رؤية نقدية - مسلسل "فى كل أسبوع يوم جمعة"..انطلاقة لعهد جديد في فن صناعة الدراما
ما بين نص روائي بشخصيات وأحداث تعتمد على غرف المحادثة يعود للكاتب الكبير إبراهيم عبد المجيد بعنوان "فى كل أسبوع يوم جمعة"، ومعالجة درامية للرواية نتاج ورشة كتابة مكونة من إياد إبراهيم مع محمد هشام عبية وسمر عبد الناصر، خرج المسلسل القصير الذى يحمل نفس عنوان الرواية ومعد خصيصًا للعرض عبر منصة على الإنترنت "شاهد"، بواقع حلقة من مجموع 10 حلقات اسبوعيًا، والحلقة بالطبع تتاج للجمهور كل يوم جمعة.
ربما تمر هذه التفاصيل على المعظم مرور الكرام، لكنها فى الحقيقة بداية لعهد جيد فى صناعة الترفيه فى المنطقة، ليس فقط لأن المسلسل قصير يتلافى عيوب المط والتطويل المقررين على المشاهد العربي منذ سنوات بشكل الـ 30 حلقة، ولا لطبيعة عرضة فى وسيط مختلف عن التليفزيون واليوتيوب، لكن لأن هذا المسلسل يعد التطبيق العملى بنجاح لأحدث ما توصلت له صناعة المسلسلات فى العالم من حيث استغلال التكنولوجيا والتعامل مع أدوات العصر الحديث، من التعامل مع الإنترنت والمنصات الإلكترونية العابرة للقارت المعتمدة على الاشتراكات والتي تخصص أموالها لإنتاج موادد حصرية لها ثم إعادة تدويرها فى التليفزيون أو منصات اخري.
الفارق بين الرواية والمسلسل ضخم، فى الشخصيات وطبيعة الحوار والتقدم التكنولوجى واختلاف طبيعة وسائل التواصل الاجتماعي، المسلسل بالطبع مخلص لفكرة الاعتماد على التكنولوجيا وهى الروح الأساسية فى الرواية لكنه أكثر تطورًا فى التعامل مع هذه الأدوات، ما بين بساطة شبكة العلاقات فى الراوية تتحول الشبكة فى المسلسل لشكل أكثر تعقيدًا. الرواية بالطبع أكثر هدوءا من حيث الإيقاع وسير الأحداث، بينما يواكب المسلسل الطفرة التي حدثت فى العالم ويسير بإيقاع اكثر سرعة يتناسب مع نوع المسلسل والراوية وهو الجريمة والدراما النفسية.
الدراما النفسية فى العادة تلقي بعبء كبير على الممثلين والمخرج، فمن ناحية يجب على الأخير أن يضبط إيقاع الأداء التمثيلي بين أطراف متعددة تختلف فى طرق الأداء والتعبير وقراءة الشخصيات، الأمر الذى يُعالج عادة بجلسات الطاولة المتكررة بين المخرج وكتاب السيناريو والممثلين للقراءة والتشاور ورسم ملامح الشخصيات ادائيًا، والمجموعة الأخيرة مطالبين بالاجتهاد الشديد فى القراءة وتكوين خبرة عن طبيعة الشخصية المقدمة وتفاصيلها.
آسر ياسين صاحب شخصية عماد جابر الشاب المصاب بالتوحد، يظهر على الشاشة بوضوح حجم الجهد المبذول لتخرج الشخصية بهذا الشكل، لا يمكن أن تكون النتيجة الجيدة لأدائه هي آسر وحده وأن كان يحمل هو النصيب الأكبر من النجاح لأنه فى النهاية من يوضع فى الاختبار الحقيقي أمام الكاميرا، لكن العوامل المساعدة من ملابس لا هي رثة تتنافى مع ثراء عائلته ولا هي مهندمه تتنافى مع طبيعة مرضه والمكياج الذى يحافظ على شكل مبعثر لكنه نظيف مع ندوب تتناسب مع طبيعة العمل الشاق الذى يمارسه يوميًا.
من ترعي عماد هى نور/ ليلى (منة شلبى)، المهندسة الذكية المتفوقة التي تدفعها الظروف لقبول تزييف موتها والزواج من عماد والعيش باسم مستعار بعيدًا عن أهلها.
منة مثلها مثل آسر يبدو واضحًا على الشاشة جهدها فى رسم شخصياتها وتفاصيلها فهى وآسر من يتحملان العبء الأكبر، أغلب المشاهد هم أبطالها، بعضها يتضمن عنف واشتباك بالأيدي، التميز فى أداء الثنائي يقف وراءه بالتأكيد المخرج العائد بعد سنوات من التوقف محمد شاكر خضير، وفريق الكتابة وعدد آخر من الممثلين من أعمار مختلفة قدموا شخصيات ساعدت بشكل متناغم فى رسم صورة كلية من الإثارة وحبس الأنفاس من الكبار مثل عبد العزيز مخيون وسوسن بدر وعارفة عبد الرسول ورشدى الشامى، للشباب خالد أنور ومي الغيطي ومحمد حاتم وأحمد خالد صالح، تفاعلات بسيطة يرسمها هذا الأداء مدعومة بعناصر أخرى كالملابس والمونتاج والإضاءة يضعون المشاهد فى الحالة المطلوبة امام الغموض والصراعات الموجودة على الشاشة.