رؤية نقدية ـ Game of Thrones..سيف ودماء ومشاعر ضائعة
المسلسل الأكثر شعبية وحظوة بالاهتمام في العالم، والذى يوحى عنوانه Game of Thrones بأنه انعكاس للصراعات السياسية وتداخلات الأديان والعقائد والأصول العرقية معها، هذه الصراعات ليست الخط الرئيسي الذى يحرك الأحداث والشخصيات هي مجرد أدوات في الحقيقة وعلى عكس ما يبدو ظاهريًا فإن السياسة والحكم والمناورات ومؤامرات القصور هي توابع لمسببات الصراع الحقيقي وهو الحب، العاطفة هي المحرك الرئيسي لكل خطوة في المسلسل، بالتأكيد الروايات التي يعتمد عليها صانعي المسلسل ديفيد بينوف ودانيال وايس من تأليف جورج آر آر مارتن والتي صدر منها حتى الآن 5 روايات ومن المقرر صدور اثنتين أخريتين، عالمهم غزير التفاصيل يعكس بإسقاطات واضحة الكثير من الوقائع السياسية والنظريات، لكن المسلسل الذى نشهد موسمه الثامن والأخير هو رومانسي يعالج مشاعر الحب بحد السيف، وأي علاقة حب تخلف من الدمار أكثر مما تجلب سعادة لطرفيها.
الحلقة العاشرة والأخيرة من الموسم السادس كشفت وأكدت بوضوح أصل الصراع والحدث الذى تسبب في كل الفوضى اللاحقة، قصة حب ليانا ستارك وريجار تارجيريان التي تكللت بهروب ليانا وزواجها من ريجار وإنجابها جون سنو/ إيجون، أول مثلث حب مدمر أطرافه إلى جانب الزوجين روبرت بارثيون خطيب ليانا وصديق أخيها نيد والذى وقع فى حبها من طرف واحد بينما هي وقعت في غرام ريجار منذ اللحظة الأولى للقائهم فى "هارينهول"، هروب الزوجين فسره الجميع على أنه اختطاف من قبل ريجار لذلك بدأ روبرت الثورة على الملك المجنون إيريس ومعه نيد ستارك الذى قتل الملك اباه وأخاه الأكبر، انتهت الثورة بمقتل الملك المجنون على يد جيمى لانستر وجلوس روبرت على العرش وزواجه من سيرسى لانستر التي أحبته في البداية لكن مثلث حب أخر تكون كان السبب في استمرار الأحقاد والصراع الدموي.
مثلث الحب الثاني بدأ بسيرسي المحبة لروبرت المحب بدوره للراحلة ليانا وعندما تكتشف الزوجة الحقيقة ترتبط بجيمى ومع مرور السنوات يسمن روبرت ويبتعد عن الفارس الذى كانه يومًا للحد الذى يجبر معه نيد أن يعود معه ليصبح نائبه ويده اليمنى في الحكم، الأمر الذى اثار حفيظة سيرسى ودفعها لانتقام محموم من آل ستارك بأكملهم وما زالت حتى أحداث الموسم الأخير تحمل نفس الحقد والضغينة ليس فقط تجاه آل ستارك ولكن ضد أي علاقة حب أيا كانت حتى ولو كان أبنائها طرف فيها، الحب والكره هنا هو ما يحدد الصراع نحن أمام تراجيديا إغريقية او شكسبيرية باقتدار مصنوعه بمقاييس القرن الـ 21 للتليفزيون خصيصًا حيث يختفى الخط الفاصل بينه وبين السينما في الوقت الذى تنشأ فيه ثقافة منصات الإنترنت ومكتبات المالتميديا بالتزامن مع توافر ورخص إسعار الشاشات الذكية بكل أشكالها.
مع انتصاف الموسم الأخير للمسلسل وقرب وداع محبيه لحلقاته، يمكن القول بكل تأكيد أننا امام ظاهرة لا تقارن بأي مسلسل ناجح سابق مهما بلغت شعبيته، فعادة ما تلجأ المسلسلات للمساحة الآمنة لتكون خالية قدر الامكان من العنف والمشاهد الجريئة والاشتباك مع القضايا الشائكة، وتميل لتكون ترفيهية بيضاء في معظمها نظرًا لأن الجمهور المستهدف هو العائلة وعدده أكبر ومتنوع والتليفزيون هو وسيط العرض وبالتالي هناك فرض أكبر لمعايير أخلاقية واجتماعية صارمة، وربما تشدد في الحكم على المحتوى بشكل مقيد للأبداع أكثر من الأفلام السينمائية، أي مقارنة لعملين فنين استنادًا للتصنيف العمرى الخاص بكل منهما بين الوسيطين سيكشف مدى الصرامة التي تتمتع بها الدراما التليفزيونية.
هناك بالطبع عدد من المسلسلات التي سبقت Game of Thrones في تقديم محتوى لا يلتزم كثيرًا بالاتفاق الضمني المتشدد على الدراما التليفزيونية، لكنها فتحت لنفسها مساحة حرية في تقديم العنف وكل الممنوعات بالوصول لأعلى سقف ممكن لتعبر عن وجهة نظر صانعيها البعض كان يضمن مسلسلاته مشاهد خارجه عن المألوف وتحمل هذه الحلقات تصنيفات خاصة بها وحدها، والبعض الآخر يضع هدفه من البداية أن يعلو على الحاجز الموضوع لكن في النهاية هي محاولات لم تحظى بالشعبية الجارفة التي تمنح أفضلية أن تكون باب للتغير وفرض واقع جديد.
لكن Game of Thrones فعلها، تخطى حاجز كل شيء: ميزانيات الإنتاج، ضخامة تصميم الإنتاج بالنسبة لمسلسل كتنوع مواقع التصوير الخارجي وفقًا لمتطلبات المسلسل حتى لو على حساب موعد عرضه، الممثلين –يعتمد بشكل رئيسي على البريطانيين وهو مسلسل أمريكي-، الشخصيات والتعامل معها حتى ولو كانت أثيرة عند الجمهور فيمكن الاستغناء عنها، حتى زمن عرض الحلقات وتوقيت عرضه في ظل النظام الصارم للعرض التليفزيوني في الولايات المتحدة.
بمعنى آخر أن كل الممنوعات الممكنة تجمعت في هذه المسلسل لتصبح مرغوبة ومتاحة وكل العوائق التي كانت من الممكن أمام ظهور مثل هذا المسلسل ذُللت ليتحول إلى مسلسل جماهيري على مستوى الكوكب، يشاهده المعظم ويتفاعل معه عدد أقل ويتحدث عنه آخرين من فئات عمرية مختلفة على الرغم من تصنيفه الذي يتيح مشاهدته لمن هم أكبر من 17 عام، تأثيره ممتد وسيستمر وبالتالي هو دليل على النجاح وعليه ما قبل Game of Thrones مختلف عن ما سيأتي بعده.