"هذا المساء"..قصص الحب على طريقة أفلام الرعب !
هذا المخرج الماكر لا يقول لك الحقيقة صراحة أبدا، يتركك مرتبكا تماما مثل الأبطال. رجل المساء، وصاحبه الأول، حيث الحكاية كلها منضبطة ومعقودة بين كفيه، لم يكن يخرج مسلسل "هذا المساء" هكذا أبدا دون تامر محسن، المخرج الذي قال نعم لدقة العمل وتفاصيله في وجه كل من قالوا لا واحتفوا بتعبئة الشاشة بمشاهد غير متقنة وقصص مسلوقة وماسخة.
تامر محسن هو سيد الدراما في مسلسل "هذا المساء" مخرجا ومؤلفا أيضا فيما السيناريو والحوار بإشراف محمد فريد، تسكين الأدوار في موقعه تماما، وكل فنان لم تفلت منه الشحصية ولو للحظات، كما أن كل الشخصيات تحمل أبعادا عدة وليست أحادية أبدا، لذلك تجد نفسك تتعاطف مع سمير وتحتقره أيضا، تكره سوني ثم تلتمس له العذر، ترى أكرم مثاليا لكنك تفاجئ بأنه رجل جبان، تقى "أسماء أبو اليزيد" أيضا نقية ومخطئة، بسيطة وغامضة، حتى الشخصيات الثانوية جاءت ثرية جدا فياض "محمد جمعة" والطفلة نور "ملك عاصم" وحامد "أشرف مهدي"، أما حنان مطاوع في دور عبلة، فهو الدور الأيقونة في هذا العمل، وكأنه محاولة لاستحضار روح شخصية "روءة" الذي جسدته نورا أمام نور الشريف قبل أكثر من أربعين عاما في فيلم "العار" حيث الست الجدعة المخلصة القوية، الحالمة جدا، لم يكن هناك حقا أجدر من حنان مطاوع لأداء هذه الشخصية.
إذن تامر محسن "قدم مسسل تحت السيطرة لنيللي كريم عام 2015" يتفوق أيضا في الاختيارات الدقيقة لطاقمه، أحمد داوود متمكنا وكالنجوم المخضرمين في دور سمير، وإياد نصار هادئا وذكيا جدا حتى في نطراته، وأروى تؤدي بالمقاس، ومحمد فراج يأكل الجو بمجرد أن تلمحه الكاميرا، وكذلك الممثل الشاب خالد أنور "تريكة" ، وأشرف المهدي "حامد".. من شبه المستحيل أن تجد ثغرة في تسكين الأدوار في هذا العمل الذي يوحي لك بأنه رومانسيا مليئ بقصص الحب، ولكنه في الحقيقة مليئ بقصص الخوف.
المخرج يواصل أيضا تيمته المفضلة في قول ما لا يمكن قوله لفظا باستغلال الموسيقى والمشاهد المتقطعة بطريقة "الفوتو مونتاج"، بطريقة فنية وبلاغة أوقع من الكلمات المباشرة، وهي تقنية كان قد لجأ لها أيضا في مسلسله الذي صنع شهرته "بدون ذكر أسماء" قبل أربع سنوات.
وينجح فريق "هذا المساء" في التحكم بكافة الخطوط الدرامية بحنكة ومهارة، فهناك علاقات إنسانية متشابكة ورغبات وأزمات وشكوك وأزمات داخلية ونفسيات معقدة وتوترات نراها في العيون الصامتة، وكذلك نتابع بترقب ما يمكن أن تفعله التكنولوجيا في حياة الأبطال، من خلال التركيز على تقنية اختراق الهواتف والتنصت على أصحابهه، وهي نقطة قدمت بشكل جيد جدا ونبهت المشاهدين لأمر مهم دون خطابية، وتشابكت مع التفاصيل الإنسانية للأبطال دون أي إقحام.
جميع الأمسيات حزينة ولا شك في هذا المسلسل الذي يمعن في قبضة القلب وكأنه حلقات رعب، هناك بعض المبالغة في الإيحاء بأنه يوجد خطر ما، وتعمد استعمال الموسيقى "وضعها أمين أبو حافة" بشكل يهيئ الأجواء لجريمة قتل مثلا وليس لمشهد مواجهة بين صديقين في عمل اجتماعي في الأساس، وهي عادة مستمرة مع تامر محسن أيضا منذ "بدون ذكر أسماء".. استحضار الأجواء القاتمة دوما بداع أو دون داع، وقد تكون هذه النقطة السلبية الوحيدة في هذا المسلسل المختلف والذي جاءنا على حين غفلة دون دعاية ضخمة مسبقة، ودون حملة كبيرة للترويج، في صمت وهدوء ظهر على شاشة رمضان 2017 وكأنه مسلسل سري، ليكون ضمن المراتب الأولى في قائمة الأفضل عن استحقاق بالطبع.