خاص "هي" - الاستدامة مسؤولية بيئية واجتماعية
مي بربر - مستشارة في إدارة العلامات التجارية المديرة الإبداعية لشركة Ayed&Barber
إنستغرام @MAYBARBER
أتكلم كثيرا ضمن نطاق عملي، عن أهمية الاستدامة وضرورة تبنيها، خصوصا في قطاع الموضة والأزياء، حيث إن صناعة الملابس وحدها مسؤولة عن نحو 10 في المئة من الانبعاثات الحرارية عالميا، متفوقة بذلك على قطاعي الطيران والشحن مجتمعَين! نعيش اليوم على كوكب يتأثر بشدة باكتظاظ التركيبة السكانية والاستهلاك المفرط وتغير المناخ، وهو ما يجعل الحفاظ على الموارد الطبيعية مثل المياه أمرا أساسيا، كما يعد توفير الطاقة وتقليلالبصمة الكربونية أمرين ضروريين لاستمرار أنظمتنا الحية في المستقبل.
الموضة المستدامة هي صناعة تستخدم معايير موثوقة لتبني نوعين من المسؤوليات: المسؤولية البيئية، والمسؤولية الاجتماعية. وبدأت نقطة التحول الفعلية نحو الموضة المستدامة عام 2013 عندما انهار مبنى مصنع "رنا بلازا" في بنغلاديش، وأسفر عن مقتل أكثر من ألف شخص.
وكشفت الكارثة عن ظروف العمل السيئة للعمال المعنيين أمام العالم بأجمعه. لذلك، بدأتالاستدامة بصفتها حركة في الموضة، برؤية أكثر شمولا لضمان السلامة البيئية والاجتماعية.
80 مليون شخص في قطاع الأزياء
يعمل في صناعة الأزياء نحو 80 مليون شخص، والمعرضون للخطر هم العاملون في مرحلة الإنتاج التي تتمركز غالبا في البلدان النامية، مثل بنغلاديش وفيتنام وكمبوديا. خلال عملي في مجال الاستدامة ورحلاتي بين الصين وفيتنام وكمبوديا، أجريت دراسة على الاختلافات بين المصانع المستدامة وغير المستدامة، حيث زرت المصانع ذات ظروف العمل اللائقة، والمساحات النظيفة، وساعات العمل والأجور العادلة، وزرت أيضا مصانع أخرى ذات ظروف عمل سيئة لا وجود فيها للمكيفات، ولا تتوافر فيها أبسط المعايير الصحية والاجتماعية. لذلك أرى اليوم أن لدينا فرصة حقيقية لتغيير حياة 80 مليون شخص من خلال الاستدامة.
الخطوات الرئيسة نحو الاستدامة:
التصميم والتطوير
أي أقمشة نختار؟ ما القصّات والأنماط التي يجب اعتمادها؟ ما الألوان التي يجب أن يحتوي عليها التصميم؟ ما الإكسسوارات التي يجب استخدامها مثل الأزرار؟ كل خيار له تأثير في الاستدامة.
استخدام المواد الطبيعية أو المعاد تدويرها
للقرارات المستدامة بدورها تأثير في التصاميم. على سبيل المثال، البوليستر – وهو خامة صناعية – يعد النسيج الأكثر استخداما في العالم بنسبة 60 في المئة، والمعروف أن البوليستر مشتق من الوقود الأحفوري الذي، كما نعلم، يطلق انبعاثات كربونية عالية جدا. فما البدائل؟ القطن، باعتباره مادة طبيعية، يوفر نحو نصف البصمة الكربونية للبوليستر، إلا أن القطن يستخدم الكثير من الماء، وهو معروف بكونه محصولا عطِشا. فلصنع تي-شيرت قطني، نحتاج إلى نحو 270 لتر من الماء، أي ما يكفي الإنسان للشرب لمدة سنتين ونصف! لهذا السبب، فإن اختيار القطن العضوي على سبيل المثال هو خيار أفضل، لأنه يوفر نحو 95 في المئة من الماء مقارنة بالقطن العادي. وتعتبر الأقمشة الطبيعية، مثل الكتان والقنب خيارات رائعة، لأنها تتطلب القليل من الماء لتنمو، كما أنها قابلة للتنفس وقابلة للتحلل. ويعتب التنسل – أو اللايوسيل- أحد أفضل خيارات النسيج المستدامة، لأن زراعته لا تتطلب استخدام أي مبيدات حشرية تقريبا، وتستهلك القليل من الماء، كما يتمتع هذا النسيج بصفتي النعومة والسلاسة. يجدر بالذكر أن الأقمشة الطبيعية وحدها لا تكفي، حيث يحتاج المصممون إلى استخدام خامات صناعية، مثل النايلون والبوليستر، لما لهذه الخامات من خصائص مرنة تواكب مجموعة متنوعة من التصاميم. والحل هو استخدام الخامات التركيبية الاصطناعية المعاد تدويرها لإعادة استخدام الفائض المتراكم من هذه الصناعة.
من أشهر العلامات المستدامة؟
•"باتاغونيا" Patagonia: تعتبر هذه العلامة المصنعة للملابس الرياضية واحدة من أوائل العلامات التجارية التي اعتمدت الاستدامة، ورفعت مستوى الوعي بها. وتستخدم “باتاغونيا” نسبة عالية من الخامات الصديقة للبيئة، بما في ذلك البوليستر المعاد تدويره، والنايلون المعاد تدويره، والتنسل في تصاميم تتميز بأنها تدوم طويلا.
• "بيثاني ويليامز" Bethany Williams : المصممة التي ترشحت لجائزة LVMH العالمية تستخدم فقط الخامات المعاد تدويرها والخامات العضوية في تصاميمها. إضافة إلى ذلك، تعمل الدار بشكل وثيق مع الجمعيات الخيرية وملاجئ النساء، حيث توفر لهن فرص العمل، وتكافح التشرد والجوع.
• 4524: تعتمد هذه العلامة البلجيكية المنتجة للملابس الرياضية البلاستيك المنتشَل من المحيطات والمعاد تدويره في صنع قطع الليغينغ والملابس الرياضية العصرية، للترويج لصورة صحية ومستدامة للرياضيين.
• "إفرلين" Everlane : علامة تجارية مثيرة للاهتمام تتبنى الشفافي المطلقة بنسبة 100 في المئة. ويمكن للعملاء الذين يتسوقون على موقعها الإلكتروني الحصول على كل المعلومات المتعلقة بمكان تصنيع الملابس، وجودة المصانع، مرورا إلى سعر التكلفة.
• "ستيلا مكارتني" Stella McCartney : كانت من أولى العلامات التجارية الفاخرة Luxury التي لم تستخدم قط الجلود أو الفرو، وتستخدم دار "ستيلا مكارتني" خامات صديقة للبيئة، مثل البوليستر المعاد تدويره، والقطن العضوي، والكشمير المتجدّد. في المنطقة، تلعب مؤسسة "بيئة" دورا رائدا في نشر ثقافة الاستدامة وإعادة التدوير، بينما بدأت شركات عملاقة مثل الفطيم تبني وتطبيق المزارع العمودية ضمن خطوات واعدة نحو الاستدامة، وبدأ مصممون مثل روني الحلو وغيره تبني الاستدامة، وإعادة التدوير خلال التصاميم.
مبادرات غير مألوفة
"غوتشي' Gucci تحتسب الأرباح والخسائر البيئية
حققت مجموعة "كيرينغ" Kering الكثير من الإنجازات في تبني الاستدامة، خصوصا في دار Gucci ، التي تبنت مبدأ "الأرباح والخسائر البيئية\، لقياس مكاسبها وخسائرها من الناحية البيئية كل عام، وتحسين أدائها عاما تلو آخر. وقد أحرزت "غوتشي" أيضا تقدما في اعتماد الطاقة المتجددة، واستثمرت نحو 2.4 مليون يورو لتحويل كل الإضاءة في متاجرها إلى LED الصديق للبيئة.
"إتش أند إم" H&M والابتكار المفتوح
بعد سلسلة من ردود الفعل السلبية على "إتش أند إم" بسبب الاستهلاك المفرط وأزمة البضاعة المتكدسة، أعادت الشركة هيكلة ممارساتها من خلال تبني أهداف مستدامة رئيسة، حيث تطمح H&M لاستخدام القطن المستدام حصرا مع نهاية عام 2020،
وبحلول عام 2030 تهدف H&M إلى أن تصبح محايدة للكربون، وأن تستخدم فقط الخامات المعاد تدويرها أو المستدامة. وفي خطوة جريئة ومفاجئة، قررت "إتش أند إم" دعوة العلامات التجارية الأخرى إلى استخدام سلسلة التصنيع الخاصة بها عبر منصة تسمى "Treadler" أطلقتها في مارس من هذا العام، حيث كشفت H&M الستار عن خط التصنيع المستدام الخاص بها، والتي عادة ما تبقيه العلامات التجارية طيّ الكتمان خوفا من المنافسة.
مسؤولية المستهلك بين النيات والواقع
في استطلاع حديث ضمن الفئة العمرية الشابة ذكر 65 في المئة أنهم يرغبون في شراء ملابس من علامات تطبق الاستدامة، بينما 26 في المئة فقط ينفذون ذلك فعليا. أي أن هناك فجوة بين النية والواقع. وتكمن المشكلة الرئيسة في السعر، فالمنتجات المستدامة عموما أكثر تكلفة من المنتجات غير المستدامة بسبب الإنتاجية والجودة والأجور المرتفعة نسبيا والاختلافات في هيكلية التكلفة.
نظرة مستقبلية
نحو استهلاك أبطأ ومسؤول ودائريّ
النموذج التقليدي في الموضة Take, Make Waste ، وتعني: خذ المواد الخام، واصنع منها الملابس، ثم ارمها مع النفايات، بينما ما تحتاج إليه الصناعة فعليا هو نموذج دائري، حيث نأخذ المواد المعاد تدويرها أو المستدامة، ونصنع منها الملابس بوعي، ثم نعيد تدوير النفايات مجددا في دورة متجددة. اليوم، وبفضل الشركات الناشئة المبتكرة والعلامات التجارية المتخصصة، برزت جديدة، مثل القطن المزروع في المختبر (الذي يوفر استخدام الأراضي الزراعية والري)، وكذلك استخدام الألياف المأخوذة من الفاكهة مثل الأناناس والموز والبرتقال لصناعة أقمشة طبيعية. وثمة منصات، مثل "تقرير الموضة الأخلاقية" Ethical Fashion Report ، التي تصنف العلامات التجارية حسب ممارساتها، وتسهم في التغيير الإيجابي. يبقى السؤال: من أين سيأتي التغيير؟ مِن المستهلك أم مِن العلامات التجارية الفاخرة التي تعتبر المثل الأعلى في عالم الأزياء؟ الحل الأمثل يكمن في أن نغير أنفسنا وعاداتنا وطباعنا، سواء كنا علامات أو مستهلكين. فعلى العلامات التجارية أن تبدأ بنصب أهداف ملموسة لتحقيق الاستدامة، ودورنا نحن الأفراد هو أن نحدد من استهلاكنا، وأن نحافظ على ملابسنا، وأن ندعم دوما الخيار الأفضل عند الشراء.