رؤية نقدية ـ سلاسل الأفلام.. هل تتحول السينما إلى تليفزيون كبير؟!
أول سلسلة أفلام سينمائية معروفة أنتجتها هوليوود، كانت عام 1913، بعنوان "ماذا حدث لمارى؟"What Happened to Mary? ، وهى سلسلة أفلام حركة مكونة من 12 فيلم صامت، وكانت تٌنتج بمعدل فيلم كل شهر. أصبحت السلاسل الفيلمية جزء رئيسى من خطة إنتاج هوليوود سنوياً، وكانت تلك الأفلام تشبه المسلسلات التليفزيونية حالياً، حيث نتابع حكايات الشخصيات المتنوعة من خلال حبكة تدور فى عالم واحد، مثل عالم الحروب، وحكايات الغرب الأمريكى، ومغامرات طرزان، مع ظهور التليفزيون بدا أسلوب السلاسل الفيلمية القصيرة أنسب لمشاهد التليفزيون، لكن هوليوود طورت سلاسل الأفلام، وجعلتها ملائمة للشاشة الكبيرة؛ بإستخدام وسائل الخدع والإبهار الجذابة للمشاهد السينمائى، ونجحت بعض السلاسل بسبب جاذبية العوالم التى تدور فيها؛ فعالم الجاسوسية والمغامرات فى أفلام "جيمس بوند"، التى بدأت فى الستينيات لا زال ساحراً حتى الآن، وكذلك سلسلة الخيال العلمى "حروب النجم"، وبالطبع لا يكاد المشاهد يُلاحق متابعة سلاسل أفلام السوبر هيروز المأخوذة عن عوالم "مارفل"، و"دى سى كوميكس"، والتى تحصد مليارات الدولارات فى شباك التذاكر.
من الأمور النادرة فى السينما المصرية إنتاج أجزاء ثانية من الأفلام الناجحة، ويمكن إعتبار ثلاثية "نجيب محفوظ" وثنائية "أم العروسة"، والحفيد" مجرد استثناء؛ وكلاهما مأخوذ عن روايات أدبية مُقسمة على أجزاء، وأنتجت السينما العديد من الأفلام المأخوذة عن الرواية الملحمية "الحرافيش"، وكلها تدور فى عالم فتوات القرن التاسع عشر.
مزيد من الأجزاء فى الطريق
منذ بدايات السينما العربية، فى القرن الماضى، لم تتغير قاعدة بناء الفيلم السينمائى العربى، ، وهى أن تبدأ حدوتة الفيلم وتنتهى فى خلال الساعتين التى يقضيهما الجمهور داخل قاعة العرض، والمُشاهد العربى عموماً لا يُفضل النهايات المؤجلة لأجزاء ثانية، ولايٌحبذ الإنتظار أعواماً ليشاهد باقى أحداث الفيلم.
لكن القاعدة تتغير حالياً؛ فلم تشهد مواسم السينما العربية هذا العدد من الأجزاء الثانية من الأفلام، كما شهدت خلال موسم عيد الأضحى الأخير. قبل العيد بفترة قصيرة بدأ عرض الجزء الثانى من فيلم "الفيل الأزرق"، وتلاه خلال أيام العيد عرض فيلمى "ولاد رزق ٢"، و"الكنز٢"، ومع مؤشرات نجاح هذه الأفلام، بدأت الأخبار تنتشر حول نية صُناع "الفيل الأزرق" إنتاج جزء ثالث من الفيلم، وهناك أيضاً فيلم "الشايب" وهو مُشتق من "ولاد رزق"، ويمهد لأحداث الجزء الثالث. أعلنت شركات إنتاج أخرى عن نيتها إنتاج أجزاء ثانية من أفلام عُرضت خلال السنوات السابقة، منها "هيبتا"، و"الهرم الرابع".
هل تخاف السينما الأفكار الجديدة؟
المراقب لموضوعات وأفكار السينما العربية خلال السنوات الأخيرة سيكتشف أن فقر الأفكار، وصعوبة إنتاج أعمال فنية عن موضوعات حساسة أو مثيرة للجدل، جعل السينما تدور فى حلقة مفرغة من الموضوعات التجارية الاستهلاكية المكررة، وأفرزت تلك الحالة نوعية الفيلم اللايت كوميدى الشعبى، الملىء بالأغانى الشعبية، والرقص، والإفيهات السطحية المبتذلة، وفيلم "إنت حبيبى وبس" بطولة "بوسى"، و"محمود الليثى"، والراقصة "صوفينار" نموذج لهذه النوعية؛ فلا يطمح هذا الفيلم إلى تقديم فن من أى نوع؛ هو مجرد صخب شعبى إحتفالى يشبه ما تقدمه فرق الأفراح الشعبية، ويحصل الفيلم على كم متواضع من إيرادات شباك التذاكر، ولكنه مُربح بالنسبة للمنتج الذى لا يكف عن إنتاج هذه النوعية منخفضة التكاليف، وأى ربح تجلبه مقبول.
نجاج "الفيل الأزرق" بعد عرضه عام 2014 ألهم صُناعه إنتاج جزء ثانٍ، ورغم مرور خمس سنوات على إنتاج الجزء الأول فقد غلبت الدوافع التجارية على الدوافع الفنية؛ فوجدنا الفيلم يُعيد تقريباً نفس اللعبة السحرية التى صفق لها الجمهور فى الجزء الأول، مع مزيد من الخدع البصرية السحرية الجيدة، وكان الأمر مقبولاً لدى قطاع المُعجبين بالفيلم، وأجواءه، وبلا شك سهل نجاح الجزء الثانى فكرة إنتاج مزيد من الأفيال الزرقاء!
نجاح أم إفلاس؟
حينما قدم "طارق العريان" فيلمه "ولاد رزق" عام 2015، كان يقدم فيلم جريمة شعبى، كتلك التى قدمها "محمد رمضان" فى عدد من الأفلام السابقة، ولكن بأدوات إخراجية أكثر إتقاناً وجاذبية، وحبكة اكثر ذكاء، وبطولة جماعية كانت من عوامل نجاح الفيلم، وكان عرض الجزء الثانى فى موسم العيد ملائماً تماماً؛ نظراً لأنه موسم رواج المشاهدة السينمائية الخفيفة، ونجح الفيلم بإعتماده على نفس الأبطال، وأجواء الجريمة والحركة فى المنافسة بقوة فى شباك التذاكر.
تختلف الحالة مع فيلم "الكنز"، للمخرج "شريف عرفة"؛ فالحالة التليفزيونية تُسيطر على مود العمل، ويبدو بخيوطه الدرامية مُثقلاً بحكايات مُختلفة فى الشكل والعصر الزمنى، وبدا الخيط الرفيع الذى يجمعهم حكايات تمزج بين الحب والسلطة والتعصب الدينى.
لم ينجح "الكنز" فى طرح كل ما يرغب فى عرضه للمشاهد فى جزء واحد طويل (حوالى 165 دقيقة)؛ ولهذا جاء الجزء الثانى مُكملاً لأحداث الجزء الاول، وبنفس أسلوب الطرح الدرامى، وهو المزج بين عدة خطوط درامية، وكان توقيت العرض غير ملائم للفيلم.
قد تحل فكرة إنتاج أجزاء جديدة من أفلام نجحت تجارياً مأزق السينما بعض الوقت، ولكنها لن تحلها جذرياً؛ فالمشاهد بطبعه ملول، ويجب أن تحمل الأجزاء الجديدة إضافة درامية وفنية، وعيوب المط والبطىء والتكرار قد تكون مقبولة فى الدراما التليفزيونية، ولكنها تكبر وتتعاظم وتصبح مزعجة للغاية على الشاشة الكبيرة.