رؤية نقدية -لماذا لا يتخصص "يوسف الشريف" في أفلام ومُسلسلات الأطفال؟!
يمتلك الممثل "يوسف الشريف" وجه محدود التعبيرات، وطاقة طموح فنية غير محدودة، وهو يحاول صُنع توليفة فنية تعتمد على إختيار موضوعات درامية مهجورة عربيا تقريبا، مثل الرعب والخيال العلمي والجريمة، وأعماله تعتمد على إبهار المفاجآت والإلتواءات الدرامية المثيرة، وهو صاحب نوع من الفن الإنتقائى، سواء بمضمون أفكار أعماله الملىء بأفكار التنمية البشرية والمواعظ، أو بقواعد وشروط التمثيل التى وضعها لنفسه وتنسحب على باقي شخصيات العمل الذي يقوده فكراً وتمثيلاً، ولا ننسى أنه قام بتأليف فكرة كثير من أعماله؛ فهو صاحب فكرة فيلم "بني آدم"، ومسلسلات "النهاية" و"كفر دلهاب" و"القيصر" و"الصياد"، وأغلب أفكاره يكتبها السيناريست"عمرو سمير عاطف"، وهى بشكل عام تُقدم أفكاراً درامية مُتحفظة في قالب نوعي مُختلف عن السائد، مثل قالب الرعب في "كفر دلهاب" أو الخيال العلمي في "النهاية".
المشاهد الساخنة والشروط الباردة
تبدأ حكاية تصريحات الممثل "يوسف الشريف" الأخيرة للإعلامي "رامي رضوان" عبر قناة dmc المصرية، من مُنطلق افتراضي خيالي، وتتوسع دائرة الجدل حول تصريحاته إلى ساحات حوار عبثية تماماً، فهو في البداية يتحدث عن شروط يضعها في عقد عمل فني يُفترض أنه قرأه ويعرف تفاصيله، ويمكنه رفضه لو كان غير ملائم له، دون الحاجة لفرض الشروط، وهو يتحدث عن رفضه أداء المشاهد الساخنة، وهي مشاهد لا وجود لها في المسلسلات الدرامية التليفزيونية المصرية لأسباب رقابية، وتغيب عن الأفلام السينمائية تقريبا منذ سنوات طويلة، وكلا الوسيطين "السينما والتليفزيون" لهما معايير رقابية مصرية وعربية تمنع المشاهد الجريئة، كما تراقب الهيئة الوطنية للإعلام محتوى بث القنوات التليفزيونية المصرية بكل دقة، وتقدم تقارير دورية عن المسلسلات والبرامج.
تَحدث "الشريف" في تصريحاته عن مشاهد لا وجود لها في التليفزيون أو السينما، وبالتالى ظن كثيرون أنه يعني رفض مجرد ملامسة النساء، أو حتى تبادل جمل عاطفية مع ممثلة، وهى أمور واقعية لاحظها كل من شاهد مسلسله الأخير "النهاية"، فلم يسمح للممثلة "سهر الصايغ" بلمسه وجره من الأرض وهو مُصاب في أحد المشاهد، وفي في مشهد آخر تم دبلجة جملة عاطفية يوجهها لها بصوت ممثل آخر، والآن علينا ألا نُصدق ما شاهدناه بعيوننا وسمعناه بأذاننا، ونصدق تصريحاته المُنمقة عن شروطه للتمثيل، وهى تصريحات كل الغرض منها كسب تعاطف قطاع من الجمهور، وإرتقاء "تريند" السوشيال ميديا في صورة الممثل الفاضل، بعد تعرضه لموجة سُخرية كبيرة بين قطاع كبير من جمهور السوشيال ميديا بسبب سذاجة وركاكة مشاهد مسلسله الأخير، وكان حظ مشاهده الخاضعة لشروطه في التمثيل مع النساء النصيب الأكبر من السخرية؛ نظراً لمشكلات في تنفيذها، وكأنها صُنعت خصيصاً من أجل "كوميكسات" التهكم والسُخرية.
أسطورة حرية الفن
حينما تحدث "الشريف" عن الشروط التي يضعها في عقود أعماله الفنية، وهى تتعلق برفضه أداء المشاهد العاطفية الجريئة، خرجت مناقشة أفكاره عن إطار كل المعايير الفنية؛ فمن ناحية أعلن هو أن ما يفعله أمر شخصي وغير مُلزم لغيره، وأيده عدد لا بأس به من زملاءه ومن معجبيه، ورأى المعارضون لأفكاره أن شروطه رجعية ولا تناسب صناعة الدراما، ولكن غاب عن كلا الفريقين أن أنواع الدراما عديدة ومتنوعة، وبدلاً من فرض شروط شخصية على عقود التمثيل، يمكن للممثل اختيار النوع الذي يلائم قدراته الفنية وأيدولوجياته الفكرية والسلوكية، وبدلاً من الحديث عن أمور خيالية مثل المشاهد الساخنة "التي لا تُقدمها الأفلام والمسلسلات فعلياً" يمكن الحديث المثمر عن أنواع درامية لا تأخذ حظها من اهتمام صُناع الأفلام والمسلسلات، مثل الدراما العائلية وأفلام ومسلسلات الأطفال والأجيال الناشئة، وهى جزء من دراما "النوع" عالمياً، وتحظى باهتمام جماهيري، ولها شروط مُتحفظة مبررة ومفهومة ومُرتبطة بنوع الجمهور الذي تتوجه إليه، وبالموضوعات التي تتناولها، وهي موضوعات تختلف بأفكارها وقواعدها وشروطها عن الموضوعات الموجهة للناضجين، ومسلسل "النهاية" ينتمي تقريباً لدراما الخيال العلمي للصغار والنشء.
دراما لكل أفراد العائلة
تخضع المشاهد الجريئة والعنف والمخدرات والسُباب فى الدراما العالمية للتصنيف العمري، وهذا يُحدد الجمهور المسموح له بالمشاهدة، سواء في قاعات السينما، أو منصات المشاهدة الرقمية حسب الطلب، أو المشاهدة التليفزيونية المفتوحة، وهذه التصنيفات دقيقة للغاية حتى أنها تفرق بين درجات المواد المُخيفة غير الملائمة للطفل فى العمر مابين عامين إلى ستة أعوام، وبين بعض الأكشن الذي قد يتقبله الطفل في عمر سبع سنوات، وهناك مواد درامية تحتاج مصاحبة الأهل لأطفالها لأنها قد تكون مُربكة له نفسياً، وهناك تصنيفات لسن 14 عاماً وتصنيفات أخرى للمشاهد الذي تجاوز سن الطفولة والمراهقة، وداخل كل تصنيف هناك شروط ومحظورات، ولا يوجد بها مشاهد ساخنة وموضوعاتها تحمل لمسات تربوية وإنسانية،وهى موجهة لكافة أفراد العائلة، وكل شروطها براعة التمثيل وجاذبية الكتابة وإبداع الإخراج، وقد صنعت شركة "ديزني" سُمعتها الفنية وملياراتها من هذا النوع من الأفلام والمسلسلات.
هناك شعرة بين الالتزام بمعايير تجسيد المشاهد الحميمة وبين مُبالغة "الشريف" في تنفيذها، ولهذا عليه التركيز على التنوع وليس إثارة الرأى العام بنظريات شخصية عن شروطه للتمثيل، وعليه التوجه إلى دراما "النوع" بشروطها الملائمة لإمكانياته وميوله وأفكاره، ولا يجب أن يقوم الممثل بخطف الدراما وجرجرتها إلى منطقه وشروطه، وهذا يُنتج نوع هجين من الفن الجاف الخالي من الجاذبية، وأرى أن يتجه "يوسف الشريف" إلى نوعية أعمال الأطفال والناشئة؛ فقواعد صناعتها تلائم أفكاره ومبادئه، والفن يُعاني من فقر الإبداع النوعي فعلياً، وانفتاح منقوص بكم كبير من القواعد الرقابية، ولا يحتاج إلى جدل عبثي لا طائل منه حول شروط وقيود، وأخيراً لأننا بحاجة فعلية إلى أعمال إبداعية تلائم شريحة صغار السن، ولا نحتاج على الإطلاق إلى تعميم قواعد الدراما الموجهة للأطفال على كل أنواع الدراما.