الموسم الثالث من "Love, Death and Robots" يدين البشرية ويحذر من نهاية مفزعة
بعد أربعة أعوام من بداية انطلاقه عبر منصة نتفلكس، الموسم الثالث من مسلسل "Love, Death and Robots" بدأ عرضه من أيام، حيث يسير هذا الموسم بحلقاته التسعة على نفس نهج المواسم السابقة بالتعرض لقضايا وأفكار تتعامل مع وجود الإنسان وتسببه في خلق عوالم كابوسية أو انتهاء الجنس البشري بأكمله أو حتى التعامل مع كيانات خارقة أكبر من قدرة البشر على مواجهتها، تتجمع عدد من الأفكار المتنوعة تحت مظلة المسلسل حيث تمثل كل حلقة شكل متفرد ومستقل وهو البناء والشكل الذى حقق شهرة واسعة مع مسلسل آخر بدا من بريطانيا قبل أن تستحوذ عليه نتفلكس وهو Black Mirror الذى يسير على نفس النهج ولكن بتنويعات على علاقة الإنسان بالتكنولوجيا، لكنه أكثر قتامة وفى كثير من الأحيان مرعب ومخيف على عكس "Love, Death and Robots" المعتمد على الرسوم المتحركة ويميل أكثر للكوميديا السوداء والسخرية والدراما.
الموسم الاول من المسلسل كان مكون من 18 حلقة وعرض عام 2019، وكان بمثابة موسمين لان الموسم الثاني جاء بواقع 8 حلقات وعرض عام 2021، الموسم الثالث بدأ بحلقة اعادت الذكريات للموسم الأول والتي كان أبطالها ثلاث روبوتات يزورون الأرض وقد انتهت حياة البشر عليها، وخلال سيرهم معا يتناول حوار هم تعليقا ساخرا على سلوك البشر لنكتشف في النهاية أن الكوكب أصبح ملكا للقطط التي أصبحت تتحدث وتعيش على الكوكب بحرية.
في الموسم الثالث حلقة البداية معنونة بـ"ثلاثة روبوتات: استراتيجيات الهروب" ومن خلالها عادت الشخصيات الثلاثة كما هي، ولكنهم كانوا هذه المرة في زيارة ميدانية للأرض يدرسون كيف حاول البشر للناجين بعد الكارثة الاستمرار في الحياة؟ وانتهى الأمر بهم جميعا وقد ماتوا لأسباب متعددة كل حسب مستواه المادي، لم يكن من بين هذه الأسباب حرب نووية أو كارثة طبيعية أودت بحياة الملايين من البشر وأنهت الخدمات المساعدة على الحياة، ببساطة قضي على الجنس البشري بسبب صلافته وغبائه على العرق بأكمله حسب تخيل كتاب الحلقة، وهو الأمر الذي يسخر بشكل مباشر من الحروب التي يشنها البشر على بعضهم البعض وأيضا عدم اهتمامهم بالحفاظ على النظام البيئي.
الملاحظة الأهم في الشكل الاساسي للمسلسل هو المحافظة على التنوع لحد كبير، حيث أن هذا التنوع هو طبيعته ولا يقتصر على الموضوعات فقط بل أيضا في أساليب الرسم والتحريك والألوان وأيضا خلط مباشر بين الثقافات، ويمكن ملاحظة هذا بقوة بالمقارنة بين الحلقتين الأولى والثانية في الموسم الثالث، حيث ننتقل مباشرة لحقبة زمنية أخرى، نعود للماضي حيث مجموعة من البحارة على مركب متخصص في صيد القروش، يهبط على مركبهم عنوة وحش أسطوري ضخم من فصيلة القشريات يشبه الكابوريا أو سرطان البحر يأكل لحوم البشر وكأنهم طفيليات.
تستمر الأحداث والتي نشاهد من خلالها مقاومة المجموعة للوحش ومقاومتهم لبعضهم البعض وفق طرق ديمقراطية تنتهي دائما بموت أحدهم، الوحش شديد الذكاء ووجوده يهدد الجنس البشري بأكمله، ومن خلال هذه الحبكة نتعرف على واحد من أسباب بقاء الجنس البشري وهو الذكاء والتخطيط ومحاولة تخطي الصعاب باصرار، لكنه يكشف أيضا قسوة البشر وحده طباعهم وعدم اهتمامهم بالبيئة حيث يظهر بوضوح سبب اصطياد هؤلاء البحارة للقروش بكثرة متفوقين عليه وعلى قوته بالشكل الذي يدفع المشاهد إلى المقارنة بين الوحش الذي يسعى بدوره للبقاء من خلال استغلال البشر كطفيليات وبين البحارة الذين يصطادون القروش بشكل مفرط من اجل غرض وحيد يستطيعون بسهولة استبداله دون الإفراط في قتل القروش، والمقارنة بالتأكيد تدين البشر وتجعلهم وحوشا مثلهم مثل سرطان البحر الضخم.
الألوان ومصادر الإضاءة في الحلقتين شديد الاختلاف ليتلاءم كل عنصر منهما مع طبيعه الحلقة، ففي الحلقة الأولى كانت الألوان مبهجة والأحداث بأكملها تدور في ضوء النهار على الرغم من وجود العديد من الجثث المقتولة ببشاعة إلا أن هذا تم توظيفه بشكل لا يبدو فجا أو مثيرا للأعصاب بشكل كبير، خلافا للحلقة الثانية التي تدور معظم أحداثها ليلا وباضاءة طبيعية تعتمد على الشموع والمصابيح المضاءة بالمواد البترولية وهو الأمر الذي يثير الرعب والتوتر وفي الوقت ذاته يتناسب مع الحقبة الزمنية، لذلك كانت مشاهد القتل في الحلقة أكثر عنفا ودموية وإثارة للأعصاب.
على نفس النهج تتنوع باقي حلقات الموسم ما بين المحاولات المستميتة للبقاء من قبل بشري وحيد في الفضاء ومواجهة قوى أكبر من قدرته هناك أو على الأرض، ومقاوما وحوش هو صنعها لأغراض السيطرة وينتهي بها الأمر منقلبة على صناعها وتحاول تدميرها، أو حتى المحاولات المستميته لشخص أن يقف في مواجهة تطور كائن آخر لكنه لا يستطيع ويضطر في النهاية أن يضع العنف جانبا ويلجأ للسلام ويحترم التوازن البيئي، لكن الخلاصة الحقيقية من الموسم تأتي في حلقة نهايته والمعنونة بـ"جيبارو" والتي تعود بنا إلى زمن أبعد تحديدا الحقبة الكولونية حيث مجموعة من الفرسان يسيرون مدججين بالسلاح بصحبة بعض القساوسة في بورتريكو بالبحر الكاريبي، واثناء راحتهم بجوار بحيرة صغيرة تظهر امرأة غامضة من المياه جلدها من الذهب والاحجار الكريمه وتمتلك قوة خارقة تتيح لها التحكم والسيطرة، ومن خلال صوتها وحركاتها الراقصة تجذب الفرسان الذين يندفعون حياتها بكل قوة وعنف يقتلون بعضهم البعض وفي النهاية يغرقوا جميعا في قاع البحيرة ولم يصل إليها أيا منهم، الناجي الوحيد هو الفارس الأصم جيبارو الذي كان من الممكن أن ينجو بحياته بعد هذه المذبحة لكنه في الحقيقه لا يقل عنهم طمعا.
الحلقه الاخيره تركز على السلوك الإنساني والمطامع في الثروات التي تؤدي إلى الحروب وفي النهاية تدمر الحضارات ويخسر الجميع، وفنيا هي الحلقة الأصعب في التنفيذ وتضم تفوق في عدد من العناصر مثلها مثل باقي الحلقات يمكن تلخيصها في رسم الشخصيات والتحريك والإضاءة لكن الحلقه الاخيره تزيد عليهم بتصميم شريط الصوت المميز والذي تعتمد عليه الدراما فيها بشكل أساسي حيث أن الصوت هو السلاح الأهم عند المرأة الخارقة والصمم هو وسيلة الدفاع الأهم عند الفارس الطماع وكلاهما تم توظيفه بشكل ابداعي داخل الحلقه.
الموسم الثالث من المسلسل مستمر بنفس القوة والتفوق الفني على الرغم من قصر زمن الحلقات إلا أن الجهد واضح جدا في صناعته، وهذه الحلقات تحمل ملامح سينمائية أكثر منها تلفزيونية وهو أمرا ليس غريبا إذا ما عرفنا أن وراء صناعتها كمنتج تنفيذي هو المخرج الأمريكي ديفيد فينشر.