رؤية نقدية ـ في "ليالينا 80"..هل يُعوًض الحنين للماضي والصراخ فقر الدراما؟!
من المُبكر الحكم على نجاح الفكرة الدرامية للعمل بصورة كاملة، لكن يمكن تحليل الاستهلال الدرامي للعمل وتطور الأحداث خلال العشر حلقات الأولى، حيث انتهت مرحلة التعريف بالشخصيات وموضوع الدراما، وتم رسم ملامح الأجواء العامة، وفي "ليالينا 80" يبدأ العمل مُستلهما أجواء الثمانينيات؛ بداية من التتر الذي يعيد إلينا صوت المطربة الراحلة وردة وموسيقى "بليغ حمدى"، وداخل العمل نتابع حكايات عائلتين من الطبقة المتوسطة والطبقة الفقيرة، تنبع من حكايات أساسية لأبطال العمل، وتتفرع لحكايات صغيرة تحاول رسم اللوحة الدرامية الكاملة لمجتمع يغلي بتغيرات سياسية واجتماعية، أو هكذا يبشرنا العمل في مقدمته.
أحداث ساخنة وفتور درامي
في واحد من مشاهد الحلقة الأولى من المسلسل يجلس الأستاذ الجامعي "خالد الصاوي" داخل محل لشرب القهوة، وخلفه التليفزيون يعرض مراسم دفن رئيس الجمهورية الأسبق "أنور السادات" على الهواء، ويُلقى "خالد الصاوي" تعليقاً عابراً على الحدث ويكمل كلامه العادي مع الجرسون، وخلفه كل رواد المحل يتبادلون الحديث بلا مبالاة، رغم أهمية الحدث الذي هز الشارع المصري في بداية الثمانينيات. لم يكن هذا المشهد خطأ عابر بل تكرر بعد عدة حلقات أثناء مناقشة بين أب يحث ابنه الشاب على الزواج، وهو مشهد مرح وضاحك، وقبله بثوان كانا يتحدثان عما يعرضه التليفزيون، وكان مشاهد إخبارية تصور عملية قصف بيروت، واستمرت المشاهد العنيفة في الخلفية أثناء حوارهما الذى تحول بسرعة من الشأن العام إلى الشخصي، وهذه الأحداث ساخنة للغاية ساعتها ويومها، وأداء الممثلين كان فاتراً للغاية، وهى سمة تقابلنا كثيراً في أحداث المسلسل؛ فهناك مسافة كبيرة بين سخونة الحدث وبرود الدراما والحوار، ولم يكن هذا رد فعل الشارع والمجتمع فى تلك المرحلة التاريخية التى استحضرها العمل، وكان الأمل في تعويض هذا الفتور فى الحدوتة الاجتماعية للشخصيات.
كل هذا اللطم والعويل!
الشخصيات الرئيسية هى عائلة "إياد نصار" الذى يعمل في إحدى الدول الخليجية، ويعود لزوجته المهندسة "غادة عادل" وابنته المراهقة "رنا رئيس" وشقيقه أستاذ الفلسفة المريض نفسياً "خالد الصاوي"، وهناك عائلة "صابرين" زوجة أحد شهداء حرب أكتوبر، وأبنائها "محمد عادل" وشقيقاته، والعديد من الشخصيات الثانوية التي تتقابل وتتباعد، وأهم علاقة بين مجتمع الأسرة المتوسطة والأسرة الفقيرة هو الحادث الذي يُصاب فيه سائق التاكسي "محمد عادل" وتُبتر ساقه، وتُصاب الراكبة بالعمى وهى التلميذة ابنة "إياد نصار" و"غادة عادل"، وعلى مستوى الدراما نُتابع مجموعة من مشاهد العويل والصراخ المُزعج، ولم تكن تلك المآسي كافية؛ فيدفع الكاتب "أحمد عبد الفتاح" بالمزيد من الكوارث التي تتساقط على رؤوس شخصياته المسكينة؛ فتكون شقيقة سائق التاكسي محمومة، وشقيق "إياد نصار" يعاني هلوسة يرى خلالها زوجته الراحلة ويتحدث معها، وبسبب شروده يحترق مطبخ شقته، وتكتشف "غادة عادل" أن زوجها له زوجة أخرى تزوجها عُرفياً، وبعد هذا التفجر الميلودرامى تُصاب الخطوط الدرامية الإجتماعية بنفس حالة الفتور التى أصابت علاقة الشخصيات بالأحداث السياسية الساخنة.
ليالينا التي تاهت بينا
رغم نهاية حفلة النكد المكثف، إلا أنه لا شىء مثير يحدث على مستوى الأحداث والدراما؛ فكلها تفاصيل يومية فاترة لا تتطور؛ فنحن نعلم مثلاً أن "غادة عادل" لا تطيق شقيق زوجها، وتُعامله بخشونة، وهو يتحمل ذلك، ويتكرر الأمر في كل حلقة، ويمكنك أن ترى أن هناك مشاهد مصنوعة فقط لتنتهي بالزوجة تؤنب شقيق زوجها، ومنها مشهد إعداده الكيكة واحتراق يد ابنة شقيقه العمياء، وهناك تكرار لا يضيف لحوارات "خالد الصاوي" الخيالية مع زوجته الراحلة، رغم أن ظهورها في الحلقة الأولى تم تقديمه بشكل درامي جيد، وتفاجىء المشاهد بأن "نورهان" مجرد هلاوس يراها "خالد الصاوي" وحده. الدراما مُدهشة إلى درجة أن والد ووالدة مراهقة أصيبت في حادث سيارة وفقد بصرها يتركانها وحدها في المستشفى ويذهب كل منهما ليتابع أمور حياته الأخرى، وقمة الدهشة أن الأم تجلس فى كافتيريا بصحبة صديقة للحديث عن علاقتها المتوترة بزوجها، ولا أدري هل فعل المخرج والمؤلف هذا لتغيير مناظر وأجواء المستشفى التى طالت، أو هو جزء من حالة فتور الشخصيات فى ذروة أحداث تستدعي سلوكيات مختلفة.
أداء خالد الصاوي يضىء الليالي
عالم "خالد الصاوي" والدراما النفسية التي يقدمها بتلقائية هي أفضل أداء في المسلسل الذى يعاني أبطاله من الأداء النمطي؛ ونراه يُدرك أزمته النفسية ويحاول التعايش معها، ولا نراه يلجأ للصراخ والمبالغة؛ فهو يُعبر عن شخصية رقيقة تعاني أزمة فقد عاطفي حاد، وتلعثمه وخروج بعض كلماته غير واضحة جزء من تعبيره عن عدم سيطرته التامة على إنفعالاته، ورغم كل ذلك هو يُحاول الحفاظ على سلوك ودود ومرح مع الآخرين، وأداءه يُضىء الليالي القاتمة درامياً، وتحاول صابرين التعبير عن شخصية الأم العنيدة المُكافحة باجتهاد واضح، مع قدر من المأساوية والخطابية النمطية التي فرضها سيناريو وضع إطار أنيق لحقبة زمنية ثرية، ثم أهدرها بثرثرة درامية من عالم مسلسلات "اللت والعجن"
الأداء النمطى للزوجة النكدية الذي تقدمه "غادة عادل" والأداء السطحي لشخصية الزوج الذي يقوم به "إياد نصار" تعبير عن عمل لا يقدم شىء حتى الآن، ولهذا لا يجد أبطالة شيئاً يقدمونه. يستخدم المخرج "أحمد صالح" تقنية معالجة الصورة لتبدو مثل أفلام تسجيلية قديمة متهالكة من حقبة الثمانينيات، وهو يفعل هذا كثيراً، ودون توظيف غالباً؛ فالمٌتفرج بعد التتر الجذاب يعلم أنه يشاهد أحداث تدور في الثمانينيات، وتكرارها جعلها بلا دلالة.
في البداية كان الإعجاب بأفيش العمل المختلف، وجرافيك وأغنية التتر التي تستدعي حنين الماضي، والاهتمام بتفاصيل الأزياء والماكياج والديكورات والمشاهد الخارجية كانت عناصر مُبشرة بعمل جيد ومُميز يُضاف إلى الأعمال التي تناولت الحقب التاريخية المصرية القريبة؛ مثل "ذات" و"بدون ذكر أسماء"، ولكن مشاكل "ليالينا 80" لا تسير في هذا الإتجاه، وربما تتحسن أحوال المسلسل درامياً في الحلقات المتبقية، ونرى ليالي أكثر درامية وجاذبية.