إيف سان لوران: موهبة فرنسية بإلهام جزائري

هي: أريج عراق
 
على ساحل المتوسط الجنوبي وُلدت الموهبة، كعادة هذا البحر الساحر في منحنا كل أسباب الجمال والحضارة، فمن مدينة وهران الجزائرية بدأت بوادر الموهبة على الطفل الصغير Yves Henri Donat Mathieu-Saint-Laurent الذي وُلد في الأول من أغسطس 1936، فمع بداية مراهقته، كان قد بدأ في تصميم ملابس والدته Lucienne وشقيقتيه الصغيرتين Michèle وBrigitte، وفي عمر الثامنة عشر شارك Yves في مسابقة the ChambreSyndicale de la Haute Couture للمواهب الشابة، حيث فاز فيها بالمركز الأول. لفتت تصميماته انتباه Michel De Brunhoff رئيس تحرير النسخة الفرنسية من مجلة Vogue الشهيرة، وقدمها لأسطورة ذلك الزمان Christian Dior. يقول Yves عن مقابلته الأولى مع Dior: "لقد سحرني، لم أستطع النطق بكلمة أمامه، لقد علمني أسس المهنة، ورغم كل ما مررت به بعد ذلك، لم أنس أبداً السنوات التي قضيتها إلى جانبه".
 
في نفس العام 1953 شارك Yves في مسابقة the International Wool Secretariat بثلاثة اسكتشات من تصميمه، وفاز بها أيضاً، وتمت دعوته إلى باريس مرة أخرى لاستلام جائزته، فما كان منه وهو هناك إلا أن يذهب مرة أخرى لمقابلة Michel De Brunhoff الذي انبهر بالتصميمات، ففي نفس اليوم صباحاً كان Dior قد عرض عليه تصميمات شديدة الشبه بها، وفهم De Brunhoff فوراً أنه من المستحيل أن يكون الشاب الصغير قد اطلع عليها، وقدر حجم الموهبة الموجودة أمامه، وطلب من الشاب الصغير أن يتعلم قواعد هذا الفن في the ChambreSyndicale de la Haute Couture، وهو مافعله Yves بالفعل تاركاً وهران خلفه إلى الأبد، ومستقراً في باريس ليبدأ في صناعة مجده الخاص.
 
وفي باريس شارك Yves مرة أخرى في مسابقات شباب المصممين، وفاز بها كالعادة متفوقاً على الشاب الألماني الطموح Karl Lagerfeld، لتكون هذه هي البداية الحقيقية لعمله مع Christian Dior بتوصية قوية من De Brunhoff، وفي Dior قضى Yves عام كامل في تنسيق ديكورات المكان وتصميم الاكسسوارات رغم موهبته التي يعرفها Dior جيداً، لكنه رأى أنها أفضل وسيلة ليتعلم عن حق في تلك المؤسسة الكبيرة، لكنه في المقابل أخبر والدته أنه اختاره ليكون خليفته في تصميم الأزياء، وفي عام 1957 ومع الوفاة المفاجأة والصادمة لـChristian Dior، وجد الشاب Yves Saint Laurent ذو الواحد وعشرون عاماً نفسه كبير مصممي الدار، وعلى رأس مبدعيها، حتى اختارته الشابة الجميلة Farah Diba عام 1959 ليصمم لها فستان زفافها من شاه إيران محمد رضا بهلوي.
 
لم تكن بداية الستينات هي الفترة الأفضل في حياة Yves، حيث وجد نفسه مطلوباً للتجنيد للمشاركة في حرب فرنسا ضد تحرير الجزائر "وطنه الثاني"، وهو ما أدى به إلى كثير من المشكلات النفسية والعصبية، أوصلته للعلاج في إحدى المصحات، وهناك تلقى خبر رفده من مؤسسة Dior، وهو ما زاد من آلامه، لكنه بعد خروجه من المستشفى رفع قضية على الدار وحُكم فيها لصالحه، لكنه فضل أن يبدأ عمله الخاص من وقتها، لتظهر دار Yves Saint Laurent إلى الوجود عام 1962، وتنطلق إبداعاته بلا حدود، فهو أول من قدم عارضات سمراوات على منصة العرض، وأول من استلهم ثقافات غير أوروبية لتصميماته، كذلك فإنه أول من قدم البذلة الكلاسيكية Le Smoking للسيدات عام 1966، كذلك كان أول مصمم أزياء راقية يقدم خطوط للملابس الجاهزة، دعمته فيها النجمة الشهيرة Catherine Deneuve، إلى جانب كثير من النماذج التي نتعامل معها اليوم باعتبارها أمراً واقعاً.
 
اعتزل Yves Saint Laurent العمل عام 2002 بسبب مشاكله الصحية، واكتفى بالحياة بين منزله في باريس وقصره في مراكش بالمغرب، حتى وافته المنية في الأول من يونيو عام 2008، تاركاً خلفه ميراثاً كبيراً من الفن والجمال، استلهمته السينما العالمية في خمسة أفلام كاملة.