هل اقتبس "مارك زوكربيرج" عالم "الميتافيرس" من أفلام ومسلسلات الخيال العلمي؟!
لو حصل "مارك زوكربيرج" على فرصة التمثيل في السينما، فما هى الشخصية التي تُرشحه للقيام بها؟ بالنسبة لي أُراه ملائماً لأداء شخصية قرصان إنترنت مُنطوي وغامض، ولكنه اختيار نمطي، ربما تلائمه أكثر شخصية الشرير في فيلم جيمس بوند القادم؛ حيث نراه يسعى من خلال برامج الذكاء الصناعي والتواصل الاجتماعي إلى السيطرة على العالم، وربما يصنع هذا الشرير جيش من الروبوتات فائقة الذكاء تحت الأرض؛ لاحتلال العالم فعلياً، وقد يستخدم عالمه الافتراضي الجديد "الميتافيرس" ليسحر البشر، فيتبعونه ويذهبون طواعية داخل عالمه الساحر، فيكون مثل عازف الناى السحري في الأسطورة الألمانية؛ التي تروي حكاية شاب بارع في عزف الناى، وأراد الإنتقام من أهل قريته الذين سخروا منه؛ فسحر بألحانه أبناء القرية الأبرياء، فاتبعوه ودخلوا خلفه في كهف داخل أحد الجبال، ولم يخرج منهم أحد حتى يومنا هذا.
هل نعيش داخل اللعبة؟
لكن "مارك زوكربيرج" لا يصنع أفلام وقصص درامية كابوسية للتسلية، بل يصنع فعلياً عالمه الإفتراضي الجديد الذي سيبدأ قريباً جداً في التأسيس لثقافة مختلفة، وهو نوع مُتقدم يستغل إدمان البشر لوسائل التواصل الإجتماعي الإفتراضي، وبحسب الفيديو الذي شرح فيه "مارك زوكربيرج" عالمه الجديد يُمكن للبشر التواصل وممارسة الأنشطة التي كانوا يمارسونها في العالم الواقعي، ولكن دون الإنتقال فعلياً من أماكنهم، وذلك من خلال تقنيات الواقع المُعزز (AI)، والواقع الإفتراضي (VR).
اللجوء إلى الحلول الإفتراضية والعوالم الرقمية جزء من حبكات كثير من روايات وأفلام الخيال العلمي التي تناولت المستقبل؛ ففي فيلم Ready Player One للمخرج "ستيفن سبيلبرج" نتابع حكاية مُستقبلية ديستوبية تدور أحداثها في عام 2054، وفيها يستخدم أغلب البشر برنامج واقع إفتراضي ترفيهي يُدعى OASIS للهروب من كآبة الواقع، وقد ترك مُبرمج هذا الواقع الإفتراضي الراحل شفرة، وأوصى أن تؤول ملكية البرنامج إلى من يتمكن من العثور عليها، وتدور حرب داخل الواقع وخارجه بين فتى يتيم وأصدقائه، وبين شركة عملاقة ترغب في الإستحواذ على البرنامج، وإخضاعه لمصالحها الشريرة.
بلاك ميرور وكوابيس العام الإفتراضي!
ربما يكون مسلسل Black Mirror هو أكثر الأعمال الدرامية التي قدمت قصص مُتنوعة تتخيل حال البشر مع عوالم إفتراضية مشابهة لعالم "الميتافيرس" الذي بشرنا به "مارك زوكربيرج" مؤخراً، وفي هذه الأعمال تصور للعلاقة المُستقبلية بين الواقع الحقيقي والعالم الإفتراضي؛ ففي احدى حلقات المسلسل بعنوان Striking Vipers يُشارك شخص في لعبة أونلاين، ويتقمص شخصية مُختلفة تماماً، أثناء مواجهته لشخص اخر، وداخل اللعبة يُمكن أن يترك سلاحه، وتنشأ بينه وبين اللاعبة الإفتراضية علاقة عاطفية، وتستمر تلك العلاقة وتتطور كلما تعمق داخل اللعبة، إنه فعلياً يترك كل شيء في الواقع ويدخل اللعبة يومياً ليمارس حياة إفتراضية لا يستطيع صناعتها في الواقع! وفي حلقة أخرى بعنوان Rachel, Jack, and Ashley Too "راشيل وجاك وأشلي أيضاً" تتمكن البرامج الرقمية الحديثة والذكاء الصناعي من مُساعدة مُطربة البوب الشابة أشلي على أبداع أغاني جديدة، ولكن لا أحد يعلم سوى خالتها المُخادعة، وهى وكيلتها أيضاً، وقلة من الأشخاص أن أشلي في غيبوبة، وأن الألحان والأغاني جزء من أحلامها غير الواعية.
في حلقة San Junipero نرى مُنتجع ترفيهي ساحر، تعيش فيه فتاة وصديقتها الشابة في سعادة، ولكنه في الحقيقة مُجرد واقع إفتراضي يعيش فيه المسنين كأنهم في سن الشباب، وفي حلقة USS Callister يقوم مُبرمج موهوب يُعاني من تنمر وإزدراء زملاءه في العمل بعمل نسخ رقمية من زملاءه، بإستخدام شفرة حمضهم النووي، ويضمهم إلى لعبة تشبه "ستار تريك"، وفي اللعبة يكون هو قائد المركبة الفضائية، وهم تحت قيادته، وفي هذا العالم الإفتراضي يقوم بتعذيبهم بقسوة لدى ارتكاب أحدهم لأى خطأ.
حروب افتراضية في عوالم رقمية!
يظن البعض أن العالم الافتراضي مجرد حالة من اللهو البرىء التي تشبه ممارسة ألعاب الفيديو جيم، ولكن في فيلم Free Guy "جاى حراً" للمخرج "شون ليفي" تتحول لعبة أكشن رقمية فائقة الذكاء إلى كارثة؛ ويحدث ذلك بعد خلل داخلها يؤدي إلى أن يكتشف موظف في بنك "ريان رينولدز" أنه مجرد شخصية رقمية هامشية داخل اللعبة، وحينما يحصل على نظارة ترتديها شخصية خارقة باللعبة يبدأ في مُحاربة الأشرار؛ لأنه غير مُبرمج على الشر؛ مما يُفسد متعة الأشخاص الذين يمارسون اللعبة في الواقع، وتضطر مُبرمجة اللعبة "جودي كومر" إلى الدخول إلى اللعبة من خلال شخصية في اللعبة تشبهها في الواقع هى شخصية "فتاة المولوتوف"؛ للعثور على شفرة مُخبأة داخلها، تثبت ملكيتها للعبة هى وشريك لها، و ليس مُطور اللعبة الذي سرق حقوقهما، وينوي القضاء على اللعبة، وعلى عالم "جاى" الذي وقع في غرام "فتاة المولوتوف".
ربما كانت الحروب في Free Guy تميل إلى الكوميديا والخفة، وهى أقرب لأكشن ألعاب الفيديو جيم، ولكن حروب الواقع الافتراضي في سلسلة أفلام The Matrix "المصفوفة" لم تكن كذلك؛ ففي هذه السلسلة يكتشف البطل "كيانو ريفز" أنه يعيش داخل عالم افتراضي يسمى "المصفوفة"، ويتحكم في هذا العالم الذكاء الصناعي والآلات التي تسعي للسيطرة على البشر، واستخدامهم كمصادر طاقة لصالحهم.
رُبما يكون "الميتافيرس" هو وسيلة تواصل وتفاعل مفيدة كما يبدو في العرض اللطيف الذي قدمه "مارك زوكربج" للعالم، ولكن ألم تُحذرنا الدراما منذ عُقود من أشباه هذا الواقع الإفتراضي الذي يبدو لطيفاً من الخارج ومُخيفاً من الداخل؟
الصور مأخوذة من الحسابات الرسمية لتلك الاعمال على مواقع التواصل والفيديوهات المرفقة