لماذا تعتبر نسخة مسرحية "مدرسة المشاغبين" الملونة أفضل من الأبيض والأسود؟
يظن بعض الأطفال أن البشر زمان لونهم أبيض وأسود كما يظهرون في الأفلام الكلاسيكية القديمة، وأنهم كانوا يعيشون في زمن مُختلف كل شىء فيه بالأبيض والأسود، ونحن نندهش ونشعر بسعادة حينما نرى صورة قديمة لشخص من الزمن القديم تم تلوينها بتقنيات الذكاء الصناعي الحديثة، ومتعة إعادة مشاهدة مسرحية "مدرسة المشاغبين" بعد تلوينها تتجاوز طرافة منح عمل كلاسيكي أبيض وأسود ألوان تقترب من الطبيعة، فمشاهدة العمل كما شاهده الجمهور وقتها يزيد متعة المشاهدة.
المسرحية مصنوعة للمشاهدة بالألوان!
مسرحية "مدرسة المشاغبين" الملونة عرضتها منصة "شاهد" في أول أيام العيد، ورغم التحفظات على فكرة تلوين الأعمال القديمة لكني أجد تلوين المسرحية إضافة جمالية للعمل، والتعصب للنسخة الأبيض والأسود مفهوم لو كان يتعلق بحالة التعود والحنين للمشاهدات الأولى، والحديث عن تشويه التراث والعمل الأصلي يقترب من المزايدة أكثر من اقترابه لأى منطق فني.
لم نعد أطفالاً ونُدرك أن الحياة زمان كانت بالألوان كما هى اليوم، ولم يصنع "جلال الشرقاوي" مخرج مسرحية "مدرسة المشاغبين" مسرحيته من أجل تصويرها بالأبيض والأسود، ولم يكن في ذهنه وهو يراجع الديكورات وملابس الممثلين والاكسسوار أن تصوير المسرحية وعرضها تليفزيونيا في السبعينيات تحكمه تقنيات الأبيض والأسود، بل كان يصمم العمل للجمهور الذي سيشاهد العمل مباشرة، ولهذا يمكن أن نؤكد أن العمل تم تصميمه للعرض بالألوان، وهذا الأمر نفسه مع المسرحيات المُسجلة القديمة التي قدمها "فؤاد المهندس" و"عادل خيري"، ونفس الأمر ينطبق على حفلات "أم كلثوم" و"عبد الحليم" وغيرها من الحفلات الغنائية التي تُعرض بالأبيض والأسود لعدم توفر وسائل تقنية أو ميزانية للتصوير الملون وقتها، ولكنها مصنوعة لجمهور شاهدها ملونة مباشرة، ولو توفرت فرصة تلوينها بشكل جيد حالياً فلماذا نقف ضد الفكرة؟
ألوان السينما تختلف عن ألوان المسرح!
قد يختلف الحال في السينما بعض الشىء، وان كان الأمر ليس مرفوضاً بشكل مُطلق، ومن المعروف أن تصميم الفيلم القديم كان يراعي العرض على الشاشة بالأبيض والأسود، ولهذا يقوم مدير التصوير والاضاءة والملابس والاكسسوارات ومعهم المخرج بتصميم اللقطة بالأبيض والاسود، فالألوان في المشهد تتحول إلى درجات رمادية في النهاية، وتحويل بعض هذه الأفلام إلى نسخ ملونة قد يضر بالقيمة الدرامية للمشهد، خاصة أن الألوان ستفتقر إلى المعالجات اللونية الحديثة التي تمنح كل مشهد حالة لونية تناسبه درامياً، وهناك كثير من الحالات التي تم تلوين أفلام كلاسيكية عالمية بواسطة شركات إنتاج كُبرى، وكانت النتيجة قبول البعض ورفض البعض الأخر، وقد لقى تلوين بعض أفلام "لوريل وهاردي" مثلاً قبول البعض مع التحفظ على جودة التلوين الذي تم في التسعينيات قبل إنتشار تقنيات الذكاء الصناعي الحالي، وهناك نسخ متواضعة على اليوتيوب لونها هواة لبعض أفلام "تشارلي شابلن" القصيرة، وحالياً مع تقدم تقنيات التلوين قام هواة بتلوين عشرات الأفلام، وقام المهندس "محمد الديب" حفيد الفنانة "جمالات زايد" والفنان "محمد الديب" بمشروعه الخاص لتلوين عدد كبير من الأفلام المصرية القديمة، وبالطبع تقف عقبة حقوق الملكية الفكرية أمام استمرارية المشروع.
مُحاولات محمد فوزي تلوين أفلامه!
بدأت مُحاولات تلوين الفيلم المصري في الأربعينيات، وكانت البادرة في فيلم "لست ملاكاً" إنتاج عام 1946، وإحتوى الفيلم على أغنيتين للموسيقار "محمد عبد الوهاب" تم تصويرهما بالألوان، ولكن تلف نسخ النيجاتيف الخاص بهما حرمنا من مشاهدتهما، وشهد عام 1950 أول فيلم مصري ملون بالكامل وهو فيلم "بابا عريس" بطولة "نعيمة عاكف"، والنسخة الملونة من الفيلم غير متوفرة للعرض، وتُعرض فقط نسخته الأبيض والأسود ومكتوب عى تتراتها "أول فيلم مصري بالألوان الطبيعية".
في عام 1951 أرسل الفنان "محمد فوزي" فيلمين من بطولته وإنتاجه إلى فرنسا لتلوينهما، والفيلمين هما "الحب في خطر" و"نهاية قصة"، وبعد تلوينهما تعرضا لحادث أثناء شحنهما للقاهرة مما تسبب في تلفهما، وواصلت السينما المصرية محاولات التلوين وخرج فيلم "دليلة" عام 1956 ليكون أول فيلم ملون نتقنية سكوب، والفيلم بطولة "عبد الحليم حافظ" و"شادية".
نيللي ومدبولي وليلى طاهر والمشاغبين!
مسرحية "مدرسة المشاغبين" تم عرضها في مصر لأول مرة بعد حوالي أسبوعين من بداية حرب أكتوبر عام 1973، وقدم شخصيات الطلبة "عادل إمام" و"سعيد صالح" و"يونس شلبي" و"أحمد زكي" و"هادي الجيار"، وكانت نسختها الأولى بطولة "عبد المنعم مدبولي" في دور الناظر قبل اعتذاره وذهاب الدور إلى "حسن مصطفى"، وجسدت "ليلى طاهر" دور المدرسة "عفت عبد الكريم" قبل اعتذارها وحصول "سهير البابلي" على الدور، ويُقال أن كلا من "نيللي" و"ميمي جمال" قدما دور المدرسة في مراحل مختلفة من العرض المسرحي، وقدم "حسن مصطفى" دور المدرس "علام الملواني" قبل ذهاب الدور إلى "عبد الله فرغلي".
المسرحية كتب قصتها "على سالم" عن الفيلم البريطاني To Sir, with Love "إلى مُعلمِي معى حبي" عن رواية بنفس الاسم للكاتب "ايه.أر.بريثويت"، وكان الفيلم بطولة "سيدني بواتيه" وجسد فيه دور مُعلم مدرسة يحاول تقويم سلوك مجموعة من الطلبة المراهقين المُشاغبين.
استمر عرض مسرحية "مدرسة المشاغبين" أكثر من ست سنوات متواصلة، وتمت إعادة عرضها لمدة محدودة في الثمانينيات بنفس فريق النسخة المُصورة ما عدا "أحمد زكي" الذي تم استبداله بالممثل "محمود الجندي"، وعلى الأغلب لم يتم تصوير هذا العرض، وكان وقتها تصوير العروض المسرحية بالألوان، وانتظرت المسرحية حوالي 48 عاماً حتى تُعرض ملونة على الجمهور، وهو أمر قد يفتح الباب أمام تلوين المزيد من الأعمال الكلاسيكية القديمة.