رؤية نقدية ـ "النهاية"..دراما الخيال العلمي للمبتدئين!
في عام 1973 أنتج التليفزيون المصري مسلسل من نوعية الخيال العلمي بعنوان "العنكبوت"، وهو مأخوذ عن رواية للكاتب "مصطفى محمود"، وتدور أحداثه حول تجارب علمية يجريها طبيب على المناطق المجهولة من مخ الإنسان، وعن طريق مواد كيميائية مُحفزة يتمكن من إختبار تجربة الميلاد والموت عشرات المرات في هيئة شخصيات مختلفة، وبعد 47 عاماً من هذا العمل تحاول الدراما المصرية العودة لتقديم هذا النوع النادر من خلال مسلسل "النهاية" الذي اعتمد على فكرة للممثل "يوسف الشريف"، وسيناريو وحوار "عمرو سمير عاطف"، وبينما ارتكزت دراما مسلسل السبعينيات إلى رواية مُشوقة تتضمن معلومات ونظريات علمية مكتوبة بلغة رصينة، اعتمد مسلسل "النهاية" على مرجعيات الأفكار والشكل الهوليوودي لصُنع عالم خيالي مستقبلي تدور أحداثه في المنطقة العربية.
الحكاية من "البداية"
بعد مرور حوالي نصف حلقات المسلسل، يمكن أن نرى العمل بشكل عام، وهو حكاية مُستقبلية تدور في عام 2120، ونفهم من خلال كلام بعض الشخصيات أن الولايات المتحدة تعاني تداعيات حرب أهلية أطاحت بزعامتها للعالم؛ ونتيجة ذلك تمكن العرب من تحرير القدس وتدمير دولة إسرائيل، ولم يدخل المسلسل في تفاصيل تلك الأحداث، وقفز إلى حكاية أخرى عن حرب البشر ضد الروبوتات التي تسببت في بطالة البشر، ثم نصل إلى زمن الأحداث الحاضر حيث نتعرف على بطل الأحداث "زين- يوسف الشريف"، وهو مهندس عبقري يعمل في شركة تحتكر الطاقة وتُحولها إلى العملة التى تُمكن الإنسان من الحصول على كل احتياحاته، ونفهم أن الدول العربية فقدت أنظمتها الحاكمة وصارت تحكمها الشركات الكُبرى، وهناك عالمين رئيسيين تدور فيهما الأحداث حتى الآن؛ وهما القدس التى تحكمها شركة انرجيكو للطاقة، وهذا العالم يعيش فيه الغالبية في فقر وبؤس، ومكان آخر يدعى الواحة وينافس اينرجيكو في سباق الحصول على أكبر عدد من مكعبات الطاقة، وفى هذا العالم وسائل ترفيه وتكنولوجيا متطورة للغاية، وهناك إشارات غير واضحة لعلاقة خفية بين العالمين.
كوكتيل اقتباسات دراما الخيال العلمي
هناك العديد والعديد من المرجعيات لأفلام ومسلسلات أمريكية، وهو أمر يتضح شيئاً فشيئاً مع عرض مزيد من حلقات المسلسل؛ فنحن أمام خليط كثيف من تيمات وحبكات ومشاهد من أفلام الخيال العلمي الهوليوودية؛ والنتيجة كوكتيل غير متجانس من قصص صراع الإنسان والروبوت، ودراما الديستوبيا وعوالم ما بعد نهاية الحضارة، وقصة حب بائسة بين فتاة وروبوت يشبه حبيبها الإنسان، ولا يوجد خط درامي واضح المعالم أو جذاب للمتابعة، ونرى اهتمام حقيقي بالصورة والجرافيك، ولكن من قال أن دراما الخيال العلمي مجرد ميزانية كبيرة وجرافيك مُبهر؟!
يبدو كل هذا العالم المُستقبلي في "النهاية" مزيف على الشاشة، والممثلون يشرحون المعلومات كأنهم لا يفهمون ما يقولونه، وكأنهم لا يعيشون التطور الحادث أمامهم في حياتهم اليومية منذ طفولتهم، ويستخدم "يوسف الشريف" أسلوبه المعهود فى أداء الحوار بحياد مذيع نشرة أخبار؛ فلا نراه متحمساً أو غاضباً أو حائراً، وربما يكون الفتور مشكلة أداء خاصة بيوسف الشرف، ولكن الأمر يتعدى ذلك؛ فالعالم الذي صنعه "عمرو سمير عاطف" هش ومسرحي ولا يبدو أنه العالم التراكمي الذي عاشه البشر لعقود وتعودوا عليه، وتبدو علامات التكنولوجيا كما لوكانت ملصقة على شوارع وبيوت القدس القديمة، وبعض المشاهد بدت كما لو كانت مكتوبة للسخرية من دراما الخيال العلمي؛ ومنها مشاهد علاقة الروبوت و"صباح- سهر الصايغ"، ومشهد التحقيق مع الروبوت "زين"، وفكرة عدم اكتشاف أجهزة الأمن ورجلها القاسي "مؤنس-أحمد وفيق" غرابة أطوار الروبوت زين وحقيقة أنه ليس بشراً.
متى تتطور الدراما؟
الخيوط الدرامية التي يتناولها المسلسل تفتقر الأسلوب الجذاب في السرد، نتابع مثلاً صراع الشركات على الطاقة، ومهمة الروبوت "زين" لتدمير البشر، ومحاولات "عزيز-عمرو عبد الجليل" لإفشال هذه الخطة، وقصة حب "صباح" والروبوت، ونرى العمل ينتقل بين تلك الحكايات بتقديم كثير من المعلومات وقليل من الدراما، ولهذا نستمع إلى "زين" ونظرياته ومونولوجاته ويومياته المسجلة أكثر مما نراه يفعل شيئاً درامياً ملفتاً، ونفس الشىء يفعله "عمرو عبد الجليل" في حواراته مع مساعده محدود الذكاء "سعادة-محمود الليثي"، فهو يكاد يتحدث مع نفسه، وربما يهون الأمر خفة ظل الإثنين.
وهناك حوارات رجال الأمن الجافة، و"محمد لطفي" وعصابته وأسلوبهم الكاريكاتوري في الأداء، وهناك حالة من الغموض تمنع الأحداث من التطور؛ وربما يكون التمهيد لتويست درامي كبير هو سبب هذا الغموض الكثيف، ولكنه أثر سلبياً على الدراما؛ لأنه خلق كثير من الأسئلة، وقليل من الإجابات، وسنجد أن الشخصيات تفتقد حالة التطور، ولم ينجح المخرج "ياسر سامي" في تلافي تلك العيوب، ولم يقم بتحفيز ممثلين مثل "ناهد السباعي" و"أحمد وفيق" وبالطبع "يوسف الشريف" على تنويع انفعالاتهم، ومنح الحوار المكتوب بعض الحياة.
لا أظن أن نية صُناع "النهاية" كانت تقديم فكرة دراما خيال علمي غير مسبوقة، بل هى مجرد محاولة روتينية من "يوسف الشريف" لتقديم فكرة مختلفة ومفاجئة لجمهوره، وكعادة أفكاره يظل الإطار اللامع والبراق للفكرة هو المميز، وهو مُجرد غُلاف لدراما هشة وضعيفة، تتضمن الكثير من الوعظ المُنمق والأفكار الفقيرة على مستوى المعالجة والخيال، وفى مسلسل "النهاية" حضرت المؤثرات البصرية والخدع والجرافيك وخفتت الدراما للغاية، وكانت نتيجة محاولة تقديم نوعية درامية مختلفة هى هذا الخواء العلمي الذي نشاهده حتى الآن.