أسطورة قماش التويد في جذور "شانيل"
إلى جانب شعار حرفي C المتشابكين، أصبحت عناصر كثيرة من أزياء "شانيل" عبر التاريخ رمزا لها وجزءا لا يتجزأ من هويتها. من هذه الرموز طبعا زهرة الكاميليا والفستان الأسود القصير وإطلالة قماش التويد الكلاسيكي. تويد "شانيل" سهل التمييز لفرادة ملمسه وخفة وزنه. وتجمعه بالدار حكاية تاريخية بدأت مع المؤسسة كوكو شانيل أيقونة الموضة التي أخذت هذا القماش التقليدي من الريف البريطاني إلى أزياء النساء الأنيقات في شوارع باريس.
قماش التويد
التويد قماش متين منسوج من الصوف المندوف كان يصنع أوّلا في المرتفعات الاسكتلندية. أتى اسمه من كلمة "تويل" باللهجة الاسكتلندية، وهي تعني النسيج المبرد المعروف بخطوطه المائلة. الحكاية الشائعة تقول إن الاسم ولد بالصدفة. ففي عام 1831 تلقى تاجر لندني رسالة من شركة اسكتلندية حول أقمشة "تويل"، لكن التاجر أخطأ في قراءة الخط واعتقد أن الاسم هو "تويد"، وظن أنه اسم تجاري مستوحى من نهر "تويد" البريطاني الذي يتدفق عبر المنطقة المشهورة بالقماش. ومنذ ذلك الوقت، بدأ الترويج لهذه السلع باسم "تويد".
كانت غابرييل شانيل أول مصمم أزياء يكيّف هذا النسيج مع الأزياء النسائية. منذ ذلك الحين، تعيد الدار ابتكار هذا القماش الأيقوني في كل موسم ضمن ملابسها الجاهزة وأزيائها الراقية.
حكاية كوكو شانيل والتويد
لم تتردد يوما غابرييل شانيل في الابتكار والمغامرة. وبرؤيتها المستقبلية كانت تستوحي بعض العناصر الأنيقة من إطلالات الرجال في حياتها، وتحملها إلى الأزياء النسائية لتقدم للمرأة مزيدا من الراحة والحداثة. وقبل ذلك، كانت هي بنفسها ترتدي ملابس الرجال في إطلالاتها الشخصية. ومن هنا غيّرت قواعد اللباس فوضعت تصوّرها لخزانة المرأة التي تشبهها بحركتها الدائمة وسفرها وممارستها الرياضة. فاختارت استخدام أقمشة تريح من يرتديها، بدءا من الجرسيه وصولا إلى التويد وهما قماشان للرجال تقليدياً.
حبّها للتويد تعزّز في عشرينيات القرن الماضي خلال علاقتها الغرامية بدوق وستمنستر الذي على الرغم من أنه كان أثرى رجل في إنجلترا إلّا أن إطلالته تميّزت بأناقة غير متباهية، وعكست اتزانا راقيا. وقد أمضى الثنائي الراقي أوقاتا كثيرة في الهواء الطلق للصيد والإبحار وممارسة الغولف. واستعارت كوكو في أحيان كثيرة من حبيبها ملابسه الرياضية، كسترات التويد وكنزات الكشمير والجوارب التي تصل إلى الركبة.
أدركت كوكو أن هذا القماش الصوفي المريح واللين والزغبي امتلك خاصية راقية تتناسب جيدا مع تصاميمها. في عام 1924 بدأت غابرييل شانيل تتعاون مع مصنع اسكتلندي لصنع أقمشتها، وبدأت بإدخال التويد إلى مجموعاتها. بعد ذلك، ازداد موسما تلو الآخر استعمالها للتويد. وبفضلها شق هذا القماش طريقه إلى الموضة الفرنسية فانتشر بسرعة هائلة، وصار مصممون كثيرون في باريس يستعملونه. واعتبرت مجلة "فوغ" الأمريكية أن غابرييل شانيل هي من مهّد لهذه الموضة.
بالنسبة إلى صبغه بالألوان المختلفة، فالعملية تتطلب ليَّ الخيوط الملونة في بكرة واحدة، وتقليديا استعملت الألوان النباتية كأخضر القراص وبنفسجي البلسان. غابرييل شانيل استوحت بدورها من ألوان الريف الاسكتلندي الذي كانت تزوره. وكانت تجمع خلال نزهاتها في الريف الأوراق والطحالب والتراب وتطلب من صانع التويد ألوانها.
بذلة التويد المضفر التي صارت إطلالة أيقونية للدار لاقت نجاحا فوريا طويل الأمد. فسرعان ما فازت بقلوب نجمات تلك الحقبة، وصارت تلك الإطلالة مرادفة للأناقة العصرية لكن الخالدة. تألفت البذلة من سترة وتنورة من التويد الخفيف اللين مع بلوزة من الجرسيه أو الحرير. وأضافت كوكو جيوبا عملية، وحرصت على أن يكون العنق حرا. وأجرت تجارب مع العارضات، حيث طلبت منهن المشي وصعود السلالم لتتأكد من أنه يمكن للمرأة التحرك والتنقل فيها براحة وسهولة من دون القلق من كشف أي جزء من جسدها بلا قصد.
وبعد حصر التويد في ملابس النهار، تجرّأت غابرييل شانيل على إضافته إلى الأزياء المسائية من خلال مزجه مع أقمشة اللاميه اللامعة في بداية ستينات القرن العشرين.
إبداع متجدد مع كارل لاغرفيلد
منذ انضمام كارل لاغرفيلد إلى دار "شانيل" عام 1983، عمل على الحفاظ على جذور الدار وإرثها وتخليدهما، ونجح في الوقت نفسه بإعادة ابتكار تصاميم غابرييل شانيل موسما تلو الآخر. مع التويد تحديدا، واصل كارل استعماله في أزياء النهار الأنيقة العصرية، وأيضا في الأزياء المسائية وفساتين الزفاف.
ونجحت غابرييل شانيل في تأنيث قماش التويد، وأتى بعد ذلك كارل ليزيد خيارات استخدامه، وليعيد ترجمة هويته في السترات والمعاطف والتنانير والبنطلونات والفساتين وحتى في فساتين الزفاف والأحذية والحقائب والمجوهرات! وقد تلاعب كارل بنسج التويد من خلال استعمال مواد مختلفة مثل الدنيم، والتول، والشيفون، واللوركس، والجلد، والبلاستيك، والمخرمات، والأورغنزة. ثمّ تجرّأ على تطريزه، وتهديبه، وتمزيقه، وتفكيكه، وترقيعه، وتزيينه بالحبيبات البراقة أو الترترة أو اللآلئ أو الريش أو الأحجار أو المسامير.
وقد جمع عبر المواسم بين سترة التويد والبنطلونات أو التنانير المختلفة الطول والقصة، تماما كما كانت تفعل كوكو. حديثا، شاهدنا في مجموعة خريف وشتاء 2016 بذلات التويد المتينة بأطراف مفككة؛ وفي مجموعة "ريزورت" 2017 رأينا فساتين طويلة ضيقة من التويد الممزق. ولربيع 2017 تويد "شانيل" يلمع، ويتألق مع البلور والبلاستيك والحرير المطبّع.
صناعة تويد "شانيل"
بعد نجاحها في إقناع الاسكتلنديين بصنع التويد الخفيف الوزن، قرّرت غابرييل شانيل في بداية الثلاثينيات أن تصنع أقمشة التويد في منطقة في شمال فرنسا شهيرة بمهارتها في القماش. غابرييل المهتمة بتقنيات النسيج المتطورة والمتقدمة، جمعت الألياف الاصطناعية مع الصوف للحصول على أقمشة خفيفة الوزن لكن قوية البنية.
اليوم تصنع دار "لوساج" قماش التويد لأزياء "شانيل". فخلال التسعينيات، أسّس فرانسوا لوساج François Lesage مشغل نسيج. وقدّم عام 1998 أقمشة التويد إلى دار "شانيل" لتستعملها في مجموعاتها للأزياء الجاهزة. ومنذ سنة 2008، دار "لوساج" تصمم أقمشة التويد للهوت كوتور.
تويد "لوساج" يعكس حرفية استثنائية وبراعة فريدة، ويُصنع من خلال نسج خيوط اللحمة والسدى باستعمال أنواع خيوط مختلفة. عبر تعديل طبيعة المواد المستعملة، تحوّل دار "لوساج" تصاميم كارل لاغرفيلد إلى حقيقة.