رؤية نقدية - رمضان 2021.. لماذا يجب أن يعتذر صُناع الدراما عن منشور "نتفرج وبعدها نحكم"؟

صدرت بروموهات المسلسلات الرمضانية كلها تقريباً، ولكن لفت نظر جمهور السوشيال ميديا والنقاد بعض التفاصيل السلبية في مسلسل "الملك"، وهو بطولة "عمرو يوسف"، وقررت شركة الإنتاج مشكورة وقف المسلسل لمراجعته بناء على كم من الملاحظات السلبية التي لمستها من أراء الجمهور في عمل يتناول شخصية البطل التاريخي "أحمس"، ولكن المدهش أن بعض صُناع الدراما رفضوا القرار، و وجهوا سهام نقدم بإتجاه الجمهور! نعم الجمهور لأنه تجرأ وعلق وانتقد برومو العمل.

الهجوم على الجمهور!

هى المرة الأولى في تاريخ الفن التي يُهاجم فيها صُناع الدراما الجمهور وينشرون على حساباتهم على السوشيال ميديا منشورا موحدا بائسا كله مُغالطات تتهم السوشيال ميديا بأنها أصبحت محكمة فنية تمنع المسلسلات.. أحقاً هذا ما يحدث؟ هل منعت السوشيال الميديا عرض المسلسل؟

جاء في المنشور المصاحب لهاشتاج "#نتفرج_بعدها_نحكم" ما يلي: "ولو السوشيال ميديا تحولت لمحكمة فنية من حقها تمنع عرض أو توقف عمل ما نعرفش حتحكم بايه وممكن تظلم مين؟" وتحمل هذه الجملة كم من المغالطات والاتهامات للجمهور بالظلم والتسبب في قطع عيش وأرزاق العاملين بالفن، وكأن من كتبها صدق فعلاً أن جمهور السوشيال ميديا هو الذي منع المسلسل، بل هو يتهم الجمهور بكل جرأة بالظلم، ويبتذل العمل الفني ويصفه بوسيلة للتسلية وأكل العيش، وليس عملية إبداع وتعبير عن رؤية فنية في الأساس.

عدم تقبل النقد والتهكم والسخرية أصبح جزءا من جينات أغلب الفنانين، وقد تجاوزت الفنون في العالم هذا الأمر؛ فالفنون تُقدم للترفيه في الأساس، وهى ليست ساحة معارك وصراعات، وتقبل رأي الجمهور مهما كان تطرفه جزء من صناعة الفنون، وبعض استديوهات صناعة الأفلام والمسلسلات العالمية تعرض أعمالها على الجمهور مُسبقاً، وفي كثير من الحالات توقف عرض بعضها أو تُعيد صياغته لأن لم يعجب عينات من الجمهور.

حينما تكون العرائس أكثر تفهماً للفن!

ذكرني التعامل مع ملاحظات وتهكم الجمهور بشخصيتى "ستاتلر" و"والدورف" وهما من شخصيات يرنامج العرائس الشهير The Muppets show ورغم أن شخصيات الشو من الحيوانات خفيفة الظل، ولكن كان هناك عروستين لعجوزين من البشر يجلسان في مقصورة المسرح، ودائماً يقومان بالتهكم على بعض فقراته، والسخرية من أداء بعض مقدميه، وبشكل خاص الدب "فوزي" الذي كان يقدم فقرة استاند اب كوميدي، ولكنه يُطلق نكات لا تُضحك سواه، وكانت فكرة "جيم هينسون" صانع العرض عبقرية للغاية؛ فهو يضم في عرضه شخصيات تنتقده بصورة لاذعة، وغالباً كان يستحضر في سخريتهم آراء بعض النقاد والمشاهدين الحقيقية، وقد استمر العرض رغم اعتراض الدب الدائم على تهكم "ستاتلر" و"والدروف" منه، ولم يطردهما من المسرح، ولم يتهمهما بالظلم، بل كان يُحاول دائماً تجويد فقرته، وللحق كانت تعليقاتهم أخف ظلاً من نكاته، كما يحدث أحياناً وتكون تعليقات السوشيال ميديا مرحة وذكية أكثر من بعض الأعمال الدرامية.

هل تنافس السوشيال ميديا الفنانين؟

السوشيال ميديا وتعليقات جمهورها جزء من انطباعات الجمهور الذي يُشاهد الأعمال الفنية، وقد يتسبب في إحراج أصحاب الأعمال الفنية وشركات الإنتاج، ولكن السوشيال ميديا كيان إعتباري، ولا يملك منع عمل أو وقفه، وحتى لو طلب البعض ذلك من خلال منشورات مكتوبة فهى مُجرد أراء لا تُلزم أحد، ومن المغالطات وصف تعليقات جمهور السوشيال ميديا على بروموهات مسلسلات رمضان على أنها أحكام مُسبقة؛ لأن السوشيال ميديا ليست محكمة، وبوستات الفيسبوك ليست أحكام قضائية، وليس من الضرورة أن تكون على صواب، ولكن أحياناً تكون لها وجاهتها، وفي حالة برومو "الملك" مثلاً كانت غالبية الأراء تتعلق بتصميم الإنتاج وليس بالدراما؛ أي بشكل الممثلين وعلاقة الملابس والماكياج والاكسسوار بالحقبة التاريخية التي يحكي عنها، ولهذا فقد كان حُكم السوشيال ميديا على ما رأوه بالفعل في البرومو، ولم يتحدث أحد عن القصة والدراما مُطلقاً، ولكن منشور الفنانين الموحد الذي يتضامن مع زملائهم في مسلسل "الملك" الموقوف تجاهل أن وقف المسلسل كان قرار شركة الإنتاج، وأن شركة الإنتاج لها أسباب لوقف إنتاج وعرض أى عمل تُنتجه، وهذا حقها الأصيل، ولو كانت ثقتها في ما يتم صناعته كبيرة لم تكن ستلتفت لما كُتب على السوشيال ميديا.

الجمهور دائماً على حق

استجابت "نتفليكس" للسوشيال ميديا وغيرت العام الماضي أفيش فيلم Cuties الذي وجد البعض أنه يصور الأطفال بشكل غير لائق، وفي العام الماضي اعترض جمهور السوشيال ميديا على شكل شخصية القنفد "سونيك" كما ظهر في تريلر فيلم Sonic the Hedgehog، وكان الفيلم مُنتهياً وجاهزاً للعرض، ولم يقم بطل العمل "جيم كاري" بالهجوم على الجمهور وتدشين هاشتاج "نتفرج وبعدين نحكم"، وكتب مخرج الفيلم "جيف فاولر" على حسابه على تويتر ما نصه: "شكراً على الدعم وعلى النقد.. رسالتكم واضحة تماماً.. لم يعجبكم التصميم وترغبون في تغييره.. حسناً، هذا ما سيحدث. الكل في شركتي باراماونت وساجا لديهم التزام بتجسيد هذه الشخصية بأفضل شكل"، وكان الهاشتاج المصاحب للتويتة هو "سنقوم باصلاحه بسرعة" #gottafixfast. وقامت شركة الانتاج بتأجيل العرض مدة ثلاثة شهور لإعادة تصميم شخصية "سونيك" من جديد لتلائم ذوق المعجبين والجمهور.

يقولون "نتفرج وبعدها نحكم"، ولكن بخبرتي المتواضعة في الكتابة النقدية أقول أن صدر صُناع الأعمال الفنية ليس رحباً، وكثير منهم يتعالون على النقد لو لمس سلبيات بالعمل، ويفتقر كثير منهم للموضوعية وقبول الأراء المختلفة، ولكن لم أتخيل يوماً ما أن يخونهم ذكاءهم ويهاجموا الجمهور بهاشتاج ركيك ومنشور ساذج، وأتمنى أن يقوم كل من نشره بحسن نية الإعتذار للجمهور، والإهتمام بتجويد ما يصنعونه من دراما، والرازق هو الله في النهاية وليست السوشيال ميديا.