خاص .. "المربع" يحمل السعفة الذهبية.. توقعات ومفاجآت في جوائز مهرجان كان
أسدل الستار على الدورة السبعين من مهرجان كان السينمائي الدولي، دور كان عنوانها هو الاحتفال بتاريخ المهرجان العريق، وكان مستوى أفلام مسابقتها الرسمية أقل بكثير من التوقعات، صحيح أن هناك عدد من الأفلام الجميلة، ولكن الدورة بشكل عام افتقرت للفيلم التحفة الذي يجتمع المتابعون على مستواه.
لجنة التحكيم التي رأسها المخرج الإسباني الكبير بيدرو ألمودوفار، وشارك في عضويتها النجمان الأمريكيان ويل سميث وجيسيكا تشاستين خرجت بنتائج مرضية بشكل عام، مالت للجرأة والتجريب خاصة في اختيار الفيلم المتوج بالسعفة الذهبية، أرفع جوائز المهرجان وأهم جائزة سينمائية سنوية، والتي ذهبت للفيلم السويدي "المربع" للمخرج روبن أوستلوند.
"المربع" امتلك تقديرات نقدية إيجابية عامة منذ عرضه، لكن عدد قليل كان يتوقع أن يصمد للجوائز بشكل عام لا أن ينتزع أكبرها، فهو أولاً فيلم كوميدي وهذا أمر يقلل من حظوظ الأفلام عادة (نتذكر كيف خرج "طوني إردمان" الرائع العام الماضي خالي الوفاض رغم إجماع النقاد عليه)، وهو عمل لاذع، يسخر من الفنون الحداثية والمعارض التي تُقام فلا يفهم منها أحد شيئاً لكن الجميع يشيد بها من باب الوجاهة الثقافية.
أوستلوند هاجم ثقافة غرب أوروبا، وبالتحديد الثقافة الاسكندنافية الآتية من اطمئنان مادي واجتماعي في مقابل خواء روحي يحاول الجميع تعويضه بالفنون، دون هم حقيقي يشغلهم. يبحثون عن الغرابة وعن لحظات من الإثارة الزائفة يدفعها الفيلم أكثر من مرة لتتجاوز الحدود وتتحول مشكلات لحظية في مشاهد كل منها صالح أن يكون لوحة مستقلة، خاصة في نصف الفيلم الثاني. وجود ألمودوفار بالتأكيد ساعد في الانتصار لهذه التجربة الممتعة التي كان من الوارد وأدها من لجنة تحكيم أخرى.
رابحون متوقعون
بعيداً عن صاحب السعفة الذهبية جائت باقي الجوائز متوقعة بنسبة كبيرة، في انعكاس آخر لمحدودية الأعمال الجيدة التي انحصرت خيارات المحكمين بينها. النجمة الألمانية ديان كروجر على سبيل المثال خرج الجميع بعد العرض الأول لفيلم "في الذبول" للمخرج فاتح أكين يتوقعون حصولها على جائزة التمثيل وقد كان. الأمر نفسه مع النجم خواكين فينيكس عن دوره في "لم تكن أبداً هنا" للسكوتلاندية لين رامسي. الطريف أن الفيلمين آخر عملين عُرضا في المسابقة قبل الختام بيومين، وكأننا انتظرنا عشرة أيام كاملة و17 فيلماً حتى نعثر على أداء تمثيلي يستحق التتويج.
الجائزة الكبرى "جران بري" ثاني جوائز المهرجان أهمية نالها الفيلم الفرنسي "120 دقة في الدقيقة" لروبن كامبيو، الفيلم الحقوقي الذي يؤرخ لجهود جمعية "آكت أب" التي كانت أول جماعة فرنسية تقوم في التسعينيات بالتوعية بأخطار مرض الإيدز وتطالب بحقوق مرضاه الصحية والاجتماعية. فيلم قضية لكنه مصنوع بشكل إنساني مؤثر.
جائزة لجنة التحكيم نالها فيلم "بلا حب" للروسي أندري زيفانتسيف، أول فيلم عُرض في المسابقة ومن وقتها واسمه موجود ضمن التوقعات، أو على رأسها لو نظرنا لتقييم مجلة سكرين للأفلام بالدرجات. زيفانتسيف يشرح الفساد الأسري والمجتمعي في روسيا عبر حكاية زوجين يستعدان للانفصال يختفي ابنهما بشكل مفاجئ، لنكتشف في رحلة بحثهما عنه ضياع قيمة الفرد التي تبدأ من داخل الأسرة قبل أن تمتد للمجتمع بأكمله.
بينما تقاسم جائزة السيناريو نصّا فيلمي "قتل غزال مقدس" ليورجوس لانثيموس و"لم تكن أبداً هنا" للين رامسي.
فائزة مفاجئة وخاسر أكبر
أكثر الجوائز مفاجئة، وربما إثارة للجدل، كان فوز المخرجة الأمريكية صوفيا كوبولا بأحسن إخراج عن فيلمها "المغشوش". الجائزة جائت مفاجئة في ظل شبه إجماع من الصحافة الدولية على تواضع مستوى الفيلم الذي لعب بطولته النجوم كولن فاريل ونيكول كيدمان وكرستين دانيست وإيل فانينج. رغم فريق التمثيل الكبير فإن فيلم كوبولا خالي من المحتوى، يقدم حكاية شوهدت من قبل كثيراً دون أن تطورها المخرجة لأي شيء جديد أو مرتبط بالعالم المعاصر.
لا يمكن القول بأن جائزة الإخراج تقنية تعتمد على الحرفة لإنها ليست جائزة للتصوير والمونتاج، والإخراج من ضمن أهم أهدافه اختيار الموضوع وضبط السيناريو، لكن يمكن التخمين بأن نهاية الفيلم التي تتضمن خطة انتقام جماعية قد راقت لألمودوفار الذي طالما ما استخدم الانتقام تيمة لأعماله، خاصة وأن فيلم "في الذبول" الفائز بأحسن ممثلة هو الآخر ينتهي بانتقام.
أما الخاسر الأكبر فهو بالتأكيد "مخلوق رقيق" للأوكراني سيرجي لوزنيتسا، أكمل وأمتع أفلام المسابقة في رأيي، والذي قد يكون سبب تجاوز اللجنة له طوله البالغ ساعتين ونصف لم يبذل المخرج أي جهد في اختصارها، فهو لا يؤمن بأهمية ذلك ويعطي كل لحظة قيمتها ووقتها الكامل، لدرجة وضع مشهد كابوس مدته نصف ساعة كاملة تراه البطلة في نهاية الفيلم. هذا فيلم من النوع الذي قد تظلمه المشاهدة داخل مهرجان وسط عشرات الأفلام وضغط الوقت، لكنه بالتأكيد سيكون له شأن أكبر في الشهور المقبلة والمهرجانات الآتية.
بحلوها ومرّها انتهت الدورة، واحتفل أوستلوند بالسعفة الذهبية رفيعة المقام، وبقى لنا ذكريات رائعة قضينها في قاعات المدينة الرائعة على شواطئ الريفيرا أو كما يسمونه "ساحل الأزرق".