رؤية نقدية ـ "دولار".. عيدية نتفليكس للمشاهد العربى!
مطاردة الكنز، من حبكات السينما الكوميدية الكلاسيكية، التى تكررت فى العديد من الأفلام المعروفة، وهى حبكة تفتح الباب أمام دراما تُقدم مجموعة من المغامرات والمواقف الضاحكة، وفى كل مغامرة نتوقف أمام حكاية صغيرة، وشخصيات ثانوية، وتكون فرصة السيناريو للسخرية من تكالب الشخصيات الرئيسية على المال، وفى كل مرة يضحك المشاهد على إخفاق الأبطال فى الوصول للمال بسبب حماقاتهم، أو سوء الحظ الذى يطاردهم فى كل مرة يسعون فيها إلى الثراء السهل السريع.
فكرة لامعة وحبكة قديمة!
من أمثلة هذا النوع من الأعمال فيلم المخرج ستانلى كريمر "It's A Mad Mad Mad Mad World" "إنه عالم مجنون مجنون مجنون مجنون"، وهو عن سباق جنونى بين مجموعة غُرباء، للفوز بمبلغ مسروق، وهناك أيضاً فيلم "عالم مُضحك جداً" بطولة فؤاد المهندس وشويكار، وإخراج "حسام الدين مصطفى"، وهو مأخوذ عن المسرحية الروسية "ثلاثة عشر كرسياً"، تأليف الثنائى "إليا ليف وبتروف"، حيث نتابع مُطاردة ضاحكة للعثور على كرسى صالون، مٌخبأ بداخله مجموعة جواهر ثمينة.
يقدم المسلسل اللبنانى "دولار" معالجة عصرية لحبكة مطاردة الكنز، من خلال فكرة تسويقية غريبة يستخدمها بنك جديد للدعاية لنفسه، وهى فكرة تؤدى لمجموعة من المغامرات التى يقوم بها رجل وامرأة، يتنافسان عبر أحياء وشوارع بيروت؛ بهدف العثور على عملة ورقية بقيمة دولار واحد، وهذه الورقة التى تحمل رقماً محدداً، يفوز صاحبها بجائزة قيمتها مليون دولار.
ماراثون مطاردة الدولار
فى رحلة بحث " طارق: عادل كرم"، و" زينة: أمل بوشوشة" عن ورقة الدولار، نتابع مجموعة كبيرة ومتلاحقة من الحكايات الهامشية، تحتل كل حكاية حلقة، أو أكثر، والحكايات لا يربط بينها شيء تقريباً؛ فهى حكايات عن الفقر أحياناُ، مثل قصة الساحر الذى يدخر الدولار تلو الأخر، ليشترى دراجة لابنته الصغيرة، أو حكاية كاريكاتورية عن السيدة الثرية "كارمن لُبس" التى تكون نادِ للمطلقات، أو مصممة أزياء مولعة بالأفكار الغريبة، تصنع فستان من عملات الدولار، وغيرها من الحكايات التى تقترب وتبتعد عن مضمون الحكاية الأصلية، وبعضها مُجرد حشو لمسلسل مكون من 15 حلقة، ولا يحمل خيوط درامية قوية، بإستثناء الخط الدرامى الرئيسى.
أزمة الحكايات الثانوية، أو المغامرات التى خاضها "طارق" و"زينة" أنها لا تحمل خصوصية، وتبدو إعادة تدوير لحكايات درامية عادية ونمطية، بلا معالجة درامية مُبتكرة، مثل حكاية شاب تزوج فتاة يحبها دون علم أهلها، أو صاحب شركة صرافة تكتشف عائلته أنه مُتزوج من أكثر من امرأة، وغيرها من الحكايات التى نراها مجرد أفكار لا معة، لم يتم إستغلالها درامياً بشكل كاف، ولم تكن كوميدية أيضاً.
حتى الحكايات الجيدة؛ مثل الأستاذ الجامعى الذى يرغب فى الإنتحار بعد فقدان زوجته، أو تحول ورقة الدولار إلى راكور فى لوكيشن تصوير مسلسل قروى، أو الفتاة القادمة من سوريا لتحقيق حلمها فى مسابقة مواهب غنائية، لم تكن كافية لصناعة مسلسل مبتكر؛ فمعظم هذه المغامرات يمكن حذفها، ولن تؤثر على معرفة المشاهد لتسلسل الأحداث، بل يمكن للمتفرج مشاهدة الحلقة الأولى، والقفز مباشرة إلى الحلقة الأخيرة، دون أن يفوته الكثير من الحبكة؛ فالعمل يعمل شعار الكوميديا، ولكنه لا يستطيع الحفاظ على طزاجة الحالة المرحة دائماً.
الرومانسية الحاضرة الغائبة
الخيوط الدرامية الأخرى، مثل علاقة "طارق" و"زينة" الرومانسية لم تأخذ حظها، رغم أن المسلسل قائم على كاريزما العلاقة الثنائية بينهما، وهى كاريزما تقوم على التنافس حيناً، والتعاون حيناً أخر، ولم تكن الخلفية الدرامية لكل منهما ثرية على الشاشة، وبشكل خاص ماضى "طارق" الذى كان غامضاً حتى الحلقة العاشرة تقريباً؛ فهو ذلك الشخص المادى المغرور، صاحب الفكرة التسويقية لجائزة المليون دولار التى استخدمها البنك، ونعلم أن ظروفه المادية سيئة بعد الإنفصال عن زوجته الثرية، وهذه المعلومات تدفعنا للسؤال: لماذا ترك زوجة شابة حسناء وثرية وأخذ يطارد حلم مستحيل للحصول على مليون دولار؟!
العلاقة الرومانسية بين البطل والبطلة لم تحظ بالرعاية الدرامية الكافية، والأسباب عديدة؛ أهمها انهماك السيناريو فى صناعة مغامرات البحث عن الدولار، وهى المغامرات التى فقدت بهائها بعد عدة حلقات، وتحولت عملة الدولار التى تنتقل من يد لأخرى، إلى ما يشبه ريشة خفيفة يحملها الهواء من مكان إلى مكان، وكلما ظن البطل أنه أمسكها، جاءت الرياح الدرامية، وحملتها إلى مكان بعيد؛ لتبدأ المطاردة المملة من جديد.
هل تفوق "دولار" على "جن"؟
المسلسل من تأليف "هشام هلال"، وبمشاركة ورشة كتابة، ومن إخراج "سامر برقاوى"، والإنتاج لشركة "سيدرز آرت برودكشن - صبّاح اخوان"، وهو الإنتاج العربى الثانى لمنصة نتفليكس ـ Netflix، ضمن خطة طموحة لإنتاج أعمال عربية، ويأتى بعد المسلسل الأردنى القصير "جن"، الذى عُرض فى شهر يونيو الماضى، وكانت تجربة مُخيبة للأمال.
مسلسل "دولار" قدم عملاً دراميا أكثر نضجاً من "جن"، وإحتوت حلقاته على شكل بصرى جيد، وإنتاج سخى، وهو مسلى إلى حد ما، رغم التطويل فى بعض الحلقات، ولكنه بشكل عام لم يكن العمل المنتظر كإنتاج تحت مظلة نتفليكس، ويظل عملاً محدود الطموح الدرامى، ولا يقدم جديداً ومبتكراً رغم فكرته الرئيسية اللامعة.