حوار مجلة "هي" مع مصمم الأزياء السعودي زياد البوعينين
زياد البوعينين، مصمم أزياء سعودي المولد مقيم في لندن، حاصل على ماجستير في تصميم الأزياء من Istituto Marangoni في ميلانو.. نشأ في طوكيو وعاش في سويسرا ونيويورك وميلانو ولندن، ما وسّع فهمه للثقافة بجميع أشكالها. يقدّر بشدة التعددية الثقافية ويهدف إلى تعزيز التنوع والتسامح من خلال عمله ، وبما أن الفن والثقافة مصدر إلهامه الرئيسي، فإن جمالية تصاميم زياد تنبع من افتتانه بالخيال والعاطفة الإنسانية. إنه يعتقد أن الإبداع له إمكانات غير محدودة إذا كان المرء منفتحًا على رؤية الأشياء من وجهات نظر مختلفة وغير ملزم بمعايير الشك أو الخوف. معه كان هذا اللقاء
أخبرنا كيف اكتشفت حبّك للموضة؟ وما الذي ألهمك أن تصبح مصمم أزياء؟
لطالما كانت الموضة جزءا من حياتي، وتعرّفت إلى هذا المجال من خلال والدتي التي كانت تملك متجرا صغيرا في الخبر في المملكة العربية السعودية، حيث كانت تبيع ملابس خاصة بالسهرات وإكسسوارات من توقيع "برادا" و"ففيفيين ويستوود" و"موسكينو" و"جون غاليانو" وغيرهم من المصممين العالميين. ألهمني أسلوبها كثيرا وحبّها للملابس غير التقليدية. كانت تصطحبني معها في رحلات شراء الملابس في سنّ صغيرة، وحينها بدأ ينمو حبّي للموضة. كنت دائما أرسم الصور الظليّة في غرفتي حين كنت صغيرة، وكنت أعلم أنّه يوما ما سوف أمارس هذه المهنة.
الموضة بالنسبة إليّ منفذ للتعبير عن الذات، هي لغة عالمية تساعدنا على سرد قصصنا، والتعرّف إلى بعضنا البعض. فأنا أحبّ العملية برمتها أي ترجمة فكرة، أو إلهام، أو رسالة إلى ملابس مُصمَّمة بشكل جميل. كانت دراستي للماجستير في تصميم الأزياء في Istituto Marangoni في ميلانو أفضل قرار اتخذته، مجرد القدرة على التصميم وإلهام الناس وتمكينهم يجعلني أشعر بأنني على قيد الحياة، وهذا هو بالضبط سبب بدء رحلتي مع الأزياء.
أنت مصمّم أزياء سعوديّ مستقرّ في لندن، ترعرعت بين طوكيو وسويسرا ونيويورك وميلانو. كيف يؤثر هذا الخليط من الثقافات والحضارات في تصاميمك؟
لطالما كنت محاطاً، منذ نعومة أظافري، بأشخاص من ثقافات وديانات مختلفة، وكوّنت معهم علاقات وطيدة. هذا الأمر شكّل حقا ما أنا عليه اليوم، فقد علّمني التسامح وتفهّم الآخر، وحثّني على اكتشاف المزيد عن العالم الذي نعيش فيه. هناك العديد من الأشخاص الملهمين الذين يمكننا لقاؤهم، والكثير من الأماكن للاستكشاف، وهذا ما يغذّي إبداعي. أسعى دائما لترجمة هذه النقاط في عملي من خلال طريقة تقديم مجموعاتي. ومن ثم، غالبا ما ألجأ إلى مراجع من ثقافات مختلفة، وأعمل مع عارضات ومبدعين من خلفيات مختلفة، لأنني على اقتناع بأن ذلك يؤدي إلى نتيجة أكثر إثارة للاهتمام.
كذلك الأمر بالنسبة لمجموعاتي التي أستوحيها من مصادر عديدة ومتنوّعة. على سبيل المثال، مجموعتي الأخيرة مستوحاة، من الناحية الجمالية، من فيلم ياباني يعود إلى فترة السبعينيات. كذلك صمّمت، أثناء دراستي، مجموعة لـAlanui مستوحاة من حديقة ماجوريل في مراكش، وهناك مجموعة أخرى مستوحاة من الجيولوجيا في المملكة العربية السعودية. الفضول والبحث العميق ضروريان في كل ما أفعله.
كيف ترى مستقبل الموضة في المملكة العربية السعودية، مع كلّ المبادرات في عالم الموضة أُطلِقت حديثا، ومع ظهور العديد من مصممي الأزياء السعوديين؟
لقد أجريت حقيقة مقابلة مع وزارة الثقافة السعودية - KSA Fashion Futures عندما كنت أنهي دراستي في ميلانو. أعربت حينها عن اعتزازي وشعوري بالفخر تجاه كل ما تفعله المملكة السعودية للمبدعين في البلاد. منحهم منصة للتعبير عن أنفسهم، واستكشاف اهتماماتهم الإبداعية أمر بغاية الأهمّية. فالعالم بحاجة إلى رؤية وعيش تجربة الجمال والديناميكية التي يمكن للمملكة أن تقدّمها. هناك الكثير لاكتشافه، والفرصة متاحة الآن للأشخاص الذين يرغبون في ذلك. من المؤكد أن المصممين السعوديين سيلهمون الكثيرين والبلاد مليئة، بشكل استثنائي، بالمبدعين الموهوبين الذين يجب أن يلمعوا على الصعيدين الوطني والدولي.
تقدّم علامتك التجارية ملابس جاهزة ذات رفاهية واعية تتقاطع مع الجرأة والأنوثة. أخبرنا المزيد عن القيم التي تحملها علامتك التجارية؟
جميع تصاميمي تنفّذ على الطلب في لندن، بطريقة أخلاقية صديقة للبيئة، من مزيج من بقايا الأقمشة والأنسجة الجديدة والمعاد تدويرها، إذ إننا نتوخّى معالجة المشكلات النظامية الناتجة عن الإفراط في الإنتاج والاستهلاك التي تعاني منها صناعة الأزياء في أيامنا هذه. وبذلك، تتم طباعة الأنماط والأشكال على الأقمشة بطريقة تخفّف الهدر، وباستخدام كميّة الحبر والأقمشة التي نحتاج إليها فقط. نحتفظ كذلك بجميع القصاصات وفضلات القماش المتبقية لاستخدامها في المستقبل أو إعادة تدويرها أو التبرّع بها. أمّا هدفنا، فهو خلق أعمال فنية يمكن ارتداؤها، متقنة الصنع، وبالحد الأدنى من الهدر، مع مراعاة مسألة الحفاظ على البيئة.
كيف ترى مستقبل الموضة المستدامة؟
من الرائع أن المزيد من العلامات التجارية والمصمّمين يلجؤون اليوم إلى الممارسات المستدامة في عملهم! فالمزيد من الناس أصبحوا على إدراك بحجم الضرر الذي نلحقه بالبيئة، وذلك بفضل التوعية التي تنتشر بشكل أساسي عبر منصات التواصل الاجتماعي. كذلك، صناعة الأزياء تتسبّب بنحو 10 في المئة من انبعاثات الكربون العالمية، وتتحمّل مسؤولية ما يقارب الـ 20 في المئة من مياه الصرف. العمل الجماعي لخفض هذه الأرقام سيكون مفيدا للجميع. أعتقد أن الموضة المستدامة والصديقة للبيئة هي المستقبل، لأننا لا نستطيع تحمّل المساومة على صحتنا وبيئتنا.
ما مصدر إلهام مجموعة " Serenity Prayer "؟
هذه المجموعة مستوحاة من مسيرة الخروج من مكان مظلم. شكّل فيلم الرعب Hausu للمخرج Nobuhiko Obayashi والذي عرض في العام 1977 مصدر إلهام لي، بهدف المساهمة في إزالة وصمة العار التي تطبع مشكلات الصحة العقلية، والتأكيد على أهمية التواصل وطلب المساعدة عندما نمرّ بوقت عصيب. أكبر اعتقاد خاطئ هو أنه إذا طلبت المساعدة سوف يُنظر إليك على أنك ضعيف، وهذا الأمر ليس بصحيح. الحقيقة هي أن إجراء هذه المحادثات الصعبة يساعدنا لتقوية بعضنا البعض للوصول إلى الهدوء والسلام الداخلي. لقد استخدمت الكثير من الرموز في المجموعة لتوضيح هذه النقاط. على سبيل المثال، ترمز الثريّا المحترقة والمشوّهة المطبوعة على القماش في القسم الأول من المجموعة إلى التشويه الإدراكي والقلق الّلذين يرافقان أيامنا المظلمة. أمّا طباعة الأذرع العائمة في القسم الثاني من المجموعة، فهي تظهر أهمية المساعدة والشعور المبرّر بالضعف. في الجزء الأخير من المجموعة، يمثّل شروق الشمس فوق الغيوم ونسيج الشيفون، المطبّع بالأزهار ولآلئ المياه العذبة، السلام الداخلي وتحقيق الذات والحكمة المكتسبة من خلال التجربة.
باختصار، تتناول هذه المجموعة مواضيع التغلّب على الصعاب والمرونة وحب الذات. والأهم في ذلك أنها تكريم لقوة الأمل البالغة الأهمية، حسب اعتقادي، في المناخ الحالي الذي نعيش فيه. أعتقد أنه من الضروري جدا أن يعكس عملنا الواقع الذي نعيشه.
كيف أثّرت جائحة "كوفيد-19" فيك كمصمم مبدع؟ وما كانت أهم الدروس التي تعلّمتِها من العام ونصف العام المنصرمين ؟
كان الأمر صعبا للغاية من حيث الحصول على اللوازم الضرورية في الوقت المناسب من الموردين والمتاجر. وجدت نفسي أسافر لساعات ذهابا وإيابا (عدّة مرات في الأسبوع أحيانا) إلى موردي التشذيب الوحيدين الذين استطعت أن أجدهم والذين كانوا يقبلون استلام الطلبات، للحصول على السحابات والأقمشة المدمجة وغيرها من الزركشات، حيث أُغلقت جميع المتاجر والشركات في فترات معينة. استغرقت عمليات التسليم وقتا أطول من المتوقع في بعض الحالات، وكانت الأمور تسير ببطء بشكل عام، وبطريقة مرهقة.
عشت وحيداً في لندن طوال فترة الوباء، لذا ركّزت على إعطاء الحياة لهذه المجموعة. شعرت بالإرهاق من كل ما يحدث في العديد من الفترات. هناك الكثير من المشاعر التي اجتاحتني كالقلق والإثارة، لكنني نجحت في تصويبها إلى عملي فكانت علاجية تماما. لقد تعلمت الكثير عن نفسي، ولم أشعر حقا بالحجر، لأن هذه المجموعة استغرقت حقا معظم وقتي.
أسئلة عديدة طُرحت عليّ خلال تصميمي لهذه المجموعة، أهمّها "أين ومتى يمكن لأي شخص ارتداء هذه الملابس؟". لكن هذه التساؤلات تشكّل صراحة الغرض الكامل من المجموعة ومصدر إلهامها: فهي من المفترض أن تبعث رسالة أمل بالمستقبل (القريب إن شاء الله)، وهذا الأمر مهم جدا باعتقادي في المناخ الحالي الذي نعيش فيه. أجدد القول بأنه من الضروري جدا أن يعكس عملنا الواقع الذي نعيشه، وأذكّر الجميع بأننا لن نبقى إلى الأبد في منازلنا، مرتدين ملابسنا الرياضية.
من هي ملهمتك؟
ما من شخص محدّد، لكن المرأة التي أفكّر فيها عندما أصمم هي امرأة عصرية، تقدّر الفن ولا تخشى الأضواء، جريئة وشجاعة. نحن نعيش في وقت تزداد فيه قوة المرأة العربية، وما من شيء يفرحني أكثر من أن أجعلها تشعر بمزيد من التمكين عندما ترتدي تصاميمي.
كيف تحافظ على إلهامك وإبداعك؟
من خلال الفضول الذي أتمتّع به بالفطرة، وشغفي لتحقيق رؤيتي الخاصّة.
ما مشاريعك المستقبلية؟
حدودي السماء! هناك الكثير من الأمور التي أحب أن أحقّقها مثل التعاون مع الفنانين والمبدعين الذين يلهمونني، صناعة منسوجات مبتكرة ... لكن أولويتي حاليا هي التركيز على عملي، ومواصلة التعلّم وبناء علامتي التجارية بطريقة صديقة للبيئة، آملة أن يشكّل عملي ومسيرتي مصدر إلهام للآخرين.