مفهوم التنوّع والشمولية في الموضة... THE BEAUTY OF WOMEN
إعداد: HEBA NOUMAN
في عالم الموضة، كانت الشمولية التي تحتضن النساء من مختلف الأعمار وبمختلف الأجسام، عملية تدريجية وبسيطة تبلورت مع الوقت وما زالت قيد التطور.
الجيل الجديد من عشاق الموضة يتحدث عن هذه المسألة ويناقشها ويلقي الضوء عليها عبر منصات التواصل الاجتماعي، الأمر الذي دفع أرباب صناعة الأزياء إلى الإصغاء. على مر السنين، تحوّلت العلامات شيئا فشيئا، وتغيّرت العقليات، فظهر بشكل أكبر وأوضح مفهوما التنوع والشمولية، وهو ما أعطى الفرصة لعارضات الأزياء المختلفات من حيث خلفياتهن وأجسامهن وأعمارهن. وصار تكافؤ الفرص رائجا اليوم، مع إمكانية كبيرة للتحسن والتقدم في هذا المجال. قطعت دور الأزياء النسائية شوطا كبيرا، لكنه لا يزال أمامها الكثير من العمل من أجل تعزيز التنوع في اختيار العارضات وتحسين الشمولية من ناحية المقاسات. بعد تحوّل كبير مقارنة بفترة الثمانينيات، يبدو أن مفهوم التنوع على منصة العرض سيبقى، لا بل سيدوم.
مع ازدهار شبكات التواصل الاجتماعي أكثر من أي وقت مضى، أدّت النقاشات المتعددة حول مجال عرض الأزياء إلى إدراك كم أن مفهوم الجمال شخصي. وبدأ بعض أهم اللاعبين في ميدان الموضة المطالبة بالتنوّع لعارضات الإعلانات والمجلات وخشبات العرض في كل أنحاء العالم. وبفضل هذا التحرّك، تعرّف جمهور الموضة خلال أسابيع العروض في عام ٢٠١٩ إلى عارضات محجبات، وعارضات ذوات الإحتياجات الخاصة، وعدّة عارضات ممتلئات الأجسام. وقد لاقى هذا الازدياد في التنوع استحسان كل الناس الذين يطالبون بإلغاء معايير الجمال التقليدية.
الحركة الجديدة التي تحتفي بأشكال الأجسام الأكثر واقعية عززت الوعي في عالم الموضة، ودعمت مسيرات العارضات الممتلئات. وبعد أن صارت عارضات مثل "جيل كورتليفه" أو "ديفين غارسيا" مطلوبات أكثر وأكثر على خشبات العروض، حطّمن القاعدة القديمة التي تفرض على العارضة أن تكون صاحبة بشرة بيضاء وقوام بغاية النحافة والطول. بظهورهن على منصات عروض دور مثل "ماكس مارا" و"توري بورش" و"كلويه"، وفي حملات إعلانية وعلى أغلفة مجلات، يتحدّين تقاليد قطاع الأزياء، ويحملن إليه مفهوما جديدا للجمال لم يسبق له الحصول على فرصة للتألق.
كما استقبلت منصات العرض في السنوات الأخيرة عارضات ناضجات، ونذكر على سبيل المثال "ماي ماسك" التي أطلّت بأناقة طبيعية في عرض "دولتشي أند غابانا"، والأسطورة "كارمن ديل أورفيتشي" التي ما زالت تعمل في مجال عرض الأزياء وهي بعمر ٩١ سنة. دعت دار "رالف لورين" بدورها أجيالا مختلفة لتقديم عرض مجموعة الربيع والصيف، في لفتة مؤثرة وصائبة تذكّرنا بأن الموضة هي لكل الأعمار.
أما "فيكتوريا موديستا" التي بدأت تعرض الأزياء وهي في الخامسة عشرة، فقد حوّلت إعاقتها إلى نقطة قوة تفيدها، وقررت أن تلبس ساقها الاصطناعية وتزيّنها بما يتناسب مع العمل. اشتهرت بأسلوبها الجريء والريادي، الذي يتجلى مثلا في تغطية كاملة لساقها ببلور "سواروفسكي" أو بالأشكال المعدنية الفضية اللون.
في شهر سبتمبر الفائت، أصدرت مجلات الموضة أعدادا كانت بطلاتها مختلفات أكثر من أي وقت مضى، ومع دعم شركات الموضة الكبرى التي تعهّدت الترويج للتنوع والشمولية إلى أبعد حد، يبدو المستقبل أمامنا مشرقا. تشكّل الموضة جزءا أساسيا من المجتمع منذ اختراع الكاتالوغ في عام ١٨٧٢، وقد حدد قطاع الأزياء مع الوقت معايير الجمال العامة التي تجعل المجتمع يرى كل فئة بنظرة معينة. إذا، لو لم نرَ عارضات من ثقافات وجنسيات وأعراق وقدرات مختلفة على منصات العرض أو أغلفة المجلات، لارتبطت بعض فئاتهن بصور نمطية سلبية. لكن حين نلامس مبدأ الشمولية في عمل دور الأزياء، يصبح طبيعيا وعاديا ذلك الجمال الذي لا يتوافق مع القالب الذي حددته أفكارنا منذ أجيال وأجيال، وهو ما يسمح لكل إنسان بأن يعيش في سلام ورضى حيال مظهره الخارجي، وأن يحب من هو.
فيما نواصل سيرنا نحو مستقبل الموضة ودراستنا للمقاربات التي يجب اعتمادها من أجل تقديم دعم أفضل للنساء بكل مقاساتهن وأعمارهن وألوان بشراتهن، نسمع صدى صرخة يطلقها بشكل خاص أبناء الجيل الصاعد من أجل سماع نقاشات صريحة وصادقة حول موضوع الشمولية من الجهات القيادية في قطاع الأزياء. لطالما كانت الموضة وسيلة تعبّر من خلالها النساء عن أنفسهن، وستبقى كذلك، ومن ثم أصبح النهج الشمولي والمتنوع ضروريا من أجل صمود مستقبل الموضة في وجه قوّة بنات الجيل الجديد المستقلات الرأي.
نحن أمام موجة جديدة تغمر عالم الموضة، ولا شك في أنه ما من "مقاس واحد يناسب الجميع" .