سيكولوجيا الأزياء: هل تؤثر خياراتنا في ثقتنا بنفسنا
إعداد: HEBA NOUMAN
سيكولوجيا الأزياء هي الدراسة والعلاج المعنيان بطريقة تأثير اللون والصورة والأسلوب والجمال في السلوك البشري، فينظر هذا العلم التطبيقي إلى قدرة ارتداء الملابس الملونة على تمكيننا، وإلى سبب تأثير خيارات ملابسنا في ثقتنا بأنفسنا.
ما نرتديه يفرض الطريقة التي نظهر بها أمام من نتفاعل معهم، ولا شك في أننا بصفتنا بشر نتأثر بآراء الغير. فيزيد المديح والتعليق المجامل ثقتنا الذاتية، وبذلك يؤثر في مزاجنا ونفسيتنا. لكن هل يمكن للألوان والملابس التي نرتديها أن تؤثر فعليا في مزاجنا؟ إن العلاقة بين الأزياء الزاهية الألوان والسعادة ليست جديدة، بل إن فكرة زرع الفرح من خلال ما نلبسه أو ما يعرف بعبارة DOPAMINE DRESSING (أي ارتداء أزياء ترفع مستوى الدوبامين) شكّلت في الواقع منذ فترة طويلة موضوع بحث لعلماء النفس.
إلى جانب السيروتونين، يعد الدوبامين أحد "الهرمونات السعيدة" . إن هذه المادة الكيميائية المهمة التي ينتجها الدماغ، هي ناقل عصبي يرسل إشارات بين الخلايا العصبية أي وحدات العمل التي يتألف منها الدماغ، ويؤثر بقوة في المزاج والانتباه والتركيز والتحفيز. حين تكون مستويات الدوبامين منخفضة، نشعر بالإحباط، وحين ترتفع مستوياته، يتحسن مزاجنا طبعا. وقد تتعلق مستويات الدوبامين هذه بالأحاسيس التي تغمرنا حين نشتري ملابس جديدة ونرتديها. تتم دراسة مفهوم ارتداء قطع محددة لتحسين المزاج والشعور بالسعادة منذ عام ٢٠١٢، ووجدت إحدى الدراسات أنه حين ارتدى المشاركون ملابس ذات قيمة رمزية، ازدادت ثقتهم الذاتية الظاهرة. وعلى الرغم من أن هذه الدراسة لم تنظر بالتحديد إلى الألوان وتأثيرها، فإن مفهوم امتلاك بعض الدرجات اللونية خصائص علاجية هو موضوع يتداوله العلماء ويتفحّصونه منذ قرون.
العلاج بالألوان جذب اهتمام ثقافات مختلفة خلال حقب تاريخية، كما في الحضارة المصرية القديمة. وقد شق طريقه تدريجيا إلى هندسة الديكور والتصميم البيئي. على سبيل المثال، تُستعمل الدرجات الباردة لتعزيز التركيز، والأخضر الشاحب لنشر الهدوء. ضمن علم سيكولوجيا الألوان، هناك ارتباطات قوية بين درجات الألوان والحالات المزاجية، لكن ما قد يُفرح شخصا معينا قد يزعج شخصا آخر أو لا يؤثر فيه، لأن لكل منّا ارتباطا مختلفا مع كل لون بحسب تجاربنا الشخصية والتركيب النفسي الخاص بكل إنسان. أناقتنا الخاصّة تنبع من حاجاتنا الفردية، وهنا نتحدث عن وجه عميق من أوجه سيكولوجيا الأزياء، وهو ارتداء الملابس وفق الشخصية.
علم سيكولوجيا الألوان يقول إن الدرجات الصفراء والبرتقالية والحمضية تمدّنا بالتفاؤل، لكن صاحبة الشخصية الانطوائية قد تنفر منها وتنزعج. ومن المفترض أن تشعرنا الدرجات الباستيلية بالسعادة، لكن صاحبة الشخصية الجريئة أكثر قد تعتبرها سخيفة أو فائقة الحلاوة. للبعض، إن الألوان المشرقة هي أروع منشّط للمزاج، وبحسب ما ورد في دراسات حديثة، فإن ثقتنا الذاتية تزداد حين نرتدي القطع المفضلة لدينا والملونة بالدرجات الزاهية التي نحبها. يختلف مزاجنا وسلوكنا بديهيا حين تتشرب عيوننا اللون حتى يصل إلى جزء من الدماغ تقطنه عواطفنا. لذلك، فكّري في الألوان التي تجذبك، وألقي نظرة على سيكولوجيا الألوان للحصول على مقاربة شاملة أكثر.
على سبيل المثال، يمكن أن يكون للون "بيكر-ميلر بينك" BAKER-MILLER PINK (درجة وردية تذكّرنا بلون العلكة الفقاعية) تأثير مهدّئ. وإذا أردت دعم طاقتك والشعور بحيوية أكبر، فابحثي عن درجات برتقالية مرحة ومحفزة. ولبعث جو إيجابي في محيطك، جرّبي الأصفر المرتبط بالدفء والسعادة. لكن الإطار مهم للغاية حين يتعلق الأمر باللون؛ فإلى جانب الصيحات الحالية، يمكن لذكرياتك، وتقاليدك العائلية، ومعتقداتك الشخصية أن تؤثر كلها في نظرتك إلى الألوان المختلفة. وبذلك، حتى لو أظهرت الأبحاث أن بعض الدرجات الوردية مهدئة، قد تستفزك وتزعجك إحداها إذا ارتبطت في ذهنك بذكرى سلبية.
تتناول العالمة النفسية المتخصصة في سيكولوجيا الأزياء والمستشارة "شاكايلا فوربس-بيل"، التي أسست موقع FASHION IS PSYCHOLOGY، موضوع ربطنا لبعض الألوان بعواطف ومشاعر محددة. وتقول: "بعض تفسيرات الألوان عامّة. فنجد أن الألوان الباردة مثل الأزرق تحرك أحاسيس الهدوء والإبداع، فيما تحثنا الألوان الدافئة مثل الأحمر على الشعور بالقوة. لكن السعادة تجربة ذاتية للغاية، ولذا لا يمكن حصرها بلون واحد" . الصلة بين اللون والعاطفة معقّدة، لأن التفسيرات الثقافية الاجتماعية للألوان تلعب أيضا دورا في تحديد العواطف التي تختلج نفوسنا حين نلبسها. مثلا، يشير الأبيض في الثقافات الغربية إلى النقاء والبدايات الجديدة، لكنه في الثقافات الشرقية والآسيوية يرمز إلى الحداد والموت.
ومن المقاربات الأخرى التي يمكننا اعتمادها لدى التفكير في الأزياء وتعزيزها للدوبامين، المقاربة الشخصية التي تنظر إلى الملابس نظرة شخصية بدلا من ربطها برمزيات ومعانٍ عامّة. تُعلّمنا نظرية "الإدراك المتعلق بالملابس" ENCLOTHED COGNITION أن للصفات التي نعطيها لملابس معيّنة قوة كبيرة ووقعا حقيقيا. حين نرتدي تلك الملابس، تقدر هذه الخصائص التي حددناها أن تغيّر مزاجنا وإحساسنا وحتى سلوكنا وطريقة تصرفنا. فإذا كنت تعتبرين كنزتك الصفراء مفرحة، فستشعرين بالسعادة حين تضعينها عليك. إن هذه الأحاسيس طبعا شخصية. حتى إن ارتداء اللون الأسود قد يفرح بعض الأشخاص أكثر مقارنة بالتصاميم الزاهية الألوان، وكل ذلك يعتمد على الصفات والمعاني التي يربطها الفرد بالدرجة اللونية المحددة؛ لذا فإنه من المستحيل أن نحدد الألوان التي يجب أن يرتديها كل شخص يريد تحسين مزاجه، وهو ما يعني أيضا أنه من غير الضروري اعتماد ألوان نيونية مشرقة للشعور بسعادة أكبر. لكن هناك ما يثبت أنه في عالمنا الخارج من جائحة خانقة، قد يميل الناس عموما أكثر نحو ارتداء المزيد من الألوان. وهو سلوك ظهر مرارا عبر التاريخ، خصوصا في بريطانيا، حيث أثّرت التجارب الجماعية في اختيار الناس لملابسهم وفي كمية الألوان التي اعتمدوها. نعود هنا مثلا إلى حقبة "العشرينيات الصاخبة" الشهيرة بتألق أزيائها بعد فترة التقشف الصارمة خلال الحرب العالمية الأولى. كما يقول المثل الشهير، بعد العاصفة قوس قزح.
في ٢٠١٥، وجدت دراسة من "جامعة كاليفورنيا الولائية، نورثريدج" و"جامعة كولومبيا" أن الإطلالات التي نعتمدها قد تؤثر بشكل مباشر في طريقة تفكيرنا.
شملت الدراســــــة خمس تجـــــارب مختلفة، واستنتجت من خلالها أن لملابسنا علاقة بالقرارات التي نتّخذها. على سبيل المثال، قد تعزز سترة البليزر الرسمية حين نلبسها العمليات المعرفية في الدماغ، فيرى الإنسان أنه يفكّر بطريقة نقدية وكفوءة ومنطقية أكثر. لمن يرتدون اللون الأسود تأثير جماعي أكبر، لأنهم يبدون أكثر جزما. إذا كان هدفك النهائي هو الشعور بالثقة والقوة والسلطة لدى ارتداء اللون الأسود، فسينتج عن ذلك على الأرجح إحساس بالفرح. حين تلبسين أزياء تجعلك تشعرين بأنك واثقة من نفسك وسعيدة ومتمكنة، يمكنها أن تكون بمنزلة درع واقية في وجه أي مشاعر وتجارب سلبية. وحين نجرّب قطعا جديدة، "نلبس" شخصية جديدة، ونرى أنفسنا في انعكاس مختلف يصوّر هوية جديدة. يمر الإنسان بتغيرات في حالته العاطفية لدى حصول تحوّل ملموس في أسلوب أزيائه الشخصية، وقد اكتشفت بعض الدراسات أن للملابس جانبا يتخلص من التوتر والضغوط، فيكون أشبه بوسيلة هروب تنعكس إيجابيا على الصحة النفسية والرفاهية الشخصية.
تكمن قدرة الملابس على تعزيز المزاج في المعنى الذي نربطه بكل منها. فقد تشعرين لدى ارتداء التي-شيرت القطني المفضل لديك بدفء حميم يحاكي معانقة من تحبّين، ويعود السبب إلى ذكرياتك مع هذه القطعة. كما أن التأثيرات المرئية والمسموعة لكل مادة تترك وقعها الخاص على ما نشعر به أيضا. فتقول الأبحاث الأخيرة إن قماش الساتان ينبض بمزاج راقٍ حالما نراه، على عكس الأقمشة غير الشفافة التي تبدو عادة رياضية أكثر. وبالنسبة إلى الخصائص السمعية، فإن الملابس التي تُصدر بنعومة صوت حفيف مثل تلك المصنوعة من قماش التفتة، تُشعر من يرتديها بأنه أنيق.
من الممكن أن تختار الكثيرات منّا المزيد من الألوان، في ظل خروجنا أكثر فأكثر من قبضة الجائحة وسعينا إلى إضفاء لمسات فرح عديدة على خزاناتنا من جديد، الأمر الذي حاول المصممون التجاوب معه بشكل واضح وفق ما رأيناه على منصات العرض. أضاءت الألوان الجريئة سماء أسابيع الموضة العالمية في المواسم الأخيرة، مع ظهور الدرجات الحمضية المشرقة على خشبات العروض وخارجها. موضة الأزياء التي تشعرنا بالفرح وترفع معنوياتنا وتحسّن مزاجنا تجلّت في الملابس المحبوكة الحيوية الألوان، والقمصان غير التقليدية، والفساتين الصارخة بألوانها، والإكسسوارات النابضة بالطاقة والحياة. وبعد ما قدّمته عروض الأزياء الأخيرة، يمكننا القول إن درجات البرتقالي المنعش والوردي الصارخ والأصفر الحمضي قد تكون "الأسود الجديد" .
صحيح أن "هاشتاغ" DOPAMINEDRESSING#على "إنستغرام" يُظهر إطلالات بألوان ونقوش جريئة، لكن الأهم هو أن تلبسي قطعا تبدين وتشعرين فيها بأنك في أفضل حال، حتى لو كانت تصاميم أساسية حيادية الألوان أو موحّدة الدرجات. وإذا كنت تسعين إلى تحفيز أحاسيس السعادة والرضى من خلال مكوّنات خزانتك، فلست مجبرة على اللجوء إلى لون معيّن، بل اكتفي بالتفكير في الأشياء التي تعرفينها وتحبّينها.
عززي خزانتك من خلال إضافة المزيد من ألوانك المفضّلة إليها، تلك الألوان التي تذكّرك بشخص أو مكان أو أوقات سعيدة. اكتشفي ما هي الأزياء التي تربطينها بالثقة الذاتية والفرح، وارتديها.