رؤية نقدية ـ "ستموت في العشرين"..رحلة عن الحياة والصورة تأخذ دور البطولة الرئيسي!
أن تولد ميتًا لا تحق لك الحياة بسبب كلمة، 20 عاما قضاها مزمل (مصطفى شحاته كبيرًا/ معتصم راشد صغيرًا) -الشخصية الرئيسية فى الفيلم السوداني "ستموت فى العشرين" الذى ينافس على جوائز الفيلم الروائى فى الدورة الثالثة من مهرجان الجونة السينمائى- يحاول خائفا أن يجد معنى للحياة، وأن يسير على درب مرسوم بعناية له فى قريته الصغيرة على ضفاف نيل السودان، الأم سكينة (إسلام مبارك) ذهبت بوليدها لتنال مباركة شيخ الدراويش وبدلاً من ذلك تنال الفأل السيء، لتجد الأم نفسها تتلقى التعازي بصبر ولا يتحمل الأب النور (طلال عفيفي) فيقرر السفر للعمل، ومواجهة الموقف ستتحمل مسئوليتها الأم ثم مزمل مع مرور سنوات حياته.
الأم تبالغ فى حماية وليدها وتمنعه حتى من الاستحمام فى النهر، لكن شيخ القرية ومعلم القرآن فيها يمنح مزمل بعض الحرية بعد إقناعه أنه حتى لو سيموت فى العشرين من عمره سيظل مكلفًا ويجب أن يتعلم شئون دينه، وهناك يقابل الثابت الثاني فى حياته بعد موته فى العشرين وهو حبه المتمثل فى نعيمة (بونا خالد) الشابة التي تمثل الحياة والجرأة والصداقة التي يفتقدها فوضعه فى القرية كونه الملعون بالموت شابًا يجعله محل للتنمر، نعيمة هي من فتحت له مساحة أكبر من التحرر والشعور بكونه إنسان حي.
على الرغم من كون الفيلم يؤرخ لحياة شخص عادي فى قرية نائية، لكن هذه العادية محكومة بحدث استثنائي يعتمد مخرجه أمجد أبو العلا على الصورة بكل مكوناتها لتكون أداة التعبير الرئيسية، الحوار لا يحمل نفس قدر أهمية التكوين والإضاءة، كما الحال مع اللقطة الافتتاحية فى الفيلم التي يمكن اعتبارها مفتاح أو عنوان رئيسي. مع مرور دقائق الفيلم سنعي تمامًا دلالة وجود حيوان نافق فى الصحراء يقف على جثته نسر حي وقت مسيرة الدراويش ودخولهم للقرية، سنعرف أن الموت والحياة دورة استلام وتسلم عمرها ملايين السنيين، مع مرور دقائق الفيلم سيتعمق معنى اللقطة الافتتاحية وتلقى بظلالها على كل تفاصيله مانحة للعمل معنى أوسع.
التمهيد بصريًا يلقى بظلاله على الحوار بين الأم وشيخ الدراويش والحكم على مزمل بالمعرفة ودخوله دائرة الحياة والموت بعد أن يعرف عدد سنوات عمره سنجد تفسيرًا لما يعنيه المشهد الافتتاحي الثري، وهو الأمر الذى سار عليه المخرج فى باقي الفيلم، لم تكن الصورة بجماليتها عنصر مواز داعم للحوار والأداء التمثيلي، بل على العكس هو وظف كل العناصر لتكون فى خدمة الصورة، فهي التي تأتي أولا ثم العناصر الأخرى التي تدعمها، لذلك نجد أن التفوق فى الفيلم للتصوير كعنصر والذى يقف وراءه سيباستيان جويبرت والرؤية التي يقف ورائها بالتأكيد أمجد أبو العلا، وهناك عشرات الأمثلة التي تدعم هذا الأسلوب كشكل رئيسي فى الفيلم حتي أن بعض المشاهد التي تأتي بلا حوار وتعتمد فقط على أداء حركي/ تمثيلي لها دور فى تفسير القصة دون أن يعود لها أمجد بتأكيد فى حوار منطوق.
يمكن اعتبار سير النور على شريط القطار بخطوات بطيئة متثاقلة فى بداية تغريبته هربًا من اللعنة متسقا مع طول فترة الرحلة الزمنية، إذا ما قارنا سرعته بسرعة وسيلة الموصلات وطبيعتها وهي القطار الذى يتوقف فى محطات ومرادف للمسافات الطويلة فى السفر وهو ما تُرجم فى الخطابات التي كان يرسلها النور لزوجته سكينة، والتي يعدد فيها العواصم التي ينتقل للعمل فيها وصعوبة رحلته فى المقابل الشكل الذى اختاره المخرج ليعبر عن رحلة مزمل الذى يطلق لسرعته العنان عكس الأب فى بداية رحلته ملاحقًا وسيلة مواصلات مختلفة هي سيارة نقل متوسطة الحجم لا تقف إلا عند وجهتها فقط، وهو الأمر الذى يمنح لنهاية الفيلم بعدًا دون أن يشغل أمجد باله أو فيلمه بترجمة للصورة بأي وسيلة آو عنصر آخر ولم يحمل فيلمه دقائق إضافيه مملة.. فقط تأكد أن يصل المعني بأداة التعبير الرئيسية عنده وهي الصورة.