خاص بـ"هي" - رحلة داخل مخيلة المصمم الأسطوري Christian Louboutin
حوار: "مي بدر" Mai Badr
لم يدنُ يوما أي تصميم بتوقيع المصمم الفرنسي الشهير "كريستيان لوبوتان" Christian Louboutin من العادي أو التقليدي، فلطالما كانت ابتكاراته انعكاسا جريئا لولعه بالفنون والسفر وانفتاحه على ثقافات مختلفة. وأبرز مصادر إلهامه الغني يعود إلى طفولته في باريس، حيث كان يزور متحف "قصر البوابة الذهبية" Palais de la Porte Dorée الذي سحره بعمارته وزخارفه والأعمال الفنية والتراثية المعروضة فيه، فكان أول تصميم له، بصفته مراهقا، مستوحى من جمال المتحف المعماري. لكن ما أثر مباشرة في توجهه لاحقا نحو تصميم الأحذية، كان لافتة في المتحف تمنع الزوار من انتعال أحذية "ستيليتو" بالكعب العالي. اليوم، يعود "لوبوتان" إلى متحف "قصر البوابة الذهبية" الذي يقدم تحية استثنائية إلى مسيرته المهنية وحسه الإبداعي وإخلاصه للحرفية الأصيلة، من خلال معرض يسلط الضوء على مصادر إلهامه وعمليته الإبداعية افتتح في ال 25 من فبراير. لمعرفة المزيد عن هذا المعرض المكرس لأعمال "كريستيان لوبوتان" المعروفة، وابتكاراته التي تعرض للمرة الأولى، ومشاريع تعاونية بينه وبين فنانين من حول العالم، التقينا بالمبدع الأسطوري الذي أخبرنا عن ذكريات طفولته في المتحف الملهم، ومصادر إلهامه خلف مجموعته لموسم الربيع والصيف، وحقيبة "إليزا" الجديدة المستوحاة من الحضارة المصرية القديمة.
"قصر البوابة الذهبية" مكان ألهمك بشكل كبير منذ بدايتك في عالم تصميم الأحذية. أخبرنا أكثر عن قصتك معه وذكرياتك الأولى عنه.
لا شك في أن "قصر البوابة الذهبية" كان إحدى نقاط البداية لمسيرتي في تصميم الأحذية. إنه متحف جميل داخل مبنى ضخم بني عام 1929 ، وانتهى تشييده سنة 1931 . يتميز تصميمه الرائع الجمال بفن الآرت ديكو الزخرفي؛ ولدى بنائه، استعملت فقط مواد نفيسة جدا، وما زالت نفيسة وفخمة حتى اليوم، من المفروشات والديكور إلى المصابيح والأرضيات والنقوش واللوحات. وكلها كانت من صنع أهم مصممي عصرهم، حتى إن بعضا منهم لم يكن معروفا حين بدأ العمل في "القصر"، لكن اشتهر كثيرا بعد ذلك، مثل "جان بروفيه" الذي كان شهيرا في الخمسينيات، والذي نفذ أول أعماله في المتحف حين كان في ال 18 من عمره.سمّي "قصر البوابة الذهبية" لأنه قصر استثنائي الجمال، لكن دوره لطالما كان متحفا. خلال طفولتي مثلا، كان متحفا لفنون القارة الإفريقية وأوقيانيا.
أما بالنسبة إلى علاقة المكان بالأحذية، فكان كل شيء فيه نفيسا حتى إن أرضياته مصنوعة من الرخام أو الأخشاب النفيسة. وفي فرنسا خلال خمسينيات القرن الماضي، كان ممنوعا انتعال كعب "ستيليتو" الرفيع في مكان مصنوع من مواد نفيسة، لأن رأس الستيليتو في ذلك الزمن كان معدنيا، ومن ثم فقد كان يحطم الأرضيات. زرت المتحف كثيرا خلال طفولتي، لأنه كان قريبا جدا من شقّة عائلتي، ومررت بجانبه في طريقي إلى المدرسة. حفظته عن ظهر قلب. وكنت أتردد إليه في إجازات نهاية الأسبوع أيضا، لأن فيه أكبر أكواريوم أسماك في فرنسا على الطابق الأرضي. وفي كل مرة، كنت أرى رسم الحذاء على لافتة تمنع الزوار من انتعال حذاء بكعب ستيليتو. كان حذاء "ستيليتو" نموذجيا من الخمسينيات، بالكعب العالي الرفيع
التقليدي. وكان مشطوبا بالأحمر لمنع الزوار من انتعاله. ولدت في الستينيات، وكنت أزور المتحف في السبعينيات، ففهمت أنه رسم حذاء امرأة، لكنني في الوقت نفسه شعرت بأنه غريب. وكنت أسأل نفسي: ما هذا الرسم؟ ما هذا الطراز؟ لكن هذه اللافتة جعلتني أدرك أن كل شيء يبدأ برسم. فكان أول ارتباط لي برسم حذاء. كل ما نراه حولنا، من الأزياء التي نرتديها إلى المفروشات والحدائق المصممة، يبدأ برسم أيدٍ بشرية. هذا سبب علاقتي القوية بالمتحف، ففيه رأيت للمرة الأولى رسم حذاء ألهمني، وبقيت أكرره في بداية مسيرتي.
كيف تصف تجربتك مع المتحف خلال طفولتك؟
ولدت وترعرعت في باريس، وعائلتي من منطقة بريتاني، حيث أمضينا إجازاتنا. كان أمرا مفرحا، لكنه روتيني في الوقت نفسه، فكنا ننتقل بين باريس وبريتاني كل الوقت. لذلك، لم يكن في طفولتي شيء غريب. صحيح أننا كنا نزور إسبانيا من وقت لآخر، لكننا بقينا في أغلب الأحيان في فرنسا بين بيوت الأنسباء والخالات. فكان هذا المتحف أول مكان بدأت فيه بالسفر بطريقة أو بأخرى، لأنه كان يروي حكايات ثقافات متنوعة من كل المستعمرات الفرنسية، مثل المغرب العربي ومدغشقر والكثير من الدول الإفريقية، إضافة إلى جزء المحيط الهادئ مثل بولينيزيا وغينيا وكاليدونيا الجديدة، وكلها بلدان ذات ثقافات قوية. بفضل ذلك، رأيت الكثير من أعمدة الطواطم، والسيوف الإفريقية، والريش، والمقاعد، والتيجان، والمجوهرات، وغيرها. فكانت المرة الأولى التي تتفتح فيها عيناي على ثقافات مختلفة. هنا تكمن أهمية هذا المتحف في طفولتي. ولا شك أيضا في أنه درّب عينيّ على رؤية أشياء مختلفة، ففي هذا المكان ولد عشقي الكبير للتحف والفنون الزخرفية عموما.
هل أشرفت على تنظيم المعرض بنفسك؟
احتفالا بالذكرى العشرين لتأسيس علامتي أقمت معرضا في متحف التصميم في لندن، لكن الفرق أنه في ذلك المعرض الذي حدث قبل ثمانية أعوام، مدير المتحف هو من كان يقرر كل شيء. فكان المعرض وجهة نظر معينة لعملي، وصحيح أنه معرض جميل ولاقى نجاحا كبيرا، إلا أن عين المدير هي التي بنت فعليا المعرض. هذه المرة، طلب مني رئيس المتحف في باريس أن أقيم معرضا بما أنني أعرف المكان جيدا. المعرض انعكاس حقيقي وفعلي لعملي. وقد اختير أيضا مشرف انسجمت معه جيدا، وهو القيّم على معرض " 10 آلاف عام من الرفاهية" في أبوظبي. إنه مدير رائع، والمعرض مختلف جدا ومميز، إذ يعكس عملي وعمله.
هل يشمل المعرض أحذية لم يسبق لك عرضها على صعيد عام؟
نعم، يضم المعرض بعض التصاميم التي لم يسبق لي عرضها. عموما، ما عرض من أعمالي في السابق كان على علاقة مباشرة بعالم الموضة، لكن هذا المعرض يكشف عن أشياء متعلقة بمجالات وعوالم أخرى، مثل حذاء أشبه بمنحوتة مستوحاة من الفرعون أخناتون وأوبرا "أخناتون" للمؤلف "فيليب غلاس". ترين في المعرض أيضا تصاميم ابتكرتها لعالم الرياضة، والنموذج الأولي لحذاء صممته للفنان "مايكل جاكسون" تحول لاحقا إلى شيء آخر، وأحذية صنعتها لأفلام متعددة، وأحذية مختلفة رسمتها لفنانين مختلفين. كما يضم المعرض قطعا نفذتها مرة واحدة، ولم أعرضها أمام صحافيي الموضة، لأننا لم نستطع إعادة إنتاجها بسبب صعوبة تنفيذها التقنية، والكثير من التصاميم التي كنت قد وضعتها جانبا لأسباب مختلفة، لكن يسعدني اليوم أن أكشف عنها. واخترت أن يكون المعرض شعبيا لكن بمحتوى عالي الجودة، فأعرض فيه قطع الكوتور الراقية التي كنت قد عرضتها سابقا فقط لعدد قليل من الصحفيين. فحين نعمل في قطاع الموضة، كثيرون يعرفوننا ويحبون عملنا من دون أن تتوفر لهم قدرة الوصول إلى عروضنا لمشاهدة ما نقدّمه. قطاع الأزياء (ولا أقصد به كل من يعمل في هذه الصناعة) من مصممين وصحافيين يضم فقط ألفي شخص، لذلك لا وصول لمعظم الناس إلى أعمالنا. هذا المعرض مكرس لكل من يحب عملي، لكن لم يكن قادرا في الماضي على رؤيته. تعاونت مع فنانين معروفين من حول العالم. هل نرى في المعرض هذه المشاريع أيضا؟
نعم، إن هذه الشراكات الإبداعية جزء مهم من المعرض، مثل تعاوني مع المخرج "ديفيد لينش"، وبعض المشاريع التي لم نكشف النقاب عنها قبل الآن. هناك عملي مع الفنان الباكستاني "عمران قريشي" الذي يضم لمسات من الذهب، والتعاون مع الفنانة النيوزيلندية "ليزا ريهانا". وأذكر أيضا عملي مع المصور "برنار فوكون" وثنائي التصوير "بيير" و"جيل". هناك قطع كثيرة أسفرت عنها هذه المشاريع المشتركة.
تغيرت الموضة عبر العقود. والنساء تغيرن أيضا خلال العقد الأخير وتغيرت حاجاتهن. كيف ينعكس ذلك من خلال تصاميمك التي صارت أكثر تكيفا مع المرأة العصرية؟
بصراحة، لا أرى تغييرا كبيرا في النساء. لطالما تغيرت النساء، وهن في تطور مستمر تماما كما يتغير ويتطور الرجال. إنه أمر طبيعي.
قد ينشر الصحفيون فكرة معينة عن هوية المصمم بين الناس. مثلا، في حالتي أنا، من الأحذية الأولى التي صنعتها كان حذاء مسطحا من دون كعب، وكان ضمن تشكيلتي للموسم الأول. ومنذ ذلك الوقت قدمت الكثير من الأحذية المسطحة والأحذية الرياضية وأحذية الباليرينا والجزمات والكعوب العالية. لكن الفكرة السائدة بين الناس هي أنني أصمم الأحذية العالية الكعب. إذا نظرتِ إلى مجموعتي، فستجدين فيها كل شيء منذ عام 1991 . إنها فقط وجهة نظر الصحفيين لا أكثر ولا أقل. التشكيلة متنوعة جدا ولطالما كانت كذلك.
هي نساء عدّة. في المرأة نفسها، هناك المرأة العاملة، والمرأة التي تهتم بالأولاد، والمرأة التي تعتني بزوجها، والمرأة المستعجلة، والمرأة التي تريد أن تكون جميلة وتغير إطلالتها ليلا. أوجهها المختلفة لا تقسم شخصيتها، بل هذا ترتيب عليها فعله. لطالما رأيت شقيقاتي مثلا ينتعلن كعبا عاليا، وفي حقيبتهن حذاء رياضي أو باليرينا. أعرف أنه في 24 ساعة من حياة المرأة، تتغير في طرق كثيرة، فتضع الماكياج مثلا وتصفف شعرها. هذه الأمور لطالما كانت موجودة، لكننا قد نتحدث عنها أكثر اليوم. لا أرى شيئا جديدا في ذلك.
هلا أخبرتنا عن مصدر إلهام مجموعة الربيع والصيف؟
في هذه المجموعة تحديدا، عملت على مواضيع مختلفة. أحد أهم مواضيعها كعب متوسط الطول. ترتكز المجموعة بشكل كبير على البناء المعماري. فتشعر من تسير بالحذاء أنها تطفو فوقه، لأن الكعب يبدو منفصلا. فمن أهم عناوين المجموعة البناء والهيكلية والعمارة، ويبدو الحذاء عن بعد أشبه برسم. هذا الجزء من المجموعة يكاد يكون خاليا من التفاصيل تقريبا، ليركز على القصة والشكل. ثم أركز في قسم ثانٍ على الكعوب المنخفضة المميزة بجزء مدور يحافظ على أنوثة الكعب. هو كعب ضخم لكن بلمسة أنثوية في الرسم. بعد ذلك، تأتي أهمية النقوش والطبعات، التي تنطبق أكثر على قسم الأحذية الرياضية. في الأحذية الرياضية، تفاصيل تبدو كفن الخط على شكل أحرف مرسومة بطريقة فنية خطية. كما أن القسم الرياضي مشرق جدا بألوانه الزاهية، وهو ما يشكل موضوعا آخر. وهناك أيضا كعب مختلف ذو بناء مستوحى بطريقة ما من تفاصيل المفروشات في الشرق الأقصى، مثل الصين واليابان. هذا الجزء نقيض الجزء السابق، فهو زاويّ جدا وأقل تدويرا. ولا أنسى الأزهار. فقد نظرت إلى أرشيفي بسبب المعرض،
ومن أول ما وجدته في الأرشيف الزهرة التي صممتها لحذاء "بانسيه" Pensée الذي كان من نوع "ماري جين"، والذي أطلقت بسببه النعل الأحمر. نظرت إلى هذه الزهرة التي غيرتها بطرق كثيرة، فصارت صندلا وتحولت إلى أزهار أصغر حجما. هكذا
استوحيت جزء الأزهار من شيء بدأته قبل 20 إلى 25 عاما، وأعدت دمجه في مجموعتي بطريقة مختلفة تماما. هذا ما ألهمني به أرشيفي الذي تعمقت فيه للمرة الأولى بسبب المعرض.
ماذا عن حقيبة "إليزا" الجديدة والقصة خلفها؟
حقيبة "إليزا" Elisa مثل كل حقائبنا مصنوعة في إيطاليا. لكن حين رسمنا الحقيبة، كان أهم ما ميز تصميمها التفاصيل المعدنية. فأردت أن يبدو المشبك مثل الخرطوش، أي المربع الذي كان يكتب فيه اسم الملك المصري في مصر القديمة. في عصر الفراعنة، نُقش اسم الملك أو الملكة بالكتابة الهيروغليفية، داخل خرطوش أشبه بختم يطوقه. مشبك الحقيبة مستوحى من الخرطوش، وفي داخله أول حرفين من اسمي CL.
حين نظرت إلى تصميم الخرطوش، وفي بالي أنه حقيبة نسائية، وجدت من المنطقي أن أختار لها اسم "إليزا" على اسم ابنتي بالمعمودية "إليزا صيدناوي". فهي امرأة من أم إيطالية وأب مصري، مثل الحقيبة المصنوعة في إيطاليا والمستلهمة من مصر القديمة. إذا الحقيبة مسماة على اسم "إليزا صيدناوي" التي تبلغ من العمر اليوم 30 عاما، وصاحبة الشخصية الرائعة التي تتميز بعقلية فيها نعومة وجمال.
ما أهمية التجارة الإلكترونية وعالم التواصل الاجتماعي في عملك؟
أعتقد أن عالم الإنترنت يكتسب أهمية كبيرة بوجه عام. والجميل فيه أنه يسمح لعدد كبير من الناس في مناطق مختلفة بالحصول على المعلومات في الوقت نفسه. هذه السرعة جديدة تماما. لكن إلى جانب حسناته، لديه وجه سيئ بالتأكيد. يحزنني أن أرى الجميع على شاشات الحواسيب اللوحية والهواتف الجوالة طوال اليوم. أعتقد أن الجميع سيرتدي نظارات في سن صغيرة. لكن على الرغم من ذلك، يُعد شيئا مهما. لا يمكن إيقاف التقدّم، والتقدم يذهب منذ فترة في هذا الاتجاه.
هل تبيع تصاميمك عبر الإنترنت منذ فترة طويلة؟
نعم. بدأنا كل ما يتعلق بالتجارة الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي، مثل إنستغرام قبل سنين عديدة. أهمية التواصل الاجتماعي أمر لا يمكننا أن ننكره. على الصعيد المهني، هو مهم جدا. أما على الصعيد الشخصي، فليس أمرا أهتم له. أستخدم مواقع التواصل الاجتماعي مهنيا فقط، لأنني ما زلت أفضل مثلا القراءة ومشاهدة الأفلام، وهو ما لا يمكنني فعله إن أمضيت الكثير من وقتي على شبكات التواصل الاجتماعي. قد يمضي شخص مهتم بالموضة ثلاث ساعات يوميا في النظر إلى هذه المواقع. أنا لا أملك ثلاث ساعات أمضيها في ذلك.
زرت مناطق كثيرة من الشرق الأوسط. ما رأيك بالمرأة الشرق أوسطية؟ وبرأيك كيف تنظر هذه المرأة إلى مجموعاتك؟
بالنسبة إلي بصفتي شخصا ترعرع وتعلم وتربى على أيدي نساء، من أجمل ما في النساء الشرق أوسطيات، حس الأنوثة. وعلى الرغم مما مر بعالم الموضة، لطالما حافظ في هذه المنطقة على حس أنوثة قوي بالفعل. كما أنني دائما ألاحظ كيف تهتم المرأة الشرق أوسطية بأظافرها، وتعتني بشعرها وتصففه، هذا أمر مهم جدا بالنسبة إليها، وأمر قد لا نراه بالضرورة في كل مكان. هناك ثقافة جمال قوية جدا في الشرق الأوسط، وهو شيء أتشاركه مع المنطقة تماما. وما تتميز به النساء الشرق أوسطيات أيضا قوتهن الكبيرة.