قصة جزمة ركوب الخيل... كلاسيكية عابرة للزمن
من أشهر التصاميم على الإطلاق حذاء مستقيم ومنحنٍ في الوقت نفسه، وناعم إلى أقصى الحدود، ومصمم ليحمي الساق ويضفي رشاقة على القامة. إنه حذاء يعكس حسّا من النبالة والفخامة؛ إنه جزمة ركوب الخيل.
لهذه الصيحة، التي رأيناها في موسم الخريف والشتاء الأخير، أصول قديمة وقصة ليست أبدا بسيطة. يمكننا بدء الحكاية مع أيقونات السينما اللواتي انتعلن جزمة ركوب الخيل، من بطلات عصر الأفلام الصامتة إلى نجمات أحدث أفلام الأبطال الخارقين. ونذكر على سبيل المثال، النجمة "كاثرين هيبورن" الأنيقة وحبيبها على الشاشة وخارجها "سبينسر تريسي". وفي أيامنا هذه، رأينا الممثلة الشهيرة "أنجيلينا جولي" تعتمد هذا الحذاء مع إطلالة بسيطة سوداء بالكامل أو جينز مريح وتي-شيرت؛ حتى إنه يمكننا القول إنها تعتبر جزمة ركوب الخيل إكسسوارها المفضل. وبين الفترتين الهوليووديتين عدد لا يحصى من المسلسلات التلفزيونية الدرامية التي تعالج قصص الطبقات الاجتماعية العليا ومشكلاتها، مثل مسلسل "دالاس" الذي أعطانا لمحة عن الحياة قديما في الغرب الأمريكي، والذي ظهرت فيه جزمة راعي البقر التي تعيد تصوّر جزمة ركوب الخيل الكلاسيكية. وازداد رواجها مع الأفلام الموسيقية وقناة "إم تي في" العالمية التي كانت منصة ضخمة ومتنوعة لكل الفنانين، ومنهم أسماء أيقونية في عالم الموضة والأناقة مثل الملهم الأسطوري "برينس" . ومنذ الثمانينيات حتى الآن، نادرا ما كانت تمر فعالية اجتماعية أو حفلة على السجادة الحمراء دون ظهور زوج واحد على الأقل من جزمات ركوب الخيل.
ولو عدنا في التاريخ إلى فترة أقدم بكثير، نجد أمثلة عن جزمة ركوب الخيل في القرون الوسطى، حين شكّلت جزءا من العدّة العسكرية للفرسان، وسحرت نساء العصر بأناقتها الرصينة ورمزيتها الراقية. وفي الأدب، ظهرت هذه الجزمة أيضا، كما مع شخصية "كلوريندا" في القصيدة الملحمية "تحرير أورشليم" للشاعر "توركواتو تاسو"، أو "مورغان الجنّية" في أساطير الملك "آرثر"، أو المحاربة التاريخية "جان دارك". من الشخصيات الأيقونية الأخرى التي اعتمدت هذا الحذاء، الملكة "إليزابيث" الثانية (إذا أردت الاطلاع من جديد على أسلوب إطلالاتها، شاهدي المواسم الأولى من مسلسل "التاج"، والمغنية "مادونا" في افتتاحية جولتها العالمية عام ٢٠٠٦ حين انتعلت جزمة من تصميم "جان بول غوتييه".
تحافظ هذه الجزمة على رابط مزدوج بين العالمين العسكري والمدني. وعلى مر القرون، لم يتعرض هذا الحذاء لتغييرات واضحة، بل إلى بعض التحسينات فقط، من المواد (بحيث صار الجلد ضروريا) إلى التقنية التي صقل بها صانعو الأحذية هيكل هذا الحذاء. في الواقع، إن إنتاجه فنّ قائم بذاته، لذلك يُفضّل الحصول على زوج مصمم خصيصا لك، لأن ذلك يضمن تناسب الحذاء تماما وبشكل مثالي مع الساق، بعد أن يُحسب محيط ربلة الرجل، ويُصاغ قالب القدم. وهذا ما كان ليفعله المصمم "سالفاتوري فيراغامو" الذي كان شغوفا بهذا التصميم الفروسي إلى درجة أنه اختار طوق قدم الفارس أو ما يعرف باسم الركاب، ليكون رمزه الأول في عالم الموضة. وهناك عنصر آخر علينا أخذه بعين الاعتبار، وهو حجم الكعب وارتفاعه، إذ يجب أن ينسجم بسهولة داخل الجزمة، فيمنح الفارس ثباتا مثاليا.
لن ننسى الفارسة "شارلوت كاسيراغي" وهي تركب حصانها في افتتاح عرض الربيع والصيف الأخير من دار "شانيل" . وإعادة تصور هذه الجزمة بمقاربة معاصرة ليست جديدة على الدار الفرنسية، إذ إنها تحت الإشراف الإبداعي للمصمم الراحل "كارل لاغرفيلد"، الذي كان خبيرا في هذا النوع من الأحذية، قدّمتها على شكل جزمة "ويلينغتون" الشهيرة، وقد انتعلت ذلك التصميم المغنية الشهيرة "ماريا كاري" في ١٩٩٤. أما اليوم، فنرى الجزمة الفروسية في نسخة "تشيلسي بوت" القصيرة والرائجة للغاية. ولا يمكننا سوى أن نتذكر الصورة الأيقونية لمجموعة موسم خريف وشتاء ١٩٩٢-١٩٩١ مع العارضتين النجمتين "كريستي تورلينغتون"، و"ليندا إفانجيليستا"، وهما تنتعلان جزمة ركوب الخيل، وتلعبان بكرة قدم بكل حرية ومرح. هي لقطة أبدية السحر، وتظهر لنا كيفية انتعال هذا الحذاء بطريقة تتحدى كل القواعد.
جزمة ركوب الخيل العزيزة على قلوب معظم علامات الأزياء لعبت دورا رئيسا في الكثير من العروض الأخيرة. لمجموعة "آريا" ARIA من دار "غوتشي" في ٢٠٢١، ابتكر المدير الإبداعي السابق "أليساندرو ميكيلي" جزمات وخوذات احتفت بالجذور الفروسية للدار. لاحقا، رأينا الجزمة على منصة عرض "هيرمس" لموسم خريف وشتاء ٢٠٢٢، وشرحت المديرة الإبداعية "ناديج فانهي-سيبولسكي" كيف عاملت هذه الجزمة وكأنها "باليرينا" فمدّت الساق وشكّلت بديلا للأحذية الثقيلة التي تستمر في الهيمنة على مجموعات العلامات الحالية.
أخيرا وليس آخرا، إن جزمة "ديور آمبرينت" DIOR EMPREINTE تستمد إلهامها من موضوع الفروسية المسيطر على مجموعة "كروز" ٢٠٢٣ من "ديور" تحت إشراف المصممة "ماريا غراتسيا كيوري"، وتمثل الكلاسيكية العابرة للزمن التي يتّسم بها هذا التصميم المثالي كلمسة أخيرة تتمم إطلالات الموسم.