رؤية نقدية ـ في زمن الكورونا..قراصنة الأفلام هم الأكثر سعادة!
عرض الأفلام الحديثة على المنصات الرقمية بدلاً من قاعات السينما كان حدثاً سعيداً لقراصنة الأفلام؛ فهم في العادة ينتظرون شهوراً حتى يحصلون على نسخ جيدة من الفيلم، من خلال وسائط مثل المنصات الرقمية، وأسطوانات البلوراى فائقة الجودة. لم يستغرق الأمر ساعة أو ساعتين بعد عرض الفيلم المصري "صاحب المقام" بطولة "آسر ياسين" و"يسرا" و"أمينة خليل" على منصة "شاهد" حتى تمت قرصنته وعرضه على مواقع التحميل والمشاهدة، ونفس الشىء حدث قبلها مع فيلم "توم هانكس" الجديد Greyhound الذي عرضته منصة " Apple TV+" بعد شراءه حق عرضه من شركة "سوني" مُنتجة الفيلم، وحسب تقرير نشرته شركة MUSO الإنجليزية المتخصصة في جمع البيانات المُتعلقة بقرصنة الميديا، فإن قرصنة الأفلام والمسلسلات والبرامج زادت بنسبة 33% عالمياً منذ بداية إجراءات الحظر وغلق دور السينما في مارس الماضي.
المنصات في مواجهة قاعات السينما
كانت المخاوف كبيرة حينما ظهرت أخبار شراء منصة "شاهد" فيلم "صاحب المقام" لعرضه قبل شاشات السينما، وأبرز تلك المخاوف كانت حرمان قاعات السينما من إيرادات فيلم مهم، بالإضافة إلى سهولة قرصنة الفيلم بجودة مُمتازة، وإتاحته على مواقع التورنت، ومواقع المُشاهدة والتحميل المباشر، وقد تحققت كل هذه المخاوف بالفعل، لكن المفاجأة كانت وصول عدد مشاهدات الفيلم على "شاهد" إلى 15 مليون مشاهدة خلال أيام عيد الأضحى فقط، حسب مصادر داخل إدارة منصة "شاهد"، وتضاعف الرقم بعد أسبوع من عرض الفيلم، وهذا يعني أن كلا من منصات الدفع مقابل المشاهدة، ومواقع المُشاهدة بلا مقابل استفادت كثيراً من وباء الكورونا.
لو حولنا كل المشاهدات الشرعية لفيلم مثل "صاحب المقام" إلى قيمة تذكرة سينما قيمتها مثلاً 30 جنيهاً (مع إستثناء حساب تعدد المشاهدين داخل الأسرة الواحدة، وعشرات الألاف من مرات المشاهدات والتحميل في مواقع القرصنة)، نجد أن الفيلم حقق في شباك التذاكر الافتراضي إيرادات تقترب من مليار جنيه مصري، وهذا رقم مهول لم يصل إليه فيلم مصري من قبل.
رفع سقف توقعات القراصنة
فيلم "الغسالة" بطولة "محمود حميدة" و"أحمد حاتم" و"هنا الزاهد" هو أول فيلم مصري حديث تعرضه قاعات السينما المصرية بعد شهور من غلق دور العرض ضمن إجراءات احترازية إتخذتها الحكومة المصرية للحد من التجمعات وانتشار فيروس الكورونا، وخلال ثلاثة أسابيع عرض حقق أكثر من عشرة ملايين جنيه مصري، وهو رقم مقبول مُقارنة بظروف العرض السينمائي الحالية، وبعد أيام من عرضه صدرت له نسخة مُقرصنة مُصورة بكاميرا موبايل HD داخل قاعة عرض، وقد تكون نسخة مقبولة نسبياً من حيث جودة الصوت والصورة، ولكنها لا تقارن بجودة فيلمى "صاحب المقام" و"الحارث" اللذان تم قرصنتهما من منصة "شاهد"، والفيلم لم يحظ بنفس الاهتمام والجدل الذى صاحب صدور أفلام "شاهد"، ويبدو أن صدورهما بجودة فائقة رفع سقف توقعات المتابعين لمواقع القرصنة بشكل كبير.
هناك أفلام أخرى غير مصرية بدأ عرضها في قاعات السينما المصرية رغم وجود نُسخ مُقرصنة جيدة لها على الإنترنت؛ منها الفيلم التونسي "نورا تحلم"، بطولة "هند صبري"، وتعرضه سينما "زاوية" التى تهتم بالأفلام المُستقلة والتجارب السينمائية الخاصة، والفيلم تعرضه أيضاً منصة "نتفليكس"، وهناك أيضاً الأفلام الأمريكية مثل My Spy و The Personal History of David Copperfield و The High Note وجميعها تُعرض في قاعات السينما المصرية والعربية رغم توفرها بنسخ مُقرصنة فائقة الجودة على الإنترنت؛ وهذا بعد صدورها في أسطوانات بلوراى خلال الشهور والأسابيع الماضية، وكل ذلك يؤثر بالتأكيد على إيراداتها من قاعات السينما.
قرصنة "مولان" وصمود "نولان"!
خلال الشهور السابقة حاولت شركة "ديزني" تحديد موعد نهائي لعرض فيلمها الجديد "مولان" دون جدوى؛ وجاء الفتح التدريجي لدور العرض في بعض دول العالم ليُمهد الطريق أمام التوزيع العالمي لأفلام هوليوود، لكن تزايد حالات الكورونا داخل الولايات المتحدة نفسها اضطر استديوهات السينما إلى تأجيل عرض أفلامهم وتحريكها من الصيف إلى الخريف والشتاء القادمين، فمن غير المنطقى أن تبدأ عروض أفلام الإنتاج الضخم في قاعات دول العالم مبكراً بشهور عن الولايات المتحدة وكندا، وفي نفس الوقت تحتاج الشركات لضخ أموال تساعدها على البقاء والاستمرار، والوسيلة الأسرع هى عرض الفيلم على منصتها، وهذا يعنى قرصنة الفيلم سريعاً، وتضرر إيرادات الفيلم في السوق العالمية، ومن هنا جاء قرار "ديزني" إمساك العصا من المنتصف؛ فمن ناحية هى ستقوم بتوزيع فيلم "مولان" عالمياً، وفي قاعات العرض الأمريكية المُتاحة، وستعرضه على منصتها Disney+ مقابل 30 دولار إضافية يدفعها المشترك، وهذا المبلغ يساوي تقريباً سعر ثلاث تذاكر سينما في أمريكا، وبحسبة بسيطة هو أقل مما ستنفقه عائلة أمريكية لو ذهبت لقاعة عرض سينمائية، ولكنه مبلغ باهظ جداً لكثير من المشتركين في خدمات المنصة، وبالتالي قد يكون الإقبال على نسخة الفيلم المُقرصنة كبيراً.
فيلم الخيال العلمي Tenet للمخرج "كريستوفر نولان" هو أكثر أفلام 2020 المُنتظرة عالمياً، سواء بالنسبة للجمهور بشكل عام، أو لمواقع القرصنة، ورغم كل الظروف الغير مضمونة لنجاح العرض السينمائي يصر "نولان" على أن يُعرض فيلمه في دور العرض السينمائية وقاعات الآيماكس ذات الشاشات العملاقة، وقد تحدد موعد بداية عرض الفيلم عالميا يوم 26 أغسطس الجاري، ويوم 3 سبتمبر داخل الولايات المُتحدة، و4 سبتمبر في الصين.
في كل الأحوال ينتظر قراصنة الأفلام صدور الأعمال الجديدة وهم سعداء بسرعة اتاحتها على الإنترنت بجودة ممتازة، ولا زال موقف المنصات من قرصنة أعمالهم فور عرضها مُحايداً؛ فيبدو أنهم لم يتأثروا كثيراً بالقرصنة، وهم مُستمرون في شراء الأعمال السينمائية ويدفعون مُقابلها الكثير من الأموال، وهذا يعني أنهم والقراصنة سُعداء رغم كل ما يحدث من ضرر لقاعات السينما في العالم.