في ذكرى وفاتها.. لماذا صباح رمز البهجة في الوطن العربي؟!
كل دروس التنمية البشرية في هذا الكوكب، والتوصيات الخاصة بكيفية شحن النفس والروح بالطاقة الايجابية، لا يمكنها أن تفعل ربع ما تفعله ابتسامة صباح في قلوب محبيها !
حالة من البهجة مكتملة الأركان تصنعها تلك الابتسامة في لحظة، تمحو فيها أي أثر للهمّ أو الحزن في القلوب، وتستبدلها بلحظات سعادة خاطفة، ارتبطت دوما باسم "الشحرورة"..
لماذا ارتبط اسم صباح بالبهجة؟! ما أكثر الإجابات المنطقية على هذا السؤال، الأسباب حقا عديدة، بل هي لامنتهية.. سنحاول فقط اختيار بعضها في الذكرى الثالثة لوفاة "الصبوحة" التي تحلّ اليوم السادس والعشرين من نوفمبر..
مصدر بهجة في حياة كل من يعرفها
"لم تحمل للدنيا همّ".. بهذه الكلمات لخص الموسيقار هاني مهني حياة الشحرورة التي اقترب منها بحكم كونه أحد أعضاء فرقتها الموسيقية، ثم رئيسا للفرقة سنوات طويلة حكي عنها في تصريحات خاصة لـ"هي" :"سافرنا سويا لإحياء حفلات خارج مصر، وتعرضنا لضغوط عديدة كانت تسبب لنا مشاكل مادية ومهنية.
فبعض منظمي الحفلات كانوا يستغلون طيبتها الزائدة، وينصبون عليها فلا يمنحونها حقوقها المادية، كنت أنا من يتولى مهمة التعاقدات في بعض الأحيان وكنت أتعرض لضغوط نفسية لا تحتمل، اعتدت أن أعود إليها بملامح متجهمة، فتستقبلني بابتسامة تتضائل أمامها كل المشاكل.
يحصل مهنى على نفس عميق ويسترجع ذكرياته مع صباح من جديد: "لقد مرت عشرات الأعوام على هذه الأيام لكني أذكرها، كأنها حدثت بالأمس فهذه الابتسامة لا تنسي، لديها قدرة عجيبة على اذابة تلال من الهموم.. نصيحتها لنا كانت ألا نترك ضغوط الحياة تسحب من رصيد السعادة بداخلنا، كيف لا تكون هذه السيدة مصدر للبهجة في حياة كل من يعرفونها؟
عيشوا حياتكم مثل النسر في السماء
السؤال الذي طرحه هاني مهنى وجدنا له إجابات عديدة بين تصريحات السيدة جانو فغالي ابنة شقيقتها.. تصريحات متناثرة في حوارات صحفية ولقاءات تلفزيونية، لكن كلها تحمل نفس المعنى :"المحبة سر حالة البهجة التي كانت تحيط بصباح" تفسر جانو حديثها بقولها :" كانت تتلقى آلاف الخطابات يوميا يرسلها معجبين من شتّى أنحاء الوطن العربي، كانت تطالبنا بقراءتها كلها وتلبية ما فيها من طلبات.. إحداهن طلبت منها فستان من دولابها لتحضر به حفل زفافها فأرسلت لها واحد من أعز وأغلى مالديها، وأحداهن عبّرت عن أمنيتها بأداء مناسك الحج فتكفلت بمصاريف الرحلة كاملة.
كانت حريصة أيضا على مساعدة الطلبة اللبنانين في مصر لاستكمال تعليمهم بسبب ظروف بعضهم الاقتصادية، تكمل فغالي حكاياتها عن الصبوحة:" الست دي عملت خير كتير جدا في حياتها.. وبالمناسبة لقد اكتشفنا معظم هذه الأعمال الخيرية بعد وفاتها عن طريق الصدفة، لقد كانت صباح محلّقة في عالم من السماحة والمحبة ونصيحتها الدائمة لنا كانت :"غذوا أرواحكم بالمحبة.. وعيشوا حياتكم مثل النسر في السما".
صوت لم يخل من المرح
صوتها لم يخل من المرح وكذلك أغانيها.. ربما لأنها كسرت كل الأنماط التقليدية في حياتها واختياراتها الفنية أيضا التي جاءت خارج كل الأعراف والتقاليد الموسيقية..
هكذا فسر الناقد طارق الشناوي سر "بهجة الصبوحة" في تصريحاته لـ"هي" موضحا وجهة نظره بقوله:" صباح تعاونت مع كل الملحنين تقريبا، حتى من يظن البعض أنهم لا يشبهون ملامح صوتها مثل رياض السنباطي وزكريا أحمد ومحمد القصبجي، وغيرهم ممن لا يتوقع منها التعاون معهم. فقد كانت متمردة على كل الأسوار الموسيقية رافضة إياها بحكم عشقها للتنوع، وهو ما انعكس بقوة على نظرتها للحياة.
لا يمكننا أيضا أن نغفل الإنجاز الأهم في حياتها وهو عدد الأغاني التي قدمتها سواء باللهجة اللبنانية أو المصرية والذي تجاوز الثلاثة آلاف أغنية.. في رأيي اقبالها على الحياة وراء شغفها بتقديم المزيد دائما. ولم ينس الناقد الفني الشهير الحديث عن جمالها الأخاذ الذي كان له دوره في إضفاء مزيد من السحر والرونق على حياتها.
ضحكة عالية في مواجهة شائعات وفاتها
شائعات وفاة تخرج بشكل دوري ربما مرتين كل عام، تنشر بقوة تترك بداخلها أثرا وكأن الناس "مستكترة عليها الحياة لمجرد تقدمها في العمر" هكذا وصفت صباح شعورها تجاه تلك الشائعات في احدى لقاءاتها الصحفية. ورغم ذلك ففي كل مرة كانت تخرج فيها شائعة وفاة جديدة كانت تستقبلها بضحكة عالية ومزحة جديدة :"سيبوني أموت براحتي"، قالتها بالمصري، وباللبناني :"لاحقين عليّ..روقوا.. حتى بخبر موتي مازلت أشغل بالهم"؟
ذكرى وفاتها الثالثة.. احتفال وليس تأبين
بناء على وصيتها فنحن اليوم نحتفل بالذكرى الثالثة لوفاة صباح. احتفال وليس تأبين هكذا تمنت دائما وأوصت أهلها :"جنازتي يجب أن تتحول لفرح شعبي يرقصون فيها على أنغام الدبكة اللبنانية.. لا مكان للحزن في يوم رحيلي" بالفعل نفذت جانو فغالي ابنة شقيقتها كل ما طلبته الخالة صباح، جهزت الزفة وامتلأ المشهد بالألوان المبهجة، انتشرت الأنوار في كل مكان، وصور الفنانة الراحلة وهي تضحك من قلبها كانت معلقة على الجدران، في نهاية سعيدة لرحلة استمرت على مدار 87 عام لم تخل يوما من الفرح والحياة.