فى ذكرى ميلاده.. من هو "إسماعيل ياسين" الفرنساوى؟!
أثناء زيارة "إسماعيل ياسين" إلى سوريا فى منتصف الخمسينيات؛ لتصوير فيلم "إسماعيل يس فى دمشق"، أجرى لقاء داخل مبنى الإذاعة السورية بدمشق، وفاجأه المذيع بسؤال جاء فيه: "يُشبهك الجمهور بالممثل الكوميدى الفرنسى Fernandel "فرناندل"، فما هى أوجه الشبه بينك وبينه، غير الملامح والشبه الطبيعى؟"، وبأسلوب "سمعة" المرح، وبدون تفكير أجاب: "الكلام بالفرنساوى!".
فى بدايات السينما المصرية، لم تكن تقتبس وتُمصر موضوعات الأفلام العالمية فقط، بل كانت تصنع النجوم الجدد من وحى نجوم السينما العالمية، وكانت نوعية السينما وشخصياتها تتأثر كثيراً بما تُقدمه السينما العالمية؛ فحينما بدأت "هند رستم" تُقدم أدوار الإغراء، كانت صدى لشخصية الممثلة الأمريكية "مارلين مونرو"، ولهذا سُميت "مارلين مونرو" الشرق، وحينما ظهرت الطفلة "فيروز" كأول طفلة بطلة لأفلام سينمائية، كانت محاكاة لشخصية الطفلة الأمريكية "شيرلى تمبل"، وحينما ظهر الكوميديان الفرنسى "فرناندل"، بملامحه البعيدة عن الوسامة، وفمه الكبير، وسذاجته المفرطة، وجدت السينما المصرية أن أفضل من يقدم نسخة مصرية منه هو الممثل الناشىء وقتها "إسماعيل ياسين".
"فرناندل" الشرق
وُلد "إسماعيل ياسين" قبل 107 عام، وتحديدا فى 15 سبتمبر عام 1912، بمدينة السويس، وإنتقل إلى القاهرة فى الثلاثينيات، مُطارداً حلم حياته فى أن يكون مُطرباً عاطفياً، مثل الموسيقار "محمد عبد الوهاب"، لكن بسبب ملامحه المُضحكة وشخصيته المرحة وجد نفسه يسير فى طريق المونولوج.
لم يجد "إسماعيل ياسين" مشكلة فى السخرية من فمه الكبير، ومن ملامحه؛ فحينما إنغمس فى عالم غناء المونولوجات النقدية الساخرة، وجد نفسه قد تعود على السخرية من أى شىء، ومن كل شىء، حتى لو كانت ملامحه وهيئته، وقد أدرك الجمهور المصرى وقتها هذا التشابه الكبير بين "سمعة" المصرى، و"فرناندل" الفرنسى، نظراً لأن أعمال "فرناندل" السينمائية معروفة، وأفلامه تُعرض فى دور السينما المصرية، وبدأت الصحافة تُطلق على "سمعة" لقب: "فرناندل" الشرق، ولم يكن اللقب مزعجاً لإسماعيل ياسين؛ فقد كانت نجوم السينما المصرية وقتها يتباهون بتشبيههم بنجوم السينما العالمية.
أدرك "إسماعيل ياسين" أن هذا الشبه بينه وبين "فرناندل" فى الملامح يًثير إعجاب وفضول الجمهور المصرى؛ فبدأ يُقلد عن قصد أو بدون قصد بعض تعبيرات النجم الفرنسى، ومنها طريقته فى الضحك بخجل حينما يقف أمام فتاة تعجبه، ولا يستطيع التعبير لها عن إعجابه، وبالإضافة إلى تقليد حركاته إقتبس "سمعة" بعض أفلام "فرناندل"، ومنها فيلم "حلاق السيدات"، المقتبس عن الفيلم الفرنسى الذى حمل نفس الاسم "Coiffeur pour dames"، شاركت "سامية جمال" بطولة الفيلم الفرنسى "على بابا والأربعين حرامى"، وكان ذلك عام 1954، وكان البطل أمامها الفرنسى "فرناندل"، الذى جسد شخصية "على بابا"، وجسدت "سامية جمال" شخصية "مرجانة"، وكانت مشاهدة الثنائى مدهشة بالنسبة للجمهور العربى؛ فاللقطات التى تجمعهما كأنها مشاهد فيلم مصرى من بطولة "سامية جمال" و"إسماعيل ياسين"، وخاصة المشاهد الرومانسية التى يظهر فيها "فرناندل" خجولاً ويبتسم مُظهراً أسنانه الكبيرة وفمه الواسع.
وبالإضافة إلى "فرناندل" هناك بعض حركات الأداء الكوميدى التى تأثر بها "إسماعيل ياسين" فى بداياته، وكانت حركات مقتبسة من نجوم كوميديا أجانب، وبعض هذه الحركات إنصهرت داخل أداءه هو، ولازمته لاحقاً فى جميع أعماله.
"سمعة" فى ملابس "شارلى شابلن"
من شاهد أعمال الكوميديان الأمريكى "لو كوستيلو" ربما يكتشف بعض التشابه بين لزماته ولزمات حركية لـ"إسماعيل ياسين"، وخاصة لزمات التعبير عن الخوف الشديد، وهى حركة اليد المفرودة المرتعشة التى تتحرك لأعلى وأسفل، وارتعاشة الساقين، وفُقدان الصوت المؤقت، والصراخ بلا صوت طلباً للنجدة، وغالباً كان يستنجد بزميله "عبد الفتاح القصرى"، على عكس "كوستيلو" الذى كان يستنجد بزميله "بد أبوت".
وقد تأثر "إسماعيل ياسين" أيضاً بالكوميديان العالمى "شارلى شابلن"، ولكنه لم يقتبس منه حركاته الشهيرة؛ فقد كان "شارلى" مؤدى لحركات مجازفة خطيرة ومضحكة فى آن واحد، ولم تكن هذه المدرسة من الأداء تلائم أسلوب كوميديا "سمعة" الذى يعتمد بشكل كبير على الإضحاك بتعبيرات الوجه، والقفشات اللفظية، ولكنه قلد هيئة "شارلى شابلن" فى فيلم "قطر الندى"، من بطولة وإخراج "أنور وجدى"، وكان يجسد فى الفيلم شخصيان كوميديان متجول فقير يُدعى "شارلى"، وكان يرتدى ملابس وقبعة وشارب شخصية "شارلى" المتشرد.
حافظ "إسماعيل ياسين" على لزماته الكوميدية الحركية المقتبسة، وأضاف إليها الكثير من إبداعه الخاص، وعاب البعض عليه تكرار حركاته، رغم تعدد الشخصيات التى كان يقدمها فى السينما والمسرح، ولكنه رغم كل ذلك نجح فى صنع قالب خاص به، ولم يقع أسير تقليد الشخصيات التى تأثر بها فى بداياته، وأصبح "سمعة" بمئات الأعمال التى قدمها فى السينما والمسرح والإذاعة والتليفزيون أسطورة كوميدية لا يخبو بريقها، وضحكة دائمة لا تنتهى رغم مرور السنوات.