رؤية نقدية ـ تعذيب الضيوف حرفياً..هل تجاوز "رامز جلال" حدود المقبول في برنامج مقالب؟!
في فيلم المخرج "ديفيد فينشر" The Game "اللعبة" يقوم "شون بن" بتقديم هدية لشقيقه رجل الأعمال الذي يعيش حياة روتينية كئيبة "مايكل دوجلاس"، وهى مغامرة أو لعبة برعاية شركة مُتخصصة، وتحت ضغط الفضول يذهب للشركة التي تقوم بعمل اختبارات نفسية وجسدية له قبل السماح له بمُمارسة اللعبة، لكنه يفشل فى الاختبارات، ويظن الأمر مُنتهياً، لكنه يكتشف لاحقاً أن الشركة استغلت المعلومات التي جمعتها عنه لسرقة أرصدته البنكية وقتله هو وشقيقه، ويُصبح الرجل مُفلساً ومطارداً ومُهددا بالقتل، ويتعرض لكثير من المواقف المُروعة والأحداث الصادمة قبل أن يكتشف أن الأمر كله كان "لعبة" دبرها شقيقه لكسر روتين حياة شقيقه الأكبر، ورغم أن العمل قدم دراما إثارة جذابة، لكن الأمر ظل محصوراً بإطار الخيال الدرامي؛ فمُجرد تخيله كواقع أمراً مُزعجاً، فلا يوجد شخص يتحمل ما تحمله البطل، أو شركة مجنونة تفعل هذه الفظائع بزبائنها حتى لو كشفت عليهم وتأكدت أن قلوبهم سليمة وأعصابهم تتحمل.
وحش يتغذى على المقالب السخيفة!
تتغذى أغلب برامج المقالب على الهجوم والنقد الحاد؛ فهى تبحث عن الأفكار الغريبة المتطرفة، وعن الدعاية المجانية التي تحصل عليها من مُهاجميها؛ فهذا يجعلها "تريند" بلغة السوشيال ميديا، وحديث الجماهير بلغة المشاهدين في البيوت، ونسب مشاهدة كبيرة بلغة القنوات التليفزيونية، وكثير من الأموال بلغة الضيوف والرعاة والشركات المُعلنة. يتغذى "رامز جلال" على كل نقد وأى نقد حتى لو بلغ حدود السُباب والاتهامات المهينة، ووصفه بالجنون والسادية، ولهذا يرى البعض أن الأفضل تجاهل برنامج مقالبه شديد التطرف، وهو رأى له وجاهته؛ فحينما لا يجد وحش المقالب السخيفة غذاءه المُفضل من هجوم ونقد ونسب مشاهدة عالية سيموت بلا شك، ولكن برامج "رامز" لا تموت، وبرنامج "رامز مجنون رسمي" تجاوز كل الحدود الحمراء لأى برنامج مقالب ترفيهي.
وكما في فيلم "اللعبة" كانت أفكار برنامج "رامز جلال" السابقة تعتمد على خلق مواقف مخيفة يضع فيها ضحيته، والترفيه في برنامجه يعتمد على تقديم الضيف في حالة رعب وخوف أثناء المقلب، ثم وهو في حالة غضب بعد اكتشافه المقلب، وكلما خاف الضيف وبكى وسب وضرب كلما شعر "رامز" بنجاحه؛ فتلك هى بضاعته التي يُقدمها لجمهوره ومتابعيه.
التعذيب وإفلاس الأفكار!
بعد أن أفلس "رامز" تماماً من الأفكار السادية، وبعد أن أصبح يعيد تدوير المواقف المزعجة والمرعبة، وبعد جميع أنواع الهجوم والسُباب التي تعرض لها، وخرج على الجمهور بعنوان برنامجه وشعاره الجديد "رامز مجنون رسمي"، وقد وصل جنونه حد استدراج ضيوفه وربطهم المحكم بكرسي وتعذيبهم حرفياً؛ بالترهيب النفسي وإجبارهم على تملقه والغناء له، أو جعل الكرسي يتحرك ويدور بهم ويرفعهم لأعلى ويقلبهم رأساً على عقب، وهو لا يكتفي بهذا بل يقوم بكهربتهم وإشهار ثعبان في وجوههم، وإغراقهم، وتعريضهم لصنوف أخرى من الترهيب والتعذيب الصريح، وهو ما شاهدناه جميعاً في حلقته الأولى وضحيتها الفنانة "غادة عادل" وحلقته كذلك مع لاعب الكرة علي معلول.
سيقول البعض أن البرنامج مُفبرك، ولكن حتى لو كان هذا حقيقياً، هل يجوز تقديم التعذيب لجمهور المنازل وللأطفال على أنه ترفيه وأمر يثير الضحك؟ من المؤكد أن أفكار برامجه كانت تُقدم مواقف سيئة ومرعبة للضيوف على أنها ترفيه وتسلية، وقد يقول البعض أن البرنامج يتم بالإتفاق مع الضيف، أو أن الضيوف يعلمون أن البرنامج مقلب دون تفاصيل، أو أن بعضهم لم يعلم والبعض يعلم، أو أن الكل في النهاية يقبض المال ولا يهمه ما يحدث.
لقد وقعنا في الفخ!
البرنامج يُعرض كبرنامج واقع ولا يوجد ما يُشير صراحة أن ما يُقدم للجمهور تمثيلاً، وهنا تكمن خطورته؛ فهو يُقدم صور مهينة وغير مقبولة للتعذيب والترويع على أنه ترفيه، وسيقول صانعوه أنه برنامج يهدف لإدخال البسمة على أفراد العائلات العربية التي تُشاهده كل يوم في شهر رمضان الكريم، وسيدافع "رامز" عن برنامجه، وسيُقسم أنه غير مفبرك، وأنه لا يُقدم مشاهد تمثيلية، وأنه يقوم بتعذيب ضيوفه فعلاً، وكأنه يقوم بعمل عظيم أو شُجاع يستحق التقدير والتحية والثناء.
"رامز جلال" ممثل متواضع للغاية، وقد وجد ضالته في الشهرة والمال في برنامج يقدم فيه نوع من المقالب غير المقبولة تحت أى مظلة أخلاقية أو فنية، وهو يُمارس فيه كل أنواع التنمر والتحرش اللفظى، والسادية والترويع، وبضاعته هى تحويل كل هذا العبث الذي يندرج تحت بند الجرائم إلى ترفيه لطيف مثير للضحك، وهذا هو الفخ الذي سقط فيه المُشاهد، وكما تصنع المخدرات أصبحت مشاهدة البرنامج إدماناً، ولا توجد أبحاث حقيقية تُحلل تأثيره، ومدى مسؤوليته عن كثير مما نراه في الشارع من سادية واستخفاف بالآخرين، وفي كل عام يمر البرنامج من كل وسائل الرقابة التليفزيونية والقضائية والمُجتمعية، ولا يُحاسبه أحد، فهو كما يُعلن شعاره وعنوان برنامجه "مجنون رسمي"، وليس على المجنون حرج!