مسلسل "خلي بالك من زيزي" .. الدراما الحائرة بين الكوميديا والتراجيديا!
مسلسل خلي بالك من زيزي 11 أحد الأعمال الدرامية القليلة التي تنتمي لعالم الكوميديا وسط طوفان من مسلسلات الأكشن والجريمة والغموض والصراخ والتبريق التي يشهدها موسم رمضان الدرامي هذا العام، والانطباع الأول عنه هو أنه عمل يقدم كوميديا اجتماعية خفيفة عن طلاق يتم بين زوجين: هى عصبية جداً وهو هادئ للغاية، وهى تركيبة يصعب تخيل استمرار أى علاقة رومانسية بينهما، والمسلسل يبدأ بنقطة انفجار منطقية لهذه العلاقة المتوترة، وبداية لعبة القط والفأر بينهما؛ بسبب الإنتقام ومؤخر الصداق وباقي الأمور التي تُشكل دوافع تعثر قضايا الطلاق، ولكن المسلسل بمرور الوقت والحلقات يفتح أدراج شخصياته، ويُخرج منها تفاصيل تتعلق بتشوهات نفسية وإجتماعية لعدد من شخصيات العمل تتجاوز تلك النظرة السطحية عن أزمة العلاقة الزوجية للبطلين.
الحذر من "زيزي" والخوف عليها!
بعد مرور أكثر من عشر حلقات من المسلسل يُمكن أن نعيد قراءة عنوانه بصورة أخرى؛ فعنوان "خلي بالك من زيزي" كما نراه في الحلقات الأولى قد يشير بصورة أكبر إلى التحذير من شخصية "زيزي-أمينة خليل"، وهى زوجة شابة تفشل في الإنجاب عن طريق التلقيح الصناعي، ونراها في ثورة عصبيتها تضرب زوجها في رأسه بأباجورة لأنه لم يعد يتحمل عصبيتها ويرغب في الطلاق منها، ونراها لاحقاً عصبية ومتوترة بشكل مزعج للغاية، طوال الوقت وليس لسبب محدد، وهو أمر أدته "أمينة خليل" بشكل جيد بإستثناء بعض المشاهد التي بالغت في الأداء لتوصيل حالة "زيزي" العصبية للمشاهد، ولأننا نفهم حالة "زيزي" بشكل سطحي في البداية لا نفهم أن سلوكها يعود لسبب نفسي منذ طفولتها، وأن مشكلتها تفاقمت لأن من حولها لم يفسروا سلوكها بصورة صحيحة وتعاملوا معها باستخفاف، ولهذا تدخل شخصية الطفلة "تيتو-ريم عبد القادر" لتكون تفسيرا حاضرا لماضي شخصية “زيزي” دون الحاجة لاستخدام الفلاش باك؛ والطفلة إبنة شقيقة محامي “زيزي”، الذي يقوم بدوره "محمد ممدوح"، وقد حضرت شقيقته من مدينة المنصورة لتقيم هى وإبنتها في منزله بعد خلافها مع زوجها، وتُلحقها الأم بمدرسة خاصة في القاهرة، وتكتشف المدرسة تأخرها الدراسي، وتقوم بإنزالها عام دراسي، وتطلب إجراء تقييم نفسي لإتخاذ الإجراءات اللازمة لعلاج حالتها.
عصبية وأمومة وتنمر
دخول الطفلة المتمردة التي تعاني من قلة التركيز وفرط الحركة يدفع المُشاهد إلى التعاطف معها، خاصة حينما تتعرض لتنمر زملائها بالمدرسة، ومن ناحية أخرى إلى إعادة النظر في تفسير شخصية “زيزي” التي تشبهها في أمور كثيرة، وتُرينا صورة مُشابهة لبداية حالة "زيزي" النفسية، وينقلنا إلى مرحلة نقرأ معها عنوان "خلي بالك من زيزي" بمعاني الرعاية والتعاطف بدلاً من الحذر والإجتناب، ولكن هذا المعنى لم يصل إلى أغلب شخصيات العمل الدرامية بعد، وهم يتعاملون مع "زيزي" على أنها شخصية تُعاني نوبات غضب وعصبية مفرطة؛ وحتى الزوج "هشام-علي قاسم" لم يفهم طبيعة زوجته النفسية، ووصل إلى مرحلة الصدام معها، ووالديها يتعاملون معها على أنها إبتلاء، وإبنة تجلب لهم المشاكل، ومحاميها يعتبر حالتها تحديًا مهنيًا وأخلاقيًا أمام محامي الزوج الذي لا يتورع عن إستخدام الغش من أجل الفوز بقضاياه، وحتى إبنة خالتها وخالتها وهما الأقرب إليها يمتصون نوبات غضبها، ويعاملونها بحنان دون مواجهة حقيقية، ولهذا تستمر "زيزي" في تصرفاتها ونوباتها بلا توقف.
المسلسل فكرة وسيناريو وحوار "منى الشيمي" بمشاركة "مجدي أمين"، وتحت إشراف "مريم نعوم"، وتتعامل الكتابة بحساسية مع أعراض المرض النفسي المسمى (ADHD) أو اضطراب الحركة المفرطة وتشتت الانتباه، ومن أعراضه الميل للتصرُّف باندفاع، والتقلُّبات المزاجية، وعدم القدرة على التعامل مع المواقف الضاغطة، وهو ما نراه في مواقف “زيزي” مع طبيبتها، وأمام وكيل النيابة، ونفس ما نراه مع الطفلة "تيتو" في المدرسة ومع الطبيب النفسي، وهذا جعل مهمة كتابة النص درامياً صعبة للغاية، ولكن النتيجة حتى الآن جيدة للغاية، وإن كانت مذبذبة وحائرة بين الإنجراف ناحية المواقف الكوميدية الصارخة، وبين الخوف من الإستخفاف بطبيعة مرض الشخصيات.
دموع وضحكات!
رغم أن المسلسل يقدم لمحات كوميدية تعتمد على علاقة "زيزي" العصبية بمن حولها، لكن الدراما تتلون بمساحات حزينة وكئيبة أحياناً، وبدأت بمشهد ضياع الطفلة "تيتو" في محطة القطار، وكان نهاية إحدى الحلقات، وقد تركنا المشهد في حالة ميلودرامية سيئة حتى العثور عليها في حلقة اليوم التالي، وتحتل أزمة طلاق "زيزي وهشام" محور الدراما، وتنبع منها مساحات الكوميديا، خاصة حينما تذهب “زيزي” إلى جيم لإفراغ طاقتها في الرياضة، أو حينما تتلقى دروس في التمثيل للتحكم في انفعالاتها، ولكن يتفرع المسلسل إلى خيوط درامية موازية لم تحظ بنفس الملامح الكوميدية، ومنها مثلاً الخيط الدرامي الخاص بهدى "أسماء جلال" وهى شقيقة المحامي "مراد الفرماوي" ووالدة "تيتو"، والمتزوجة من شاب "علي الطيب" يعيش مع أهله في المنصورة، وهذا سبب في خلافات بينه وبين زوجته، وعلى الهامش هناك كراهية متبادلة بين الزوج وبين مراد شقيق زوجته بسبب خلافات قديمة تتعلق بإرث عائلي.
المسلسل إخراج "كريم الشناوي" الذي قدم في رمضان 2018 مسلسل الغموض والجريمة النفسي "قابيل" مع الثلاثي "أمينة خليل" و"محمد ممدوح" و"محمد فراج"، والأخير يظهر كضيف شرف في شخصية مدرس التمثيل، وهو في هذا العمل المختلف عن دراما "قابيل" القاتمة يحاول تقديم دراما نفسية ملونة بلمحات كوميدية، وتبدو الكيمياء واضحة بين شخصيات الأبطال، وخاصة "أمينة خليل" و"محمد ممدوح"، وهما الأكثر إخلاصاً للحالة الكوميدية، وهذا واضح في مشاهدهما المشتركة، ولا زال العمل من أفضل أعمال رمضان هذا العام، ونتمنى أن يستمر الحال حتى النهاية، خاصة مع وجود كم مكثف ومتشابك من الخيوط الدرامية الموزعة على كل شخصيات المسلسل.