هل ظلمت السينما المصرية أيقونة السينما الأمريكية ميرنا لوي؟

يُحكى أن نجمة هوليوود "ميرنا لوي" كانت أيقونة للجمال، حتى أنها كانت في سن المراهقة موديل لعمل نحتي بديع عنوانه "نافورة العلم"، ولا زال هذا التمثال موجوداً حتى الآن في مدخل مدرسة فينيسيا في لوس أنجلوس، وكانت نموذجاً لجمال وأناقة فتيات حقبة ثلاثينيات القرن العشرين، وكانت أكثر وجه تطلب السيدات التشبه به في عيادات التجميل، وصنعت "ميرنا" مجدها السينمائي بأكثر من مائة فيلم، وحصلت على أوسكار شرفية عام 1991، وتحكي مواقع عربية نسخة حزينة عن نهايتها؛ وتقول أنها كبرت في السن، وعملت كومبارس في العديد من الأفلام المصرية؛ وتذكر المواقع أنها السيدة الأجنبية "ماتيلدا" التي باعت ساعة قديمة لبائع الروبابيكيا "سعيد صالح" في بداية فيلم "مسعود سعيد ليه؟". هل تحولت أسطورة هوليوود إلى كومبارس بالسينما المصرية دون أن يعرف ذلك أحد سوى هذه المواقع؟

من هي ميرنا لوي الأصلية؟

بدأت شهرة الممثلة الأمريكية "ميرنا لوي" المولودة عام 1905 في السينما الأمريكية من حقبة السينما الصامتة في العشرينيات، ثم أصبحت واحدة من أهم واشهر نجمات هوليوود في حقبة الثلاثينيات والأربعينيات، وإسمها ضمن قوائم أشهر نجمات هوليوود تحقيقاً للأرباح في شباك التذاكر فيما بين عامي 1936 و1948، جنباً إلى جنب مع نجمات الصف الأول "هيدي لامار" و"كاثرين هيبورن" و"جينجر روجرز" و"كارول لومبارد" وغيرهن.

صنعت "ميرنا" ثنائي ناجح وشهير للغاية مع زميلها الممثل خفيف الظل "ويليام باول"، وقدما معاً حوالي 13 فيلم، أشهرهم سلسلة أفلام المحقق "نِك" وزوجته "نورا" المعروفة بإسم The Thin Man "الرجل النحيف"، وقد تركت السينما وقت الحرب العالمية الثانية وإنخرطت في المجهود الحربي، وقلت أعمالها منذ نهاية حقبة الخمسينيات، وأصبحت تظهر ضيفة شرف في أعمال وبرامج تليفزيونية، وكان أخر أعمالها دور صغير في فيلم Just Tell Me What You Want اخراج "سيدني لوميت" وكان ذلك عام 1980.

حقيقة الكومبارس المصرية المجهولة!

الروايات التي تحكي عن عمل "ميرنا لوي" في مصر ككومبارس بين عامي 1955 و1990 بسبب حاجتها للمال يصعب تصديقها لعدة أسباب؛ أولها عدم وجود أى ذكر لإسمها ضمن تترات الأفلام المذكورة؛ والأمر الثاني أن مشاركة "ميرنا لوي" بطولات أفلام هامة في الخمسينيات لا يتسق مع فكرة ظهورها كومبارس في فيلم "الكيلو 99" مع "إسماعيل يس" عام 1955، والأمر الثالث هو أنها في حقبة الثمانينيات المزعوم فيها مشاركتها في أفلام لعادل إمام ومحمود عبد العزيز وفريد شوقي ويسرا كانت تقيم في أمريكا ونشاطاتها مسجلة.

كيف نصدق مثلاً أنها ظهرت كومبارس في فيلم "إعدام ميت" عام 1985 وهو نفس العام الذي كرمتها فيه أكاديمية العلوم والفنون  بحضور 2800 عضو وضيف؟ وكيف يتسق ظهورها كومبارس في فيلم "لبن سمك تمر هندي" عام 1988 وفي نفس العام تحضر تكريم كبير بمركز كينيدي الثقافي بأمريكا؟ وبين هذا الفيلم وذاك كتبت مذكراتها بعنوان Myrna Loy: Being and Becoming وتم نشرها عام 1987، ولأسباب صحية قبلت الأوسكار الشرفي عام 1991 عن طريق بث كاميرا مُباشر من منزلها في نيويورك، وكان ذلك أخر ظهور علني لها.

عمل "ميرنا لوي" ككومبارس من عام 1955 وحتى عام 1990 في مصر بسبب حاجتها للمال كما تدعي صفحة ويكيبيديا ومواقع أخرى تخريف لا أصل له؛ فهى حينما ماتت عام 1993 تبرعت في وصيتها المنشورة بالصحف الأمريكية بحوالى 600 ألف دولار لبعض المؤسسات الخيرية والثقافية، بالإضافة إلى عدد من مجوهراتها الثمينة، والعديد من الفساتين الأصلية التى ظهرت بها في سلسلة أفلام The Thin Man الشهيرة، ولأنها لم تنجب فقد تركت عقارات وممتلكات أخرى لأفراد عائلتها الأحياء، وهذا يثبت أنها كانت ميسورة الحال حتى يوم مماتها.

الأمر الأخير في هذه الحكاية العبثية أن الكومبارس المزعومة والتي ظهرت في مشهد مع الفنان الراحل "سعيد صالح" تتحدث العربية بصعوبة لا تشبه "ميرنا لوي" في سنواتها الأخيرة، ولا تُجيد التمثيل أو الوقوف أمام الكاميرا.

ميرنا لوي في القاهرة!

أرشيف الصحافة المصرية حافل بزيارات نجوم هوليوود لمصر؛ منهم "شارلي شابلن" و"ريتا هيوارث" و"اليزابيث تايلور" والمخرج "هيتشكوك" وأخرين، ولكن لا توجد على حد علمي صورة أو خبر عن زيارة "ميرنا لوي" لمصر، فهل كانت هناك أى علاقة من أى نوع بين "ميرنا لوي" ومصر؟ الإجابة: نعم هناك علاقة!

 في بداياتها الاولي شاركت "ميرنا لوي" كراقصة ضمن المجاميع في النسخة الصامتة من فيلم The Ten Commandments "الوصايا العشر" اخراج "سيسيل ديميل" عام 1923، وكانت أحداثه في مصر القديمة، ولاحقاً ظهرت في أدوار الفتاة ذات الأصول الشرق أوسطية أو الآسيوية في أفلام مثل The Desert Song "أغنية الصحراء"، و The Black Watch"كتيبة الحراسة"، لكنها تخلت عن هذا النوع من الادوار لاحقاً، وفي عام 1933 قامت ببطولة فيلم بعنوان A Night in Cairo "ليلة في القاهرة".

يبدأ فيلم "ليلة في القاهرة" بوصول "ديانا" التي تقوم بدورها "ميرنا لوي" إلى القاهرة لزيارة خطيبها والإستعداد لحفل خطوبتهما، وتتعرف على المرشد العربي "جميل شهاب" وقام بدوره الممثل المكسيكي "رامون نوفارو"، و"جميل" شاب يُوقع السائحات الثريات في غرامه؛ من أجل الحصول على جواهرهن الثمينة، ولكنه يقع في غرام "ديانا" التي تخبره في مرحلة ما من الفيلم أن والدتها مصرية. جميع مشاهد الفيلم تم تصويرها في استديوهات مترو جولدن ماير وصحراء أريزونا كما روت "ميرنا لوي" بنفسها في مذكراتها.

علاقة "ميرنا" بالسينما المصرية جائت بصورة غير مباشرة من خلال فيلم "بنات حواء"، من بطولة "محمد فوزي" و"مديحة يسري"، وإخراج "نيازي مصطفى" عام 1954، وجسدت "مديحة يسري" نفس الشخصية التي جسدتها "ميرنا لوي" في الفيلم الأمريكي Double Wedding "زفاف مزدوج" الذي أخرجه "ريتشارد ثورب" عام 1937 وتدور أحداثه حول سيدة الأعمال صاحبة الشخصية المستقلة التي تُحاول منع إرتباط شقيقتها الصغرى (شادية في النسخة المصرية) برسام فوضوي فقير (محمد فوزي)، ويوافق هو بشرط أن تسمح له الشقيقة الكبرى برسمها، وأثناء ذلك يحاول إستمالتها والزواج منها، والفيلم المصري تمصير للفيلم الأمريكي.

هل مواقع السينما مصادر موثوقة؟

ربما أطلق أحدهم على الكومبارس الأجنبية المجهولة بمصر لقب "ميرنا لوي" على سبيل المزاح، وربما أعجبها هى ذلك وأصبح هذا إسم شهرتها في الوسط الفني، وربما كانت تلك الفرضية سبباً في الخلط الحادث في بعض المواقع.

تحفل المواقع الأرشيفية السينمائية على الإنترنت بالأخطاء، وهى تشترك مع ويكيبيديا في أنها أرشيف لم يتم تدقيقه بشكل علمي؛ لذا يجب النقل عنه بحذر؛ فمواقع مثل IMDB الأمريكي، وelcinema العربي، وويكيبيديا العالمية قد تصلح معلوماتها كمرجعية غير مؤكدة؛ ولكنها ليست مواقع أكاديمية موثوقة بشكل مُطلق، وبعضها حافل بالأخطاء الفادحة، سواء في المعلومات أو الترجمة، والقليل منها يراجع ويُصحح معلوماته.

قائمة أعمال "ميرنا لوي" لا تضم أي أعمال مصرية في صفحتها على ويكيبديا الإنجليزية، وكذلك موقع allmovie الأرشيفي الأمريكي، ولكن هذه الأعمال المزعومة موجودة فقط على موقعي elcinema العربي، و IMDB الأمريكي، وعلى صفحة "ميرنا لوي" باللهجة المصرية على ويكيبيديا، وغالباً مصدر المعلومات الخاطئة في تلك المواقع الثلاثة شخص واحد، أو مصدر واحد؛ لأنها تتطابق تقريباً، وأرجو تصويبها أو توضيحها إحتراماً للدقة والحقيقة.

مصادر الصور: صفحات ميرنا لوي على  تويتر وانستجرام ولقطات من أفلام مصرية وأجنبية.