إقتراحات وقوانين في اتجاه صناعة الموضة والأزياء أكثر استدامة ومسؤولية
لم تلحظ قوانين صناعة الموضة والأزياء بشكل جديّ موضوع الإستدامة، وما زالت الجهود المبذولة في هذا المجال للحد من التلوّث البيئي تقتصر على المبادرات الفردية، وفي الأماكن التي يوجد فيها قوانين غالبًا ما يتم تطبيقها بشكل سيء، على الرغم من مبادرات عدد من العلامات التجارية والماركات العالمية.
يبدو أن هذا الواقع بدأ يتغيّر! ففي أوروبا والولايات المتحدة، حيث مقر أكبر شركات الموضة، تدرس الحكومات مجموعة من السياسات والقوانين الجديدة التي يمكن أن تحوّل صناعة الموضة والأزياء، بما في ذلك إرشادات أكثر صرامة بشأن تسويق منتج ما باعتباره مستدامًا وحوافز لدعم أفضل نماذج الأعمال.
وقال جوناس إيدر هانسن Jonas Eder-Hansen، مدير الشؤون العالمية في مجموعة الأزياء المستدامة Global Fashion Agenda، إن "الصناعة إعتادت أن تكون تحت الرادار، لكن التنظيم قادم."
قوانين صناعة الموضة والازياء لقطاع أكثر مسؤولية
عندما حظرت الولايات المتحدة واردات منتجات القطن من منطقة شينجيانغ الصينية في وقت سابق من هذا العام بسبب مزاعم عن العمل القسري، زادت المخاطر على الشركات للتأكد من أنها تشرف على مكان وكيفية صنع ملابسها.
عادةً ما تستعين العلامات التجارية بمصادر خارجية لتصنيع الأزياء، وغالبًا ما تتعامل مع شبكات معقدة ومبهمة من الموردين، ولكن الجهات التنظيمية تتطلع الآن إلى تعزيز متطلبات العناية الواجبة. ففي مارس من هذا العام، صوّت أعضاء البرلمان الأوروبي بأغلبية ساحقة للمضي قدمًا في التشريع المقترح الذي من شأنه أن يجعل الشركات أكثر عرضة للمساءلة عن ضمان الالتزام بالمعايير البيئية والإجتماعية عبر سلاسل التوريد الخاصة بهم.
الشروط والنطاق الدقيق للمعايير الجديدة ستصبح أكثر وضوحًا في وقت لاحق من هذا الشهر، عندما يُتوقع صدور مسودة التوجيه، والتي من المرجح أن تغطي أي شركة كبيرة تمارس نشاطًا تجاريًا في الاتحاد الأوروبي، حتى لو كان مقرها في مكان آخر. ويمكن أن تشمل العقوبات غرامات أو عقوبات أو حظر استيراد. ومن المرجح أن يستغرق تنفيذ هذه الإجراءات ما بين عامين وثلاثة أعوام.
كذلك تتطلع الحكومات إلى اتخاذ إجراءات صارمة ضد ادعاءات التسويق المضخّمة، حيث تسعى العلامات التجارية إلى جذب المستهلكين بوعود بمنتجات صديقة للبيئة أو مصنوعة بطريقة أخلاقية.
في مايو الماضي، أطلقت هيئة مراقبة المنافسة الهولندية تحقيقات بحق 170 شركة، 70 منها تعمل في قطاع الملابس، لتقديمها ادعاءات تسويقية مضللة حول استدامة منتجاتها. يمكن تغريم المخالفين بمبلغ يصل إلى 900 ألف يورو (حوالي مليون دولار)، أو نسبة من مبيعات الشركة. فيما تقوم المملكة المتحدة بصياغة إرشادات جديدة حول كيفية إمتثال الشركات لقوانين حماية المستهلك عند تسويق المنتجات على أنها صديقة للبيئة. وفي الولايات المتحدة، راسلت مجموعة من ماركات الأزياء والمدافعين عن الموضة المستدامة، لجنة التجارة الفيدرالية، وطالبوها بمراجعة إرشاداتها بشأن "التسويق الأخضر" green marketing.
الاتحاد الأوروبي يتطلّع بدوره إلى إنشاء أساليب مشتركة وموحدة لإيصال البصمة البيئية للمنتج ومساعدة المستهلكين على تجاوز أي تسويق.
ومع ذلك، يمكن أن تدخل المتطلبات حيز التنفيذ في غضون السنوات الأربع القادمة، وبالنظر إلى الفترات الزمنية الطويلة لدورة تصميم الأزياء والتصنيع التقليدية، يجب على العلامات التجارية الإستعداد لهذه التغييرات كما لو كانت قاب قوسين أو أدنى، على حد قول بابتيست كاريير برادال Baptiste Carriere-Pradal، من Policy Hub. ويضيف "أولئك الذين لا يستعدون في الوقت الحالي، ليكونوا قادرين على فهم بصمة منتجاتهم بشكل أفضل وكيف يمكن توصيل هذا الأمر إلى المستهلكين، فهم معرّضون لخطر أن يكونوا في سباق لمواكبة هذه القوانين."
عندما إجتمعت مجموعة الدول السبع G7 في المملكة المتحدة الأسبوع الماضي، كانت ستيلا مكارتني من بين مجموعة من المديرين التنفيذيين العالميين الحاضرين، ودعت للمساعدة في دفع الاستثمارات المستدامة وإجراءات الصناعة. وقالت مكارتني لشبكة سكاي نيوز قبل الاجتماع: "أنا هنا لأشجع قادة العالم على النظر حقًا في القوانين، والنظر في تغيير سياستهم، وكيفية تحفيز المصممين الشباب في المستقبل". يمكن أن يساعد هذا التدخل على إطلاق استثمارات طويلة الأجل في التقنيات الجديدة والبنية التحتية المطلوبة لتوسيع نطاق نماذج أعمال أكثر استدامة.
على سبيل المثال، يقود الاتحاد الأوروبي الجهود لتقليل النفايات وتشجيع إعادة التدوير. وبحلول عام 2025، ستحتاج جميع بلديات الاتحاد الأوروبي إلى أنظمة سارية لجمع المنسوجات. تطلب فرنسا بالفعل من منتجي الملابس وتجار التجزئة دفع ثمن الملابس التي سيتم جمعها وفرزها وإعادة تدويرها بمجرد أن ينتهي المستهلك منها في ما يسمى بمخطط مسؤولية المنتج الممتدة (EPR)، وقد حظرت ممارسة تدمير المنتجات غير المباعة. أما الحكومات الأخرى فتبحث في مخططات مماثلة.
وفي حين لا تزال هناك عقبات أمام إحياء هذه المبادرات، ومخاوف بشأن كيفية توحيدها عبر جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي البالغ عددها 27 دولة، فإن الجهود المبذولة لتفويض جمع المنسوجات وإعادة التدوير هي خطوة حاسمة نحو نهج أكثر تنسيقًا تجاه مشكلة الهدر في قطاع الأزياء.
إطار عمل جديد لإعداد التقارير
إعتادت الشركات سواء كانت كبيرة أو صغيرة على مشاركة الأرقام المالية لكي تخضع لتدقيق المراجعين والمساهمين والمنظمين. وقد يضطرون لاحقاً إلى فعل الشيء نفسه لأدائهم في ما يتعلق بالمعايير البيئية والإجتماعية والحوكمة.
من المؤكد أن العديد من شركات الأزياء تكشف فقط عن بعض المعلومات حول أدائها على هذا الصعيد في تقارير الاستدامة السنوية، لكن الإفصاحات تتباين على نطاق واسع. وقد يكون من الصعب العثور على المعلومات. لذلك تلوح في الأفق متطلبات لمزيد من الشفافية والمزيد من التقارير الموحدة.
يخطط كل من الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة والولايات المتحدة لتنفيذ المتطلبات الإلزامية في هذا المجال، حيث من المتوقع أن تكشف الشركات المدرجة في بورصة لندن عن مخاطر المناخ كجزء من التقارير المالية بحلول عام 2022، الأمر الذي سيتطلّب منها زيادة تركيزها وبذل المزيد من الجهود لفهم وقياس بصمتها البيئية.