لماذا يخشى نجوم الكوميديا مرحلة منتصف العمر الدرامي؟ أحمد حلمي نموذجًا!
مع كل فيلم كوميدي جديد يفرض هذا السؤال نفسه: هل قدم البطل شىء جديد؟ والإجابة الكسولة دائماً هى نعم؛ فالجمهور ضحك على الافيهات والحدوتة لم يُقدمها من قبل، والإجابة غالباً خادعة؛ لأن البطل غير فقط ملابس الشخصية، وكرر الأمر مرات سعياً لكسب نفس النجاح. يحب الجمهور النجوم الذين أسعدوه وجسدوا شخصيات من فرط جمالها ولُطفها وخفة ظلها أصبحت جزء من عائلته الخيالية، ويحاول النجم إرضاء الجمهور والحفاظ على درجة محبته وإهتمامه، ولكنه لا يُدرك أن الأثار الجانبية لذلك الحرص قد تصل به إلى تكرار نفسه وشخصيته الدرامية دون أن يفطن لذلك، هل تصدق مثلاً أن "أحمد حلمي" يقدم شخصية درامية لها تقريباً نفس الظروف خلال العشرين سنة الأخيرة؟
لف ودوران أحمد حلمي!
أغلب الشخصيات التي قدمها "أحمد حلمي" منذ بداياته وحتى فيلمه الأخير (واحد تاني) تتشابه في الظروف، هذا مع استثناءات بسيطة مثل فيلم (على جثتي)، ولكنه ظروف شخصيته في باقي أفلامه فهى بإختصار: شاب أعزب يبحث عن حبيبة او زوجة، ولا زال في بداية حياته المهنية أو تخرج منذ سنوات قليلة، وهو شاب مرح وساخر وأخرق، ويحل مشاكله بالفهلوة غالباً، أو نظريات التنمية البشرية المُفرطة في مثاليتها.
من هذه الأفلام مثلاً (ميدو مشاكل - 2003) وجسد فيه دور فني تركيب دش تحبه زميلته بينما يحب هو فتاة ارستقراطية لا تحبه، وفي (ظرف طارق – 2006) جسد دور شاب يعمل في شركة شبكة محمول يحب فتاة كان يتنصت على هاتفها، وفي (ألف مبروك 2009) جسد دور عريس يتكرر يوم عرسه، وفي (بلبل حيران 2010) جسد دور مهندس ديكور حائر بين حب فتاة مستقلة وجريئة وفتاة أخرى رومانسية ضعيفة الشخصية، وفي فيلم (صنع في مصر – 2014) يحاول كسب قلب جارته التي ترفضه لأنه شخص كسول، وفي (لف ودوران – 2016) نراه مرشد سياحي متفرنج يتودد لفتاة إيطالية، بينما تسعى عائلته لإفساد علاقتهما بمعاونة فتاة مصرية تصادف وجودها في نفس الشاليه التذي تقطنه الاسرة، وأخيراً في (واحد تاني – 2022) يسعى البطل لاستعادة حب الجامعة القديم بعد سنوات عاشها كموظف في مصلحة السجون، وقد كتبت عن الفيلم نفسه بالتفصيل في مقال سابق.
نفس الظروف والتركيبة الشخصية موجودة في باقي قائمة أفلام حلمي الأخرى الذي لا يتسع المجال لسردها جميعاً، وعموماً إذا كانت الظروف منطقية وملائمة في أول عدة أفلام فإنها فقدت قيمتها بمرور الوقت وتقدم العمر وأصبحت الأفلام كلها عبارة عن موضوع ملفت مثل (يوم يتكرر- شخص يتحول إلى دبدوب - شاب أكول بدين - لبوسة تعيد الشغف)، ولكن حبكة قصة الحب لم تتغير تقريباً، وكأنها فقط حجة لأى وجود نسائي مُساعد في الفيلم.
بص بص الحركة دي!
يتعلق أغلب النجوم بمرحلة الشباب الدائم في الأفلام حتى لو تجاوز عمرهم الخمسين بسنوات كما في حالة "أحمد حلمي"، وهذا جزء من تراث السينما التي تضع مفهوم للبطل الوسيم والبطلة الجميلة؛ فتشترط أن يكون عمرهما نفس عمر الفئة الأكثر اهتماماً بالسينما، وهم جمهور الشباب، وقد يتحجج البعض بأمثلة شبيهة من كلاسيكيات السينما، ولكن السينما فن يتطور وينضج على جميع المستويات، ويجب أن تتخلص الأفلام من هذا التنميط الساذج، وقد يقول البعض الأخر أن الأمر لا بأس به طالما كانت ملامح ولياقة النجم تؤهله لتجسيد شخصية الشاب العشريناتي والثلاثيناتي، وهى شخصية يتجمد عندها عمر النجوم رجالاً ونساء ثلاثين سنة تقريباً، ولا بأس بهذه الحجة شكلياً في حالة "حلمي"؛ فهو يحافظ على لوك الشاب الثلاثيناتي، وتزامناً مع فيلمه الاخير يغني في فيديو كليب راقص قائلاً "بص بص الحركة دي" كأنه يحاول ان يثبت أنه لا زال شاب صغير قادر على حركات رقص الشباب، ولكن الأزمة ليست في الشكل والحركات أيها السادة.
يحرم الفنان نفسه وجمهوره من تجسيد شخصيات لها هموم مختلفة عن هموم الخريج الجديد أو الخريج الذي مر على تخرجه 10 سنوات، ولهذا لم نر فيلماً لأحمد حلمي يبدأ وهو زوج وأب لشاب في الثانوي وإبنته جامعية مثلاً، أو قصة رجل لديه طموحات مهنية صعبة في عمل ذو طبيعة خاصة، أو حبكة درامية عن فتور زوجي ومشاكل تربية الأبناء، أو الإختلاف بين الأباء والأجيال الأحدث؛ فما يُقدمه حلمي وزملاءه هى شخصيات جيل أخر مُغلفة بموضوعات لها شكل جذاب قد يجلب الإيرادات في مواسم الأعياد، وقد يعده البعض نجاحاً وعودة، ولكنه في الحقيقة حلاوة روح لمن يرى ويدرك حقائق الامور.
إعادة تدوير نفس الشخصية!
يصنع "أحمد حلمي" وزملاءه مثل "محمد هنيدي" فجوة في السينما والدراما بالإصرار على أن تكون شخصياتهم في عمر الشباب أو في عمر درامي غامض، وأن يكون محور رئيسي لحكاية الفيلم أن يحب البطل فتاة ويسعى للإرتباط بها ويمر بخطوات التعارف والخطبة والزواج، هذا الخط الدرامي موجود بقوة في فيلم (واحد تاني) بين "أحمد حلمي" و"روبي"، وموجود بتفاصيل مختلفة في فيلم (الإنس والنمس - 2021) بين "محمد هنيدي" و"منة شلبي"، وأيضاً في فيلم (محمد حسين - 2019) بين "محمد سعد" و"ويزو"، وهذه أخر أفلام قدمها أشهر نجوم الكوميديا في الألفية الثالثة، وهنا تكمن الأزمة.
مُحاولات الخروج من إطار الشخصية النمطية التي يتمسك بها النجم صعباً، وقد لا يكون مُوفقاً تماماً؛ فقد قدم "أحمد حلمي" شخصية زوج ورب أسرة أربعيني شكاك في فيلم "على جثتي"، وكان دور جيد ومختلف على رغم مشاكل السيناريو خاصة في نصفه الثاني، وحاول "محمد سعد" التغيير فخرج من حالة الكوميديا بأكملها، وقدم دور ضابط القلم السياسي في عهد الملك فارق في فيلم "الكنز"، وقد أحب الجمهور التغيير وصفق له رغم أن الفيلم نفسه مفكك ويعاني من مشاكل فنية مُتعددة، ولكن هذه التجارب لم تكن مُكتملة ولم تتكرر بسبب الخوف والتردد، وعملاً بالمثل العامي "اللي تعرفه أحسن من اللي متعرفوش!" يعود النجوم لإعادة تدوير شخصياتهم التي قدموها في بداياتهم وجلبت لهم النجاح.
الأمل في تجديد الخيال!
على النجوم مراجعة تاريخ السينما وتطور شخصيات كبار النجوم، ويُمكنهم مثلاً مراجعة كيف تحول مسار نجم أكشن أيقوني مثل "فريد شوقي" في الوقت المناسب؛ فحافظ على نجوميته وتألق في دور الأب والموظف والأخ الاكبر.
من باب النصيحة لا أكثر أرجو أن ينتبه نجوم الكوميديا الكبار وزملائهم إلى أن التغيير جزء من الإبداع، ومُصالحة الزمن ضرورة لابد منها، ودورهم الأدبي يُحتم عليهم السعى للتجديد في الجوهر وليس المظهر، وكل نجاح حالي لفيلم يكرر فورمات الشخصية الشبابية المُصطنعة هو مجرد نجاح سببه حبنا للفنان وليس حباً فيما يُقدمه، والحب يُغذيه النُضج والإهتمام وتجديد المشاعر والحكايات والخيال، وتاريخ أى ممثل فنان هو البراعة في تقديم شخصيات متنوعة ومُفعمة بالحيوية والألوان الدرامية المُختلفة، وليس تكرار الفورمات الواحد للشخصية التي توقف بها العمر عند مرحلة التخرج والبحث عن عمل والخطوبة والهزار، فمن المؤكد أن هناك شخصيات أخرى تلائم أعمار "أحمد حلمي" و"محمد سعد" و"محمد هنيدي" وغيرهم، وهى فرصة لنُشاهد من خلالهم حكايات درامية طازجة وأصيلة وملائمة للعصر.
الصور من حسابات أحمد حلمي وهنيدي ومحمد سعد بانستجرام