رؤية نقدية .. انتهي عصر "أين تذهب هذا المساء؟"
أيام ويبدأ عرض أولي حلقات مسلسل شركة "مارفل" Inhumans فى معظم قاعات IMax بالعالم، خطوة ربما تبدو ضئيلة وصغيرة فى منظومة عمل صناعة عالمية ضخمة لكنها فى الوقت ذاته فارقه ومحورية فى علاقة الأعمال الدرامية المنتمية للسينما بنظيرتها المنتمية للتليفزيون، خاصة وأن المسلسل صُور من الأساس بالكاميرات المصممة خصيصًا لالتقاط المشاهد بتقنية IMax، نحن الآن لسنا أمام محاولة الترويج لمسلسل تليفزيوني عن طريق السينما كما حدث سابقًا مع الحلقتين التاسعة والعاشرة من الموسم الرابع للمسلسل الأشهر فى العالم Game Of Thrones عام 2015، والذي حقق أسبوع عرضهما على 205 شاشة بتقنية IMax فى الولايات المتحدة مبلغ مليون و800 ألف دولار ليصبح بذلك أول مسلسل تليفزيوني يعرض فى السينما بهذه التقنية وربما أيضًا أول الغيث الذى تلا ذلك من وقائع متعددة تؤكد على ذوبان الفوارق بين ما كانا وسيطين مختلفين فى الماضى.
نحن بالفعل فى قلب مرحلة ذابت فيها الفوارق بين الدراما التليفزيونية والسينمائية، ليس فقط بسبب التقدم التكنولوجي الخارق على مستوى الصورة والخدع البصرية والصوتية والذى جعل من بيئة العمل فى اى من الوسيطين متاح وبالفعل هناك العديد من السينمائيين اغرتهم التكنولوجيا والطفرة القوية للعودة مرة أخرى إلى التليفزيون، وليس هناك أفضل من التدليل على هذه الظاهرة الا بحلقات المسلسلات التى أصبحت الدراما فيها تتخطى حاجز الـ45 دقيقة وتصل لأقل أو أكثر من ساعة وهو ما يجعلها نظريًا اقرب للفيلم القصير مع التقدم الواضح فى الصورة كما الحال مع العديد من حلقات مسلسل Black Mirror أو الخروج من قالب المسلسل القصير لوحدات اقصر زمنيا منضبطة الإيقاع -لظرف عرضها على الشاشة الصغيرة- مع تجميعها تجعلها اقرب للفيلم الطويل كما الحال مع مسلسل Sherlock.
وفى السينما تحولت السلاسل التى كانت تتكون من 3 أفلام عادة إلى عوالم منفصلة افلامها متصلة جميعها بخيط يجمعها تخطى افلامها العشرة أجزاء، وأصبحت مصطلحات مثل "سيكوال" و"بريكوال" هما الدليل لفهم اتفاصيل الملتبسه على القادمين الجدد لمتابعة هذه العوالم مثل عالم Star Wars الذى بدأ عام 1977 بـ3 أفلام متتالية وبحلول عام 1999 كان صانعهم جورج لوكاس قد بدا فى طرح 3 أفلام أخرى تسبق فى زمن تتابع الأحداث ثلاثية السبعينيات، ثم عام 2015 يأتي بجزء سابع يسرد احداث هذا العالم بعد 20 عام من الثلاثية الأولي وبالطبع يتخلل كل هذه الافلام العديد من الأعمال الفنية التى تستغل نجاح الأفلام وتتحول إلى الشبكات التليفزيونية وتعرض على الشاشة الصغيرة منها مسلسل الرسوم المتحركة The Clone Wars، والذى ينتمى لنفس العالم لكنه يركز على فترة زمنية محددة ويعرض تفاصيل اكثر مرت عليها سلسلة الأفلام مرور الكرام.
حالة المسلسل الخيالى Inhumans الذى تتبناه شركة "مارفل" وتعاملها معه هى أيضا أحدى الشواهد الأساسية فى هذه الظاهرة، حيث أنه واحد من سلاسلها المصورة التى ربما لا تحظي بشعبية كبيرة لكنها جاذبة، الأمر الذى يجعلها أقرب للعرض عبر وسيط التليفزيون كما حدث من قبل فى تجربة مارفل مع مسلسل Agents of S.H.I.E.L.D الذى خرج من رحم عالم "مارفل" السينمائي ليجد وسيلة عرضه فى شبكات الكابل التلفزيونية ومستمر عرضه حتى الآن وكل ما احتاجوه هو فقط شخصية العميل فيل كولينز (كلارك جريج) الذى قتل فى نظر فريق "آفنجرز" أثناء معركة نيويورك ليصنعوا مسلسل ناجح خرج من رحم سلسلة افلام سينمائية، لكن الشواهد بالفعل تبدو أكبر من مجرد إيجاد الوسيط المناسب لعرض المنتج الفنى يبدو أن البساط ينسحب بالفعل من تحت أقدام دور العرض السينمائية.
هذه التفاصيل الصغيرة ترسم ربما ملامح المستقبل القريب الذى تحتل فيه العروض عبر وسيط الأنترنت "ستريمنج" ذائقة الجمهور ويقل الضغط على دور العرض السينمائية بشكلها التقليدي، توافر الشاشات كبيرة الحجم المعتمدة على التكنولوجيا الرقمية مع الإنترنت فائق السرعة وقدرة الشركات الكبرى فى هذا المجال مثل "نيفلكس" على الأنتاج أو على أقل تقدير شراء الأفلام والمسلسلات واعادة بثها عبر الإنترنت سيحول المنازل لدور عرض صغيرة مستقلة يهوي فيها الجمهور اقتناء شاشات ضخمة ومتابعة إنتاج العالم الفنى من عليها، والأمثلة كثيرة وأقربها فيلم Okja الذى أصبح مثار للجدل فى الدورة الماضية لمهرجان كان السينمائي الدولى، حيث أثار حفيظة الجمهور ومعهم رئيس لجنة تحكيم المسابقة الدولية المخرج بيدرو إلمودفار قرار شركة "نيتفلكس" المنتجة للفيلم بعدم عرضة بشكل تقليدي فى دور العرض والاكتفاء بعرض المهرجان ليبث عبر الأنترنت لمشتركى الشبكة ليبدأ صراع وجدل ما زال قائما حتى الآن بعد مرور أكثر من أربع شهور على الواقعة وسيظل دائر لفترة طويلة تالية تذوب خلالها الفوارق أكثر بين الوسيطين ويحقق الـ"ستريمنج" نجاحات أكبر ليصبح هو التطور والحقيقة الواقعة فى المستقبل.