فيلم "أعز الولد" .. حينما تصنع الجدات الكوميديا والشباب ضيوف شرف!
أفلام الكوميديا العائلية قليلة جداً في السينما المصرية؛ ومن أسباب ذلك تفضيل السينما منح البطولة لجيل الشباب؛ وغياب الممثل الطفل من نوعية الراحلة "فيروز"، التي إستطاعت بموهبتها تقديم أدوار البطولة أمام نجوم كبار مثل "أنور وجدي" و"إسماعيل يس"، وكانت نداً لهم على الشاشة؛ وهناك أيضاً أسباب أخرى منها عدم وجود قصص سينمائية تمنح الأجداد والجدات أدوار محورية، مع استثناءات قليلة مثل فيلم "تيتة رهيبة" بطولة "سميحة أيوب" و"محمد هنيدي" و"عبد الرحمن أبو زهرة" الذي نجح بسبب أداء "سميحة أيوب" لشخصية الجدة الصارمة. يُحاول فيلم "أعز الولد" الذي عرضته منصة "شاهد" مؤخراً الجمع بين ثلاثة أجيال مُختلفة في عمل كوميدي خفيف، وربما كان تعثر عرض الفيلم في السينما في صالحه في النهاية؛ فهو فيلم يجمع كثير من عناصر الفيلم العائلي الذي يحظى بإهتمام جمهور المنصات الرقمية.
الحموات الفاتنات!
على عكس ما يحدث عادة في الأفلام الكوميدية ينتقل نجوم التمثيل من الشباب إلى الخلفية حيث يظهرون كضيوف شرف، وتتقدم الجدات "دلال عبد العزيز" و"شيرين" و"ميرفت أمين" و"أنعام سالوسة" إلى المُقدمة، ويعتمد السيناريو الذي كتبه "جورج عزمي" و"شريف نجيب" على قيادة الجدات لأحداث الفيلم، وفكرة الفيلم عن حبهن لأحفادهن، ويُشير العنوان إلى المثل الشعبي المصري الذي يعبر عن هذا الحب بصيغة مُبالغة، وهو "أعز الوِلد وِلد الوِلد"، وحينما يتعرض أحفاد هؤلاء الجدات للخطف تتجاوزن المنطق وإجراءات الشرطة وتُحاولن تحرير أعز الولد بأنفسهن.
يرسم الفيلم الشخصيات بإختلافات واضحة ومُباشرة؛ ولهذا تُصبح تفاعلاتهن كاريكاتورية؛ وتعتمد في كثير من المواقف على التناقض الحاد بين شخصياتهن؛ وربما أبرز تلك الشخصيات وأفضلهن على مستوى الأداء "دلال عبد العزيز"، وتُجسد دور الأم قديمة الطراز، وهى مُتسلطة وتتحكم في إبنها ضعيف الشخصية "عمرو سلامة"، حتى أنها أجبرته على طلاق زوجته التي يُحبها "أروى جودة"، وهى العقل المُدبر لباقي الجدات، وهن المُدللة المتصابية "ميرفت أمين"، والخوافة الساذجة نوعاً ما "شيرين"، و"إنعام سالوسة" ضعيفة السمع قوية الشخصية، وهى تُقدم كاراكتر غريب الأطوار خفيف الظل، وجميع الجدات يقُمن بأدوار الأمهات والحموات والجدات، وهذا يمنح شخصياتهن التنوع في التعبير، والتعامل مع مواقف متنوعة.
زحام من الشخصيات!
على الجانب الأخر يقدم الفيلم العصابة التي يتزعمها "سامي مغاوري"، ويساعده ولديه "على قنديل" و"محمود الليثي" وأخرون، وهى عصابة لديها لمسة عائلية تتناغم مع حالة الفيلم؛ وذلك من خلال علاقة زعيم العصابة مع ولديه، ويقدمهما بخفة ظل "محمود الليثي" الابن العصبي، و"على قنديل" خبير الكمبيوتر الذكي، وذُروة أحداث الفيلم حينما تلتقي عائلة زعيم العصابة وعائلة الصغار المخطوفين، وفي مخزن الخُردة القديم يحدث الصراع بين غباء أفراد العصابة، ودهاء الجدات، وذكاء أطفال الجيل الجديد.
رغم ظهور نجوم ونجمات جيل الشباب كضيوف شرف، وفى عدد محدود من المشاهد، لكن السيناريو تعامل مع رسم شخصياتهم وتاريخها بعناية؛ فنرى مثلاً علاقة "دلال عبد العزيز" و"عمرو سلامة" و"أروى جودة" نموذج كلاسيكي لعلاقة الحماة المتسلطة بزوجة إبنها، والزوجة "ريهام عبد الغفور" إمرأة مرعوبة من زوجها العصبي "عمرو يوسف"، وهناك زحام من الشخصيات وضيوف الشرف، ومنهن "منى زكي" التي تظهر في مشهد صغير، و"رجاء الجداوي" في أخر ظهور فني لها في دور مديرة المدرسة؛ وهذا الزحام تسبب في توهان تفاصيل بعض الشخصيات وسط الأحداث المتلاحقة، ومنها مثلاً شخصية "انجي المُقدم"، الأم التي تعيش في كندا، وتتابع عملية البحث عن إبنها المخطوف من خلال الاتصال الهاتفي بالفيديو.
كوميديا بلا صراخ!
تعتمد الكوميديا في الفيلم على السخرية البعيدة عن الصراخ والمُبالغة الفجة؛ ويؤسس الفيلم لذلك منذ مشاهد البدايات؛ فنرى مشهد يجمع بين تلميذ صغير ومشرفة الباص، والحوار بينهما عن ميزانية المنزل، والمقارنة بين الإيرادات والمصروفات، وذروة تلك الحالة الكوميدية حينما تُصبح الجدات مخطوفات، وتحاولن ترويض أفراد العصابة، ومعاملتهم بصرامة كما تتعاملن مع أبنائهن وبناتهن.
الفيلم يحمل بعض اللمحات النسوية؛ حيث تظهر النساء أكثر إيجابية وجرأة، والرجال أميل للسلبية والضعف والصوت العالي، ولكن كل تلك العيوب تتلاشى في النهاية بدون مُقدمات، ولان الفيلم كوميدي فهو يُهرول بإتجاه النهايات السعيدة، ويُعالج العيوب الجذرية للشخصيات كنتيجة عاطفية لأزمة خطف الأطفال، ورغم أن مساحة الأطفال لم تكن كافية لتكوين تآلف كافِ مع المشاهد، لكن أدوارهم مقبولة في فيلم تُسيطر عليه الجدات بصورة أساسية، ويبرز منهم الطفل الذي قدم شخصية "حسن".
تقدم المخرجة "سارة نوح" عمل كوميدي لطيف وجذاب في أول أعمالها الإخراجية، وتكسب السينما فيلم عائلي جديد يُضاف إلى قائمة فقيرة تتعامل مع علاقة الأجداد والجدات بالأبناء والأحفاد، ولم تعتمد "سارة نوح" على طلة نجوم مشهورين كعامل جذب؛ بل اهتمت بتوجيه الممثلين للخروج بتناغم بين أداء ثلاثة أجيال من الممثلين، وأيضاً توظيف المونتاج في المشاهد الكوميدية، مثل مشاهد "إنعام سالوسة" التي لا نتوقع ردود أفعالها، ويُضاف إلى كل ذلك عدم الوقوع في فخ الافيهات المكررة المُبتذلة.