رؤية نقدية ـ "الفتوة".. الشاطر حسن يفوز في سباق دراما رمضان 2020
يوحى عنوان مسلسل "الفتوة" بعالم الأديب الكبير نجيب محفوظ الذى أبدع فى وصفه من خلال تتبعه لسلسال عاشور الناجي فى روايته "الحرافيش" التي ركزت على فترة مهمة من تاريخ مصر حيث كان يحكم القاهرة العتيقة الفتوات دون شرطة أو أقسام، كل منطقة يحميها فتوة وما بينهم صراعات، وبعضهم ظالم وبعضهم عادل.. عالم ساحر صاغه محفوظ من الواقع الذى كان بنفس الشكل لكنه على يده أصبحت له أبعاد أخرى، وسمح للملايين بتخيل شكل المجتمع وقتها والذي كان يتقلب مع التقلبات السياسية والاجتماعية فى مصر وصولاً لتأييد الفتوات لثورة 1919 والتي أدت إلى بداية زوال سطوتهم وبداية انتشار أقسام ونقاط الشرطة فى كل مكان، هذا العالم كان وما زال ملهمًا لعشرات من الأعمال التالية.
لكن هل يقترب "الفتوة" كمسلسل من عالم نجيب محفوظ، أو هو نسخة أكثر واقعية؟ فى الحالتين لا، نحن أمام استغلال حديث لحكايات ألف ليلة وليلة، حيث يعشق الشاطر حسن الفارس المغوار بنت السلطان ست الحسن ولا يطالها، حيث الجو السحري والقاهرة القديمة المحاطة بسور كبير يحميها، لكن مساحتها كبيرة وتجعل الانتقال بين مناطقها عمل مرهق وسيطرة فتوة على منطقة آخر هو شيء صعب، حتى وجود فتوة سيدة وهى الحاج أحمد (فريدة سيف النصر) لم يصل خبرها إلى حسن الجبالي (ياسر جلال) على الرغم من معرفتها بابيه أحمد الجبالي (فتحي عبد الوهاب).
الدراما فى المسلسل مبنية على شكل حكايات الجدات القديمة التي تبدأ بـ "كان يا مكان" وتنتهى بـ "وعاش الأبطال حياة سعيدة طويلة"، مغامرة تشهد صعود وهبوط أبطال أخيار فى مواجهة الأشرار، وهذا ما جعل المسلسل من أنجح وأفضل المسلسلات فى رمضان 2020، لأن صناعه من البداية يعلمون ما يريدونه ويعملون على تنفيذه فى هذه الحدود فلا مبالغات ولا ادعاء.
المؤلف هاني سرحان عرفنا على الشخصيات بشكل هادئ واستغل الوقت والمساحة لتترك أثرها عند المشاهدين، دون أن يكون هناك حكم واضح فى البداية لسبب العداء بين سيد اللبان (رياض الخولى) فتوة "المدبح"، والفتوة الراحل أحمد الجبالي وولده حسن، وسط وقوف المعلم صابر أبو شديد (أحمد خليل) فتوة الجمالية على الحياد، الكثير من الحقائق والمسكوت عنه من التفاصيل تزيد من الرغبة في المتابعة على الرغم من غياب الحدث فى كثير من الأحيان، لكن معرفة سر حسن الذي تتجمع عنده كل الخيوط هو الهدف الأساسي.
حسن يمثل البطل فى الدراما الاغريقية فى صورته التقليدية، يحمل ميراث أباءه وصراعاتهم ومطالب بالدفاع عن هذا الميراث، مثالي ومن هذه المثالية يجد أعداءه الثغرات للتعامل معه بدناءة وخيانة، ميراث الدم وحب ليل (مي عمر) وأصول "الفتونة" هم محركات الصراع فى هذا المسلسل، الذى يعد السيناريو ومؤلفه هاني سرحان هو عامل كبير فى نجاحه، الذى وعى جيدًا لطبيعة ما يقدمه واختار الشكل المناسب لتقديمه وضبط إيقاع الدراما فى المسلسل ليترجمها إلى الصورة بعده حسين المنباوى المخرج الذى يعد "الفتوة" شهادة نجاح جديدة فى مشواره، حيث حافظ على إيقاع المسلسل بشكل ثابت من خلال الإخراج الجيد لمشاهد المعارك وعلى الصورة النهائية الجيدة للمسلسل المدعومة بديكور هو الأفضل فى موسم رمضان 2020، والذى كانت حركة الكاميرا البطيئة تستعرض تفاصيله وهى تسير مع الابطال فى الحوارى والازقة، وهو ما رسم تخيل مشبع لصورة القاهرة فى هذه الفترة الزمنية.
من ابرز أدوات المنباوى هو إدارته للأداء التمثيلي بشكل جيد فى المسلسل والذى يعد من الأصعب خلال هذا الموسم كونه يضم ممثلين من أجيال مختلفة نجح معظمهم فى أداء شخصيته وبشكل بسيط دون أي ابهار او استعراض للعضلات، القدرات الخاصة للممثلين هي بالتأكيد عامل فى هذا النجاح، باستثناء أحمد صلاح حسنى ومحمود عمرو ياسين وهنادي مهني، اللذين شكلوا مع عصام السقا أضعف ما فى عنصر التمثيل بالمسلسل، لكن حتى مع وجودهم فإن تكامل العناصر معًا هي الأفضل فى "الفتوة" بالشكل الذى يجعله من الأفضل فى رمضان 2020.