بعد اتهام الرجال بالسيطرة على الصناعة الفنية.. كيف دعمت المنصات المرأة وقضاياها؟

إذا كنت أحد مشاهدي منصات البث الإلكتروني، فلا بد وأنك قد لاحظت في السنوات الأخيرة اتجاه أغلبها لدعم المحتوى النسائي سواء بعرض أعمال تتناول قصص نسائية ملهمة، أو بدعم صانعات الدراما من مؤلفات ومخرجات وغيرهن.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

A post shared by Netflix MENA (@netflixmena)

مبادرات دعم صانعات الأفلام

لعل أحدث هؤلاء الداعمين شبكة نتفليكس، التي أعلنت قبل أيام عقد شراكة مع "سرد" لتدريب النساء على الكتابة وتطوير مهاراتهن في السرد القصصي عبر برنامج "لأنها أبدعت" الخاص بالكتابة الدرامية، موضحين أن التدريب سيشمل 20 سيدة من مناطق مختلفة خارج القاهرة، وهو ما أشادت به المحامية نهاد أبو القمصان، عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، في تصريحاتها لـ مجلة "هي"، حيث وصفت التدريب بأنه فكرة ممتازة، إذ يعد بمثابة فرصة هامة للمبدعات من الأقاليم، اللاتي تعانين من قلة الفرص المتاحة لهن بالقرب من محل إقامتهن مقارنة بغيرهن من القاهريات، مشيرة إلى هذه التجربة الإيجابية تخلق التوازن بين كلا الطرفين.

هذا ما ذكرها بتجربتها الخاصة في مجال الدورات التدريبية، حيث أكدت أنه في كثير من الأحيان يتم الإعلان عن منح بالقاهرة إلا أن الإقبال عليها يكون ضعيفا جدا، في حين أن قاطني الأقاليم يمكن أن يقطعوا آلاف الكيلومترات لحضور تدريب معين غير متوفرا في المحافظات، وهو ما يعد رحلة شاقة بالنسبة لهم، لافتة إلى أن المميز في شراكة نتفليكس مع سرد هو توفير إقامة كاملة للمتدربات.

ليست هذه هي المرة الأولى التي تسعى فيها نتفليكس لدعم المبدعات في الصناعة الفنية، إذا أعلنت في يوليو الماضي عن منحة تدريبية مدتها عامين، هدفها تحسين مستوى المخرجات والمصورات السينمائيات، ذلك فضلا عن دعمها أيضًا لخمس منتجات ومخرجات عربيات، في إطار تعاونها مع الصندوق العربي للثقافة والفنون "آفاق"، حيث قدمت لهن في أبريل الماضي منحة نقدية لمرة واحدة لدعم أعمالهن الوثائقية والروائية.

ومن قبل ذلك، أعلنت نتفليكس أيضًا في مارس الماضي عن تعاونها مع نادي المنتجين الأوروبيين لإطلاق مبادرة خاصة لدعم المنتجات الأوروبيات، وبحسب موقع " tbivision" فإن هذه المبادرة جاءت في الوقت الذي ما زالت فيه الأبحاث التي أجريت في مجال الصناعة الفنية تؤكد أن مشاركة المرأة في صناعة الخيال التلفزيوني في أوروبا أقل من الرجل.

اتفق ما صرحت به المخرجة مريم أحمدي، لـ موقع "هي" مع مضمون تلك الأبحاث، حيث قالت إن الأمر برمته نسبة وتناسب، موضحة أن الموضوعات والمناصب الذكورية أكثر بكثير من تلك التي تخص المرأة، مؤكدة على أن هذه النسبة لم تصل بينهما بعد إلى 50 %، مشيرة إلى أن العمل في مجال الصناعة الفنية في حد ذاته هو أمر صعب سواء كنت رجل أو امرأة.

أما المخرجة إيناس الدغيدي، فقد كشفت لـ "هي" عن وجهة نظرها من واقع تجربتها التي انطلقت في الثمانينات، حيث قالت إن الفرص تلاحق المرأة الماهرة الناجحة في عملها، لافتة إلى أن البعض أحيانا يفضل التعامل مع المرأة أكثر من الرجل خاصة في المواقع القيادية لأنها تكون أكثر تفاهما، مؤكدة على أنها لم تواجه أي مشكلة في عملها كأثنى، وإنما كانت المشاكل تنحصر في أفكارها، مؤكدة على أن سوقية الأفكار وتسطيحها هي أمر مرفوض، وإنما ما يجب دعمه هو قيمة الحرية في التعبير.

وبخلاف نتفليكس، فقد سبق وأن شاركتHBO Max Nordic  في دعم كاتبات السيناريو فوق سن الأربعين من خلال مبادرة تم إطلاقها في وقت سابق من هذا العام بأوروبا، وأوضح موقع " cineuropa" أن ذلك البرنامج الفريد من نوعه هو أمريكي الأصل ويدعمه كل من ميريل ستريب ونيكول كيدمان وأوبرا وينفري بجانب العديد من السينمائيات في نيويورك.

أما ديزني، فكانت قد أعلنت عام 2018 دعمها لصانعات الأفلام الشابات من جميع أنحاء العالم، بالتعاون مع "فرايتي" و"آبل" و"ديزني"، حيث أوضحت وقتها -حسبما نشر في موقع "filmschoolrejects"- أن المبادرة تشمل 21 سيدة من 13 دولة، لإنتاج أفلاما قصيرة تركز على النماذج النسائية.

ديزني تحرر أميراتها من السلبية وتمنحهن القوة والموهبة

وبالحديث عن النماذج النسائية فإن ديزني، سعت لتغيير الصورة النمطية السلبية التي لحقت بأميراتها على مدار سنوات، وأبرزهن تلك الأميرات التي تم إنتاجهن ما بين عامي 1937 و1959، وهن "بياض الثلح"، "سندريلا"، "الأميرة النائمة"، فثلاثتهن كن منعدمات المواهب ولم يفعلن أي إنجاز سوى انتظار الإنقاذ والزواج.

استفادت ديزني من الانتقادات السابقة وتفادتها، ووصف تقرير نشرته " washingtonpost" أن الفترة من 1989 حتى 1999، هي عصر النهضة لديزني، إذ قدمت الأفلام أمثلة قليلة عن كون المرأة قوية أو محترمة أو مفيدة للمجتمع أو خفيفة الظل، فيما أكدت سلسلة الأفلام التي تم إطلاقها بعد ذلك على تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة.

أعمال تحتفي بالمرأة 

في السنوات الأخيرة، بدى الاحتفاء بالمرأة أكثر وضوحا، نظرا لكثافة الإنتاجات النسائية المهتمة بقضاياها المعاصرة، أو التي تستعرض قدرتها ومكانتها وإنجازتها في المجتمع، ولنتفليكس نصيب الأسد من تلك المساهمات حيث طرحت العديد من الإنتاجات الأصلية من بينها المسلسل الدرامي التاريخي The Crown، الذي يوثق حياة ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية، ومسلسل " "Bridgerton الذي تدور أحداثه عن دور المرأة واستقلاليتها، والذي حقق نجاحا كبيرا بعد عرض موسمين له على نفس المنصة، ومسلسل " Self made" الذي يستعرض قصة حياة سي جاي والكر، أول مليونيرة عصامية أمريكية من أصول أفريقية، وقامت ببطولته أوكتافيا سبنسر.

وعن ذلك علق الناقد الفني محمد عبد الرحمن، وقال في تصريحاته لمجلة "هي" إن المنصات سواء كانت عالمية أو عربية، خصصت للمرأة مساحات كبيرة على كلا المستويين الموضوع والتنفيذ الفني، موضحا أن الموضوعات المقدمة أصبح لها علاقة بالمشاكل التي تواجهها المرأة في المجتمع، فضلا عن الاستعانة بممثلات ومخرجات ومؤلفات كثيرات في مرحلة التنفيذ الفني لهذه الأعمال، مؤكدا على أن تلك الفرص لم تكن متاحة لهن بنفس القدر في الدراما الكلاسيكية أو التلفزيونية التقليدية، مشيرا إلى أن الأمر يرجع في تقديره إلى تمتع المنصات بسقف عالي من الرقابة يسمح بعرض موضوعات مختلفة دون أي تحفظات، هذا بخلاف أن القضايا الجدلية التي تتبنى عرضها تعتبر عنصر جذب لاهتمام الجمهور، ومن بينها التحديات التي تقابل المرأة عقب الانفصال، والتي تم استعراضها بسلاسة من خلال مسلسل "البحث عن علا" أحد الإنتاجات الأصلية لنتفليكس، والذي كان له صدى إيجابي كبير لدى الجمهور عقب عرضه، هذا بجانب العديد من الأعمال الأخرى.

المرأة في الدراما العربية

لم تقتصر موضوعات المرأة عبر المنصات على الدراما الأجنبية فقط، فقد سبق وأن أنتجت نتفليكس عملا عربيا آخر بعنوان "مدرسة الروابي" ونال إشادات واسعة بعد عرضه، نظرا لتسليطه الضوء على أهم التحديات التي تواجه الفتيات في مرحلة المراهقة، وهذا ما دفعها للإعلان عن إنتاج موسم ثان له.

فيما عرضت منصة "شاهد" العديد من الأعمال الهامة ومن أبرزها على سبيل المثال لا الحصر "بطلوع الروح" للمخرجة كاملة أبو ذكري، التي استعرضت من خلال حلقاته التي طرحت ضمن الموسم الرمضاني الماضي 2022، معاناة المرأة في المجتمع الداعشي.

ويعد مسلسل "60 دقيقة"، الذي عرض أيضا عبر نفس المنصة وقامت ببطولته الفنانة ياسمين رئيس، من أهم المسلسلات التي ناقشت بجرأة قضية الاغتصاب الزوجي والتحرش والاستغلال الجنسي، وذلك من خلال قصته التي تدور حول خيانة طبيب نفسي لزوجته واغتصابه لمرضاه أثناء خضوعهم للعلاج لديه، وعن هذا أكدت مريم أحمدي، مخرجة العمل، أنه رغم تناول قضايا التحرش في عدة أعمال أشهرها مسلسل "قضية رأي عام" ليسرا، إلا أن المجتمع ما زال في حاجة لمناقشة نفس القضية في المزيد من الأفلام والمسلسلات باعتبار أن الدراما هي القوة الناعمة التي يمكن أن تصل للجمهور وتشكل اتجاهاته وآرائه.

أعمال حطمت قيود المجتمع 

على مدار سنوات، اشتهرت الأعمال الفنية بتأثيرها القوي في تشكيل الرأي العام، ورغم أن هذه النوعية من الأعمال توقفت أو اختفت لفترة، إلا أنها عادت للظهور من جديد من خلال القضايا النسائية، فمن بين الأعمال التي أثارت جدلا كبيرا في الموسم الرمضاني الماضي مسلسل "فاتن أمل حربي"، للفنانة نيللي كريم، حيث لفت الانتباه إلى قضايا الأسرة ومعاناة المرأة المطلقة في التعامل معها، هذا بخلاف إثارته لأزمة اشتراط بعض الفنادق داخل القاهرة وجود رجل مع الفتاة أو السيدة للسماح لها بالإقامة.

علقت نهاد أبو القمصان، عن هذا قائلة إن "فاتن أمل حربي" تضمن عمق في الكتابة حمل بين سطوره مسحة نسائية سمحت بعرض جميع أصوات بطلاته، مؤكدة على أن الكاتب إبراهيم عيسى، كان حريصا على أن يعطي مساحات كافية لكل أطراف العمل، لذا فهو بمثابة مرجع مهم.

ونوهت "أبو القمصان" إلى أن الأعمال الفنية يمكن أن تغير الواقع سواء بالإيجاب أو بالسلب، حيث ساهم فيلم "أريد حلا" الذي تم إنتاجه عام 1975 وقامت ببطولته الفنانة الكبيرة الراحلة فاتن حمامة، في تغيير قانون الأحوال الشخصية، في حين أن فيلم "الشقة من حق الزوجة" الذي تم إنتاجه بعد 10 سنوات منه، روج لأكذوبة غير حقيقية كانت نابعة من كوميديا القصة ذاتها، إذ أن "الشقة" في الواقع من حق الأطفال، ولأن الزوجة هي الحاضنة لهم فإنها بديهيا تقيم معهم في نفس العقار، لافتة إلى أن فيلم "بريق عينيك"، أيضا روج لأفكار خاطئة وغير قانونية عن بيت الطاعة أدت إلى تخويف النساء وإرهابهن، مؤكدة على أن بيت الطاعة في الأساس هو لصالح المرأة إذ تستطيع من خلاله أن تبدي كل طلباتها في القضية التي حررها زوجها ضدها.

من ناحية أخرى، حقق مسلسل "خلي بالك من زيزي" الذي قامت ببطولته الفنانة أمينة خليل، وألفته الكاتبة مريم نعوم، صدى كبير بين الجمهور بعد عرضه تلفزيونيا وعبر منصة شاهد، إذ تناول بوضوح معاناة المصابين بمتلازمة فرط الحركة ونقص الانتباه (ADHD)، وهذا ما شجع بعض المشاهير للإفصاح علنيا عن إصابتهم بهذا المرض، من بينهم جنا دياب، التي وجهت رسالة لمدرستها السابقة في لندن، بعد إجبارها على تركها بسبب عدم قدرتها على إحراز درجات عالية في دراستها، حيث أكدت أن إصابتها جعلتها تواجه صعوبات في التركيز وأدت إلى تأخرها في تسليم واجباتها المدرسية.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

A post shared by Jana (@janadiab_)

مخاوف وأمنيات 

رغم كثافة الإنتاجات النسائية في الآونة الأخيرة، إلا أن المخرجة مريم أحمدي، أكدت على أن هناك العديد من القضايا التي تتمنى أن يتم مناقشتها مستقبلا، وأبرزها الأحكام القاسية الخاصة بمظهر المرأة مثلا وعلاقته بتعرضها للاعتداء، أو مواضيع الميراث، بجانب الموضوعات الرومانسية التي لم تناقش في الدراما بالشكل الصحيح بعد حسبما ذكرت.

وأبدى الناقد الفني محمد عبد الرحمن، تخوفه من حدوث استهلاك للموضوعات في الدراما مستقبلا، حيث قال إن قضايا المرأة وما تواجهه من مشاكل وتحديات في المجتمع لا تنتهي، إلا أنه من المهم الحفاظ على ظزاجة الفكرة وجاذبية المعالجة التي ُتشعر المشاهد بأنها ليست مكررة أو أنه شاهدها من قبل.

الصور من حسابات شركات الانتاج على فيسبوك وانستجرام