كلمة يصدر رواية "ليلى يا عقلي" للكاتب والمؤرّخ الفرنسيّ أندريه ميكيل
صدر عن مشروع "كلمة" للترجمة في مركز أبوظبي للغة العربية التابع لدائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي ترجمة رواية "ليلى يا عقلي" للكاتب والمؤرّخ الفرنسيّ أندريه ميكيل، المعروف بأبحاثه الغزيرة وذات الصفة المرجعية عن تاريخ الإسلام والأدب العربيّ. وقد نقلها إلى اللغة العربية الروائيّ والمترجم التونسيّ أبو بكر العياديّ، وراجع الترجمة الشاعر والأكاديميّ العراقيّ كاظم جهاد.
في هذا العمل استلهم الكاتب حكاية مجنون ليلى وأنشأ على أساسها رواية حديثة، مثيرة وكاشفة ومفعمة بالشِّعر. وقد نوّه المُراجع في تقديمه للترجمة بما تميّزت به تجربة الكاتب والمؤرّخ والمفكّر الفرنسيّ أندريه ميكيل من تعدّدية فاعلة شكّلت فيها علاقته بالثقافة العربية محوراً أساسيّاً وبؤرة ساطعة نشرت شعاعها الخصيب في أغلب آثاره التاريخية والنقدية والترجميّة والإبداعيّة. ولهذا المثقّف ندين بأجمل صيغة فرنسية لكتاب «كليلة ودمنة»، وضعها في مطلع شبابه، في أواخر خمسيّنيّات القرن المنصرم، ولا تزال تُقرأ حتّى اليوم بإعجاب ومتعة، وبما يربو على عشرة من كتب المختارات انتقى فيها وترجم بعض أهمّ نماذج الشعر العربيّ القديم، وبأوسع ترجمة حديثة لحكايات «ألف ليلة وليلة» أنجزها بالاشتراك مع جمال الدين بن شيخ. وله ندين أيضاً بعشرات الدراسات في الأدب والتاريخ العربيّين القديمين، مع تركيز ذي طبيعة رياديّة شاملة على مصنّفات الجغرافية البشرية وأدب الرحّالة والتجّار والموسوعيّين العرب. وفي قلب هذه الاهتمامات الواسعة، البالغة التدقيق والعمق، وإلى جانب الأعمال الإبداعية الشخصية شعراً ونثراً، التي تحتلّ فيها العلاقة الوجدانية والفكريّة بالعرب مكاناً أثيراً، خصّص ميكيل فسحة اهتمام مضيئة لحكاية قيس وليلى، تلقّاها من الصفحات المعدودة المكرّسة لها في كتاب «الأغاني» للأصبهاني ومتون أخرى وقادها إلى رحابة الفنّ الروائيّ. قام بهذا بعدما أولى الحكاية وهذا الامتحان العشقيّ والشعريّ عناية خاصّة في نشاطه الترجميّ والبحثيّ. ولقد مكّنه هذا الاهتمام المتعدّد الأشكال والصّيَغ من الارتقاء بحكاية وجيزة إلى مصافّ واحدة من أكبر مآسي العشق في تاريخ الثقافة العالميّة.
كتب كاظم جهاد أنّ ميكيل في عمله هذا يسبغ على الحكاية قدرات الفنّ الروائيّ، مستلهماً الإطار التاريخيّ والبيئيّ الذي نشأت فيه، ويمنحنا عملاً سرديّاً متماسكاً ينطوي على مساءلة عميقة لمأساة العشّاق في السّياق التاريخيّ العالميّ وليس العربيّ وحده، يوصلها إلينا بلغة الإبداع الروائيّ بعدما أوصلها إلينا في كتبه الأخرى بلغة المؤرّخ والمفكّر. مساءلة تُزحزح مقولة «الجنون» الملصقة بقيس انطلاقاً من مروره على الأعراف وما ألقته معاناته على سلوكه من شطط بريء و«توحّش» إراديّ. يكشف لنا ميكيل عمّا في العشق المطلق، عندما يلتحم بمراس شعريّ لهّاب، من خطورة تاريخية وقدرة على تفكيك الأعراف والمعتقدات والآليّات الذهنيّة تفكيكاً يرفعه إلى مصافّ تمرّد جوهريّ ومغامرة كبرى تُخاض لتحرير الكائن. بهذا كلّه يغيّر ميكيل مكان «الجنون»، فيُريناه عاملاً في العقل المجتمعيّ الذي يحرص على حماية مسلّماته ومعتقداته بإسكات صوت العشق المطلق. كما يغيّر مكان «العقل»، فيوقفنا في هذا الشّغف الجارف وفي هذه المواجهة للموت باسم العشق ومن أجله على «عقل» آخر. من هنا عنوان الرواية، «ليلى يا عقلي»، المستمدّ من أبيات عديدة منسوبة إلى قيس، منها البيت القائل: «إِذا ذُكِرَت لَيلى عَقَلتُ وَراجَعَتْ/ رَوائِعُ قَلبي مِــن هَوىً مُتَشَعِّبِ».
في فصول مشبوبة تجمع بين مهابة اللّغة الكلاسيكيّة ومهارات السّرد الحديث يجعلنا ميكيل نعيش تطوّر الحكاية، من فرح الطفولة وغراميّاتها التي تعرب بادئ ذي بدئ عن نضج وجدانيّ كبير لدى كلّ من قيس وليلى، ومباريات الصبا عدْواً وفروسيةً ومطارداتٍ شعريّةً يخوضها الفتى قيس بجدارة واقتدار، حتّى تصاعد العشق وتحوّل إلى خطاب ونشوء تدريجيّ لهذا الثالوث الأساسيّ الذي يجمع العشق إلى النشيد أو الخطاب الشعريّ، ويكمّلهما اعتلال الشاعر-العاشق وهيامه، ما يسمّيه الآخرون جنونه. وتتوالى فصول المأساة، من محاولات والد قيس اليائسة إقناع أبي ليلى بتزويجها لابنه والإغضاء عمّا قام به قيس من تشبيب بالفتاة، مراعاةً لحداثة سنّيهما وليأس العاشق الذي يكاد يودي بحياته، إلى اندفاع قيس بعد إبعاد ليلى عنه في هيام هذيانيّ طويل يختلط فيه بوحوش البيد ويشاركها العيش غير آبه بصحبة البشر، متمسّكاً من ليلى باسمها وذكراها وطيفها، طارحاً في أبياته أمضّ الأسئلة الوجودية وأعمقها، حتّى تدركه المنيّة وحيداً إلّا من صحبة النشيد الشعريّ.
ولد أندريه ميكيل في مدينة ميز الفرنسيّة في 26 سبتمبر 1929. نال في سنة 1953 شهادة التّبريز في نحو الفرنسيّة واللّاتينيّة واليونانيّة القديمة، ودرَس اللّغة العربية في جامعة السّوربون، وأمضى عدّة سنوات في سورية وأثيوبيا ومصر. ثمّ شرع بتعليم العربية وآدابها في عدّة جامعات فرنسيّة، وانتُخب أستاذاً في المعهد المرموق «كوليج دوفرانس»، شغل فيه كرسيّ الأدب العربيّ القديم (1976-1997). له عشرات المؤلّفات في الحضارة الإسلامية والأدب العربيّ القديم، شكّل بعضها مراجع مهمّة للباحثين والقرّاء، كما ترجمَ إلى الفرنسية العديد من أمّهات الأدب العربيّ، وهو نفسه روائيّ وقاصّ وشاعر.
أمّا مترجم هذا العمل، أبو بكر العيادي، فهو كاتب وناقد أدبيّ ومترجم من تونس يقيم في باريس. من ترجماته عن الفرنسية: رواية «ذهول ورعدة» لأميلي نوتومب، ورواية «المحبوسون» لجوزيف كيسّل، وقصص «انتقام الغفران» لإريك إيمانويل شميت، وروايتان لجان إشنوز: «عَدْو»، و«بروق»، وقد صدرتا عن مشروع «كلمة» للترجمة.