Inventing Anna.. "جوليا جارنر" تكذب وتُصدق أكاذيبها في دراما مُراوِغة وبطيئة الإيقاع
حكايات الاحتيال مادة مُلهمة للدراما؛ فشخصية المُحتال في الواقع تقوم بتأليف الحكايات والتمثيل والإرتجال بذكاء لو لزم الأمر، وكلما كانت حبكة الحكايات مُتقنة، والأداء مُقنعاً كانت عملية الاحتيال ناجحة وكشفها صعباً. المُحتال شخص جذاب، ويسهل الإعجاب به، وهو يستغل ذكاءه وجاذبيته للإيقاع بضحاياه، وذلك ما فعلته "آناسوركين"، الفتاة الشابة التي حكت نتفليكس حكاياتها في دراما قصيرة مكونة من تسع حلقات، بعنوان Inventing Anna "إبتكار آنا"، والحلقات من بطولة الممثلة "جوليا جارنر"، وتأليف "شوندا رايمز".
من الذي اخترع "آنا"؟
تفتننا شخصيات النصابين على الشاشة، وتمتلك كل شخصية أدواتها في ممارسة النصب؛ فقد إستغل "أحمد مظهر" سذاجة القروي الساذج "إسماعيل يس" ليبيع له ميدان عام في فيلم "العتبة الخضراء"، وأقنع "ليوناردو كابريو" الجميع أنه طيار وجراح دون أن يقود طائرة أو يجري عملية جراحية في فيلم Catch Me If You Can "امسكني ان استطعت"، أما "آنا" فهى تستخدم مزيج من الجاذبية والغرور والإغواء والذكاء الفطري للحصول على ملايين الدولارات، مُستغلة مظاهر رأسمالية شائعة في المجتمع؛ منها المُبالغة في إدعاء الثراء؛ لتحقيق المزيد من الثراء.
"آنا سوركين" فتاة مُفلسة من أصول روسية، في العشرينيات من عمرها، تمكنت من الإندماج داخل مُجتمع الأثرياء في نيويورك، باسم مُستعار هو "آنا ديلفي"، وإقناعهم أنها وريثة ثرية ألمانية، وتمكنت من خلال شخصيتها المزيفة خداع الكثيرين والنصب عليهم، قبل أن تتمكن الشرطة من كشفها والقبض عليها، وأثناء مُحاكمتها تحاول صفحية كتابة قصتها كما ترويها هى، ويُصبح البحث عن حقيقة "آنا" مسألة شديدة الصعوبة؛ فهى شخصية ناعمة مراوغة شديدة الذكاء، وقد صنعت شخصيتها من كثيرالتفاصيل الصغيرة المفبركة التي عايشتها وصدقتها؛ ولهذا كانت تتصرف بتلقائية وتخدع الأخرين بسهولة، وبالإضافة إلى الأشخاص، قامت "آنا" بالإحتيال على عدد من البنوك والفنادق الكبرى.
إكذب حتى تصدق نفسك!
"جوليا جارنر" ممثلة شابة موهوبة، بدأت بأدوار المراهقة البريئة، وجسدت أحد أهم أدوارها في مسلسل Ozark، وهو دور شابة ذكية وطموحة تعيش مع عائلتها التي تمارس الجريمة في مدينة نائية، وهى في Inventing Anna تُقدم شخصية مُحتالة شابة حقيقية، وكانت مُحاكمتها قبل سنوات قليلة حديث المجتمع والإعلام الأمريكي، ويُقدم المسلسل حكاية "آنا" تحت عنوان: "القصة كلها حقيقية، بإستثناء الأشياء المُختلقة تماماً"، وهو عنوان مُراوغ لا يؤكد أو ينفي إذا كان ما نراه على الشاشة هو ما حدث بالفعل، أو مزج بين تفاصيل من خيال كاتب المسلسل والحقائق.
تنجح "جوليا جارنر" في تجسيد شخصية "آنا" المُحتالة الشابة، وهى تصنع للشخصية ملامح وتفاصيل أداء تختلف عن شخصية الفتاة المهمشة في Ozarkوالسكرتيرة التي تواجه تحرش رئيسها في فيلم The Assistant والمراهقة التي تقع في غرام جاسوس روسي متخفي في مسلسل The Americans.
ربما واجهت لكنتها الغريبة المزعجة إعتراضاً من بعض الجمهور، لكن هذا أمر هامشي إذا قارناه بتسطيح القصة، وغياب الُعمق الكاف لإبراز الكثير من الطبقات المخفية في أعماق نفسية "آنا"، وقد بدا أن السيناريو مفتوناً أكثر بقصص إحتيال "آنا"، ولم يتوقف طويلاً أمام إشكاليات نفسية وأخلاقية تُعاني منها الفتاة؛ ولم يُفسر مثلاً لماذا كانت "آنا" تحتال لمجرد الإحتيال أحياناً؟ وهل الأمر مُجرد استمتاع بالقدرة على الخداع والإحتيال؟
خلف قناع "آنا"!
لم يُجب السيناريو بوضوح على سؤال مثل ما مدى إقتناع "آنا" وتصديقها لأكاذيبها؟ وهل إنهار الخط الفاصل بين التخطيط للخداع وتصديقه داخلها؟ ربما كان الغموض سبباً في ترك الأمور على هذا النحو، ولكن ذلك جعل الشخصية باهتة وسطحية أحياناً، وتقدم مغامرات مُسلية أكثر منها دراما ترسم ملامح شخصية مضطربة وخادعة.
الحلقات تُقدم حكايات متنوعة عن إحتيال "آنا" على عدد من الشخصيات التي تعاملت معها، ونتابع تلك الحكايات برواية "فيفيان كينت" الصحفية الحامل التي تقوم بدورها "آنا شلومسكي"، وهى شخصية تُحاول استرداد سمعتها بعد إرتكاب خطأ مهني فادح، وتمثل قصة "آنا" فرصة كبيرة لها لذلك، ورغم كل مشاكلها المهنية والشخصية تجتهد لتصل إلى ما وراء قناع الفتاة الجميلة التي خدعت الجميع، ولكنها لا تأمن شخصياً خداع "آنا" لها، أو مُمارستها للكذب دون وعي، ولأن البحث حول كل تاريخ "آنا" ومغامراتها زلق ومُراوغ فعليها أن تكون أكثر حرصاً حتى لا تتحطم مصداقيتها المهنية المشروخة أصلاً.
جزء من عيوب المسلسل هو طول الحلقات بلا ضرورة، والإغراق في حوارات وتفاصيل كان يُمكن الإستغناء عنها دون أن يخل ذلك بمسار الحكاية وإيقاع الدراما، وكان مُرهقاً للمُشاهد الإنتظار الساعة تلو الساعة حتى تبدأ حبكة المسلسل في الإنطلاق.