. هى إمرأة تواجه وحدة عميقة داخل ذكريات عائلية وحكايات من الأفلام القديمة.
حبكة الرواية مُعقدة رغم سلاسة سردها وتدفقه، والبطلة التي تُعاني بما فيه الكفاية من صدمة نفسية هائلة تجد نفسها شاهدة على جريمة قتل جارتها التي إنتقلت قريباً لمنزل مواجه، ولكن كل شيء يتعقد حينما تؤكد الشرطة أن الجارة حية تُرزق، وينظر الجميع لآنا نظرة إشفاق؛ فهى امرأة مجنونة تتعاطى العقاقير الطبية القوية، وتُعاني من الهلاوس، وحتى حينما تزورها الجارة لتؤكد لها أنها حية لا تُصدقها "آنا"؛ فهذه إمرأة أخرى، وليست جارتها التي زارتها قبل أيام وتبادلا مُحادثة ودية لساعات.
امرأة تواجه الوحدة!
من العناصر الجذابة بالفيلم أداء "إيمي آدامز" لشخصية البطلة، وهى طبيبة أطفال نفسية تعاني أثار أزمة نفسية لا نعرف أسبابها على وجه التحديد، وهى تتعايش مع أزمتها في حالة إنكار، وهنا يقف المشاهد محتاراً؛ فما نراه أو نسمعه ليس بالضرورة حقيقياً؛ ربما يكون خيال "آنا"، وربما يكون حقيقياً، ويعتمد التشويق على التلاعب بين الحقائق والأوهام، ما تراه "آنا" حقائق تسعى لإثباتها يهدمها الأخرون، وهم يؤكدون لها أنها إمرأة مريضة تتوهم أشياء غير حقيقية، وهى سكيرة لا يُمكن التعويل على أى شىء تقوله، وقد تجاهل سيناريو الكاتب والممثل "تريسي ليتس" الذي قام بإقتباس الرواية وجسد دور الطبيب النفسي في الفيلم كثير من التفاصيل التي تُشكل عناصر عالم "آنا" المُنطوية على ذاتها ومأساتها، وركز على حبكة الجريمة ومُلابساتها.
وعلى عكس الرواية نجد الجريمة والشخصيات التي تدخل حياة "آنا" تتصدر المشهد والأحداث، وتتراجع تفاصيل أزمة "آنا" النفسية إلى خلفية الأحداث، وحذف الفيلم تفاصيل من الرواية تُصور السبب العميق الذي نتجت عنه إصابة "آنا" برهاب الأماكن المفتوحة، لقد مر عليها الفيلم سريعاً وهو يصور الحادث الذي تعرضت له، كما تجاهل العمل محاولات "آنا" إستعادة توازنها النفسي من خلال صداقتها لأخصائية العلاج الطبيعي التي تزورها أسبوعياً، أو من خلال إسداء النصح النفسي لبعض المرضى من خلال برنامج تواصل على الإنترنت، وهذه التفصيلة الأخيرة شكلت جزء هام من حبكة الأحداث وعلاقة "آنا" بالشخصيات حولها داخل الرواية، ومنها شخصية المراهق "إيثان".
البحث عن التشويق!
الشخصيات التي تدخل عالم "آنا فوكس" لا تُساعدها كثيراً فهي شخصيات عابرة لا تتعامل معها على أساس من الود إلا قليلاً، ولهذا تأثرت كثيراً بشخصية الجارة "جين راسل"؛ فهي زوجة تتمتع بالمرح والصحبة الممتعة، كما أن تشابه إسمها مع إسم النجمة الهوليوودية الكلاسيكية يُساهم في نشوء ألفة بين البطلة وجارتها الجديدة، وكذلك إبنها المراهق يبدو في حاجة للمساعدة النفسية، إنها تعاملت مع شخصيات من تلك المرحلة العمرية كطبيبة نفسية للأطفال، وتعرف التأثير السلبي لشخص مثل والده الشخص العصبي دائم الغضب، ويُحاول السيناريو أن يُقنعنا بما نراه من وجهة نظر الأخرين، ولهذا تبدو "آنا" دائماً مجنونة ومهووسة في عيوننا، ويتطرف السيناريو في الأمر حتى أننا كمشاهدين ننتظر المفاجأة المتوقعة، وهى أن "آنا" لابد على حق بشكل ما، وهذا بالتأكيد أفسد جزء كبير من حالة التشويق بالفيلم.
توفرت لفيلم "امرأة في النافذة" كثير من العناصر القوية؛ منها طاقم التمثيل الذي يضم "إيمي آدامز" و"جاري أولدمان" و"جوليان مور" و"جينفر جيسون لي" وغيرهم، وربما تكون "إيمي آدامر" أكثر العناصر التي منحت الفيلم جاذبية في حين كان ظهور باقي الشخصيات فاتراً، بل وهامشياً إلى حد كبير؛ فالمشاهد ينتظر أن يُشاهد مثلاً مشهد تقوم به "جينفر جيسون لي" يبرر إختيارها لهذا الدور المتواضع، ولكن هذا لا يحدث، كما أن المخرج "جو رايت" صاحب أعمال مُميزة إبداعياً مثل Atonement وPride & Prejudice وAnna Karenina، وجميعها كانت رؤي سينمائية لأعمال مأخوذة عن نص أدبي، ولكنه لم يستطع تقديم دراما تشويق إستثنائية عن رواية "أ. ج. فين" التي تحمل كل عناصر التشويق والغموض التي يُمكن أن تُلهم صانع الدراما السينمائية، لقد صنع المخرج "جو رايت" بالفعل كل الأجواء المثالية لسرد حكايته، ورسم المكان الذي تعيشه البطلة بتفاصيل مُلهمة، ومنح مدير التصوير "برونو ديلبونيل" المكان صورة قاتمة للمنزل الواسع الذي تعيش فيه البطلة وحيدة تجتر ذكرياتها وخيالاتها وهواجسها، ولكن لمسات الصورة والإخراج والديكور والإضاء الجيدة لم تنجح في تقديم حكاية تشويقية تحمل خصوصية درامية، ورغم الأسماء التي تقف خلف صناعة الفيلم كانت النتيجة عمل لطيف وبسيط يُمكن تقضية السهرة معه لا أكثر.