سفيرة دار Vacheron Constantin مصممة الأزياء Yiqing Yin لـ"هي": يجمع عالم الساعات والأزياء الشغف والحب والبحث عن التفرّد والكمال والدقة
تُعتبر المصممة وسفيرة دار Vacheron Constantin مصممة الأزياء Yiqing Yin من الوجوه الفرنسية البارزة في مجال تصميم الأزياء الفاخرة، لكونها تخرجت في المدرسة الوطنية العليا للفنون الزخرفية في باريس، كما أنها حائزة جوائز عديدة في مجال التصميم، أبرزها جائزة باريس الكبرى للابتكار عام 2009 . وقد عُرضت إبداعاتها الحالمة في معارض ومتاحف عالمية، أبرزها متحف الإثنوغرافيا في ستوكهولم. وها هي تعرض أحدث أعمالها، Minima Naturalia ، في الجناح الفرنسي في إكسبو 2020 . قطعة تعكس بتصميمها قيم الجناح وأهدافه التي تتمحور حول التنمية المستدامة والإنسانية. معها كان هذا الحوار الشائق..
أخبرينا عن مشاركتك في "إكسبو 2020" من خلال قطعة Minima Naturalia في الجناح الفرنسي.
إنّها تجربة رائعة. كلّ شيء مدهش ومثير للاهتمام. أنا معجبة حقا بهذا المكان الذي يوفر فرصا كثيرة. هذا المعرض بمنزلة مركز العالم الجاذب والجامع لعوالم أخرى. من الرائع رؤية أناس أتوا من مختلف البلدان والثقافات للتفكير في المستقبل بشكل أساسي. إنّه لشرف كبير أن أشارك لتمثيل القيم التي نلتزمها في الجناح الفرنسي. تركّز هذه القيم على تبادل الأفكار حول المستقبل والوصل فيما بينها. أعتقد أنّ جميع الأجنحة المشاركة تدعو إلى التفكير في الإنسانية برمتها وليس في التجربة الفردية فحسب. ترتكز هذه القيم على الاتحاد والتواصل والتناقل، وإيجاد منصات جديدة للتعبير، فضلا عن اغتنام الفرص والتشجيع على عصف ذهني حول مستقبل يكون أكثر شمولية، وحيث تساعد التكنولوجيا في تحسين العالم. من الجيّد أن أكون جزءا من رسالة إيجابية إلى هذا الحد. أمّا القطعة التي أعرضها، فهي جزء من معرض "تكستيدريم" TEXTIDREAM في الجناح الفرنسي. تتمحور كبسولتي حول العطر، وذلك بالتعاون مع صانع العطور "دومينيك روبيون"، وهو واحد من أهمّ صانعي العطور في العالم. بدأت العمل على هذه القطعة بأخذ العطر الذي ابتكره “دومينيك روبيون" للمعرض خصيصا، ووصلت إلى ترجمة بصرية لما شعرت به تجاه هذا العطر المصنوع أساسا من زهور النرجس والياسمين. إنّ بنية الفستان مصنوعة بالكامل من اللآلئ الكريستالية التي تمّت خياطتها داخل أسطوانة حلزونية تعيدنا إلى الطبيعة العضوية للزهور المستخدمة. إنّها إذا تركيبة بيولوجية مفعمة باللآلئ، وكأنّ القطعة عبارة عن جسم من الجواهر يسري فيه الضوء والماء. أمّا التحدي، فكان في نحت كلّ ذلك في الفستان. لكن قبل ذلك، كان علينا وضع العطر في حبيبات صغيرة عملت عليها مختبرات "روبير بلونديل" التجميلية. كانت تجربة رائعة، إذ إن التقنيات المستخدمة غالبا ما تستعمل في البيوتكنولوجيا والطب وصناعة الملابس الداخلية، لكن لم تستعمل قط في صناعة الأزياء الراقية (هوت كوتور). هذه التقنيات كفيلة بجعل العطر ينبعث عند ملامسة البشرة، بحيث يدوم العطر حتى بعد غسل القطعة أو بعد مرور سنوات. لقد تعاونت مع “دومينيك روبيون" لعشر سنوات، حيث عمل على ابتكار عطور مختلفة لمجموعتي. والآن حان الوقت كي نعكس الأمر بحيث ابتكرت قطعة تتمحور حول العطر، أي جسّدت العطر عبر إعطائه شكلا وملمسا. عُرضت الكبسولة برمتها على طراز نظام تقطير العطور للتذكير بعالم العطر والكيمياء. وبذلك، يحتوي الفستان على عناصر متنوعة من مجالات مختلفة كالتصميم والأزياء الراقية والنحت وصهر الزجاج.
كم من الوقت استغرق ابتكار هذه القطعة؟
استغرقت العمل 800 ساعة، وعملت وحدي من دون وجود أي فريق عمل. خطت كلّ درزة بنفسي، وجمعت اللآلئ في الفستان حبة حبة بنفسي.
أين سيُعرض الفستان بعد "إكسبو دبي"؟ وهل سيُعرض للبيع؟
يمكن للفستان أن يظهر في أحد الأفلام كما يمكن لراقصة أو فنانة أن ترتديه خلال أداء ما. يمكن لهذا الفستان أن يحظى بأكثر من حياة واحدة. أنا اريد أن يرتديه الناس وأن يتمتّعوا بالعطر وحتى أن يروه وهو يتحرّك، فالفستان شفاف يتخلّله قماش الأورجانزا السائلة. وتمت خياطة اللآلئ من الداخل وتقطيب كلّ أنبوب بالآخر. وأنجزت كل ذلك يدويا. وكان الأمر تحديا تقنيا بالغا.
أنت سفيرة مجموعة "إيجيري" Égérie من دار "ڤاشرون كونستنتان" Vacheron Constantin. كيف عكست هذه المجموعة شخصيتك؟
أعتقد أن هذه المجموعة جميلة جدا. أنا أحببتها ووجدت نفسي فيها على المستوى الشخصي. فهي تتّسم بحس من الأناقة الهادئة وشيء من الرقي المتواضع. ليس على القطعة أن تكون لافتة بهدف التباهي، لكن يجب معرفة قيمة الأشياء. لجمال هذه المجموعة خصوصية ترتبط بالأنوثة الواعية مع حس من الترف، إضافة إلى ابتكار قطعة استثنائية تجمع بين عالمي الأزياء الراقية وصناعة الساعات الفاخرة، فينصهر عالم المعادن بعالم الأقمشة. يشبه الأمر قياس الوقت بواسطة عناصر متحرّكة وبأسلوب شاعري يذهب بنا إلى عالم أرقى من ذلك الذي تحكمه المادة.
باعتبارك مصممة برأيك أين يلتقي عالم الأزياء الراقية وعالم صناعة الساعات؟
بالدرجة الأولى، يجمع بينهما الشغف والحب والبحث عن التفرّد والكمال والدقة والرقي. فضلا عن ذلك، يستغرق العمل في كلا المجالين وقتا طويلا، وهو يستوجب المعرفة والخبرة التي تنتقل من جيل إلى آخر. يمكن القول إن الأمر أشبه بإرث متصل بالمستقبل بطريقة شاعرية تدفع حدود التكنولوجيا.
أودّ أن أسألك عن مفهومك للوقت. فقد تغيّر هذا المفهوم مع جائحة كورونا بحيث أصبحت لدينا الآن أولويات مختلفة على الصعيدين العام والشخصي. كيف أثّر ذلك في حياتك ورؤيتك؟
كان الوضع حافلا جدا قبل الجائحة. مع انتشار الوباء، اضطررت للرجوع خطوة إلى الوراء والتوقف. كنت في باريس وقبل الإعلان عن الإقفال العام، كنت قد اعتدت على العمل لمدة 15 ساعة يوميا، وكانت طفلتي صغيرة، لكنني لم أكن أراها لأنني كنت منهمكة في العمل. مع الإغلاق بسبب "كوفيد"، أصبحت وحدي مع زوجي وابنتي من دون أي مساعدة. في مرحلة معينة، توقفت عن العمل وأخذت وقتي كي أستريح وأتأمل وأعيش اللحظة الراهنة. أدركت حينها أنّ هذه الاستراحة كانت أساسية للاستلهام وتجديد الوحي. أتاح لي هذا الوقت فرصة الرجوع إلى نفسي بصفتي فنانة وامرأة وإنسان، فضلا عن إمضاء الوقت مع طفلتي وعائلتي. تقوم الحياة على الإلهام، وعلينا دوما تجديد إلهامنا ومصادر وحينا. هذا الوقت الضائع مفيد ومهمّ جدا، إذ يحفّز الدماغ على المعالجة الخلاقة. على الإنسان أن يأخذ وقته لقبول الأشياء المتميّزة. هذا ما ينبغي على العلامات التجارية أن تفهمه. في "فاشرون كونستنتان" Vacheron Constantin ، يدركون ذلك ويضعونه في صلب قيمهم. فهم يأخذون وقتهم للعمل بدقة. الأمر بمنزلة عملية تأمّل أمام الجمال الذي ما زال موجودا في عالم سريع التقدم. وهذا ما يعيدنا إلى جذورنا نحن البشر. كان الابتعاد عن الوتيرة المعتادة مفيدا، إذ سمح لنا بأن نعيد التفكير في تلك القيم واسترجاع شيء من الكرامة البشرية، فضلا عن التفكير في كيفية تحديد مستقبلنا. هل نريد أن نكون تابعين للنظم السائدة والضغوط؟ أم نريد أن نكون أكثر وعيا كي نقدّم ما يشرّف تاريخ الإنسان والهوية البشرية؟
هل ستحافظين على أسلوب مماثل مع عودة الحياة اليوم إلى طبيعتها؟
بالطبع، فأنا لا أريد العودة بتاتا إلى نظام إنتاج المجموعات السنوية الكبيرة. ليس من الطبيعي أن نفكر على هذا النحو. لا يمكن أن يتأتّى عمل استثنائي عن تفكير مماثل.
كيف ترين مستقبل الأزياء الراقية في عالم أكثر استدامة؟
أعتقد أنّ الأزياء الراقية هي بطبيعتها مستدامة، ليس بسبب المواد والأقمشة المستخدمة، ولكن لأنّ كل عرض يكون حصريا ومحدودا، بحيث يشبه الأمر مجموعة من القطع المنتقاة، على عكس الملابس الجاهزة التي يمكن التخلّص منها، أو يجري إنتاجها بكميات هائلة. في عالم الأزياء الراقية، نصممّ القطعة وكأنّها مخصصة لشخص واحد وينبغي عليها أن تناسب الجانب الفريد والعاطفي والفني. هذا ما يجعل المنتج مستداما، لأنّك لا ترميه بعيدا. لهذا الغرض قيمة، كأي عمل فنّي أو قطعة مفروشات مذهلة. نحن نشتريها كي تبقى بحوزتنا. على المستوى العملي، كان هناك بالطبع الكثير من المبادرات التي تعنى بإعادة التدوير وإعادة الاستخدام. هذه القطع غنية بالقصص وعلينا إخبار الناس عن الجودة والنوعية والعمل برمته بهدف دعوتهم للاستهلاك بطريقة مسؤولة. يمكن إذا للأزياء الراقية أن تلعب دورا تثقيفيا في مجال الموضة.
هل تؤيدين المبادرات التي تدعو إلى وقف استخدام مواد معينة كما فعلت بعض العلامات التجارية؟
برأيي، تكمن المشكلة في الإنتاج الضخم. لا يتعلّق الأمر بمادة معينة، لكن بإنتاج كميات هائلة والإنتاج بوتيرة لا تناسب قدرة العالم الاستهلاكية. أنا لا أرى أنه يجب منع أي مواد في الأزياء الراقية. مجموعات الأزياء الراقية تروي قصة رحلة خاصة جدا. يجب إنجاز هذا العمل بوعي وإدراك واحترام. ليس من الخطأ استخدام مواد نادرة وفاخرة طالما أن هدفنا هو أن يدوم هذا المنتج. الفرادة أمر مستدام بحدّ ذاته، وهذا ما تقوم عليه الأزياء الراقية. عملنا يكمن في تقديم تجربة استثنائية حول هوية الفن. أعتقد أن على صانعي الملابس الجاهزة التفكير في المعنى أكثر منه في الكمية ومن ثم، إنتاج ما يمكن أن يدوم.
ما مشاريعك المستقبلية؟ وهل هناك مشاريع تعملين عليها في الوقت الراهن؟
أودّ من كل قلبي أن أعمل على صنع فستان واحد في السنة الواحدة، وأن يكون من صنع يديّ بالكامل. أحب كثيرا أن أكون في هذا الجو من الابتكار والعمل مع المواد الأولية. أريد أن أركّز جهودي على منصة تعبير تكون جامعة بين الأزياء والفنّ وعلى بناء جسر يصل بين العالمين، عالم الأزياء وعالم الفن. كما أريد أن أعمل على قطع تجريبية. مشروعي إذا هو أن أنغمس في الفن، ويمكنني القول إنني لم أعد إلى تصميم المجموعات.