عروض مهرجان البحر الأحمر ـ "سيرانو وروكسان".. قصة حب وتضحية من زمن الفروسية بفيلم "Cyrano"
اختار مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي الفيلم الموسيقي الرومانسي Cyrano "سيرانو" بطولة "بيتر دينكلاج" و"هالي بينيت"، وإخراج "جو رايت" كفيلم إفتتاح دورته الافتتاحية، والتي ستقام في الفترة من 6 إلى 15 ديسمبر الجاري. الفيلم أحد الأعمال السينمائية اللافتة هذا العام، ويقدم قصة حب مستحيلة، في إطار غنائي إستعراضي، ويتناول بالإطافة للفكرة الرومانسية صورة لأزمة قبول المجتمع للأخر، والذي قد يكون إختلافه في الشكل أو اللون، وتدور الأحداث في فرنسا خلال القرن السابع عشر، وتتناول واحدة من حكايات الحب والفروسية.
حكاية الجميلة والقزم!
قرون تفصل بين قصة حب الفارس العربي "عنترة بن شداد" من الجزيرة العربية لإبنة عمه "عبلة"، وقصة حب الفارس الفرنسي "سيرانو دي برجراك" وإبنة عمه "روكسان"، وكلاهما خلد في التاريخ بسبب قصة حب ميلودرامية، وكلاهما عانى من أزمات إجتماعية تتعلق بالدمامة أو لون البشرة، وهى في تلك الأزمنة القديمة كانت وصمات عار لم تمحها ثقافة ونبل وشهامة صاحبها.
كانت عُقدة "عنترة" أنه كان عبداً أسود البشرة، ورغم حصوله على حريته، لم يكن بإمكانه تغيير لون بشرته، ولم تشفع له شجاعته وبلاغته كشاعر حينما رغب الزواج من حبيبته وابنة عمه "عبلة"، ورفضت عائلتها أن ينتسب إليها رجل أسود، حتى لو كان من نفس العائلة، ولا يختلف الوضع كثيراً في حكاية حب الفارس "سيرانو" لإبنة عمه "روكسان"؛ فقد وقف أنفه الكبير ودمامته عائقاً أمام هذا الحب (قصر القامة في الفيلم)، ولكن "سيرانو" لم يجرؤ على البوح بحبه، ورغم علاقتها الودودة بإبن عمها الفارس النبيل، لم تشعر "روكسان" بالحب نحوه، بل كانت مُغرمة بشخص أخر يتمتع بالوسامة، لكنه يفتقر للفصاحة والقدرة على التعبير عن مشاعره، وهى أمور تهمها بصورة كبيرة.
إعادة سرد حكاية سيرانو!
الفيلم من إخراج البريطاني "جو رايت"، الذي إشتهر بتقديم معالجات سينمائية مأخوذة عن أعمال روائية كلاسيكية شهيرة؛ منها Pride & Prejudice "كبرياء وتحامل" و Atonement "الكفارة"، و Anna Karenina "آنا كارينينا"، وفيلم "سيرانو" امتداد لاهتمامه الخاص بالأعمال التي تدور في الأزمنة القديمة.
"سيرانو" كان فارس وكاتب عاش في فرنسا في القرن السابع عشر، وقصته كانت موضوع المسرحية الشهيرة "سيرانو دي برجراك" للكاتب " إدموند روستان"، وهو أحد رواد الأدب الفرنسي، وله بصمات على المرحلة الرومانسية في الأدب الفرنسي في نهاية القرن، ولكن فيلم "سيرانو" للمخرج "جو رايت" وبطولة "بيتر دينكلاج" معالجة سينمائية مأخوذة عن مسرحية أخرى كتبتها "إريكا شميدت"، وهى مسرحية قام ببطولتها "دينكلاج" أحد أبطال مسلسل "لعبة العروش" عام 2019؛ لتكون قامته القصيرة هى عقدته داخل مجتمع القرن السابع عشر الفرنسي، كما كانت في مجتمع عائلة لانستر الخيالي في "لعبة العروش".
كانت براعة "سيرانو" الإستثنائية في المبارزة هى السلاح الذي يرد به على تعرضه للتنمر والإستهزاء، وإنتصاره الساحق على المستهزئين هو العلاج الذي يشفي غليله أمام الجميع، ولكن أزمة "سيرانو" الأصيلة لم تكن الكراهية، بل كانت الحب، وتحديداً معاناة ألم حبه المستحيل لإبنة عمه الحسناء، وقد جمع بينهما التفاهم وحب الأدب وفرقت بينهما إعاقته.
حكايات رومانسية بين الواقع والخيال!
العلاقة الصعبة بين "سيرانو" القزم الفارس، و"روكسان" الحسناء لا تعكس الواقع الذي يعيشه الممثل "بيتر دانكلاج"؛ فهو في الواقع متزوج من إمرأة حسناء تفوقه طولاً، وزوجته هى "إريكا شميدت"، كاتبة مسرحية وفيلم "سيرانو"، ويبدو أن هناك تماس ما بين قصة "سيرانو" الرومانسية، وعلاقة "دانكلاج" بزوجته، وهو الدافع وراء الولع بحكاية "سيرانو"، وإعادة إحيائها بشكل فني جديد، وفي زمن تفتح السينما ملفات العنصرية والعلاقات الإجتماعية القديمة، يبدو الفيلم مثالياً لجمهور يتحمس لحكايات تتناول مراجعة قيم العلاقات الإجتماعية.
الفيلم يصور الحكاية الرومانسية بتوظيف الموسيقى والأغاني والإستعراضات، لتكون وسيلة التعبير عن علاقات الشخصيات، وبشكل خاص مثلث الحب الملتبس في الفيلم، ويتمثل في غرام "روكسان" بالفارس "كريستيان" (كيلفن هاريسون)، وغرام "سيرانو" المكبوت بإبنة عمه. أغاني الفيلم من تأليف فريق The National والموسيقى التصويرية ألفها الأخوان "أرون وبرايس ديسنر"، وتم عرض الفيلم بشكل محدود في عدد من المهرجانات السينمائية داخل الولايات المتحدة الأمريكية؛ بالإضافة إلى مهرجان روما، ويعد عرضه بمهرجان البحر الأحمر هو العرض الأول في منطقة الشرق الأوسط.
الصور من حساب الفيلم بانستجرام