
الفخامة والفن في أسبوع الأزياء الراقية بباريس
إعداد: NORA ALBESHER
حمل أسبوع الأزياء الراقية بباريس الذي أقيم في يناير الماضي الفخامة والفن وصور شكلية لأقصى درجات الحرفة، تمثلت في قطع ملبسيه اتخذت لها المدرجات كمنصة عرض. الأزياء الراقية أو بالمصطلح الفرنسي الرسمي "هوت كوتور" بمعناه التعريفي، هو أعلى مستويات صناعة الملابس والخياطة الرفيعة.
INFERNO من SCHIAPARELLI
انطلق أسبوع الأزياء الراقية في أجواء سريالية، حين قدم "دانييل روزبيري" المدير الإبداعي لدار "سكياباريلي" SCHIAPARELLI "إنفيرنو" INFERNO في متحف "القصر الصغير". لا شك في أن عرض "إنفيرنو" من "سكياباريلي" أشعل موسم الكوتور الباريسي الأخير، وهيمن على العناوين الرئيسية والنقاشات والتعليقات.

هل صار الجدل هو المكوّن السرّي الذي يضمن نجاح مجموعة معينة ويجعلها تحدث ضجة ملحوظة؟ في أيامنا هذه، أعتقد أن الجواب نعم. غير أن ما أثبته "دانييل روزبيري" من خلال هذه المجموعة هو طبعا موهبته المدهشة وفهمه المعمّق لأسلوب مؤسسة الدار "إلسا سكياباريلي"، ولكنه أيضا أثبت ذكاءه في الموازنة بين العوامل المفاجئة والمثيرة للاهتمام من جهة، والحرفية التي تستحق أن تكون في فئة الخياطة الراقية من جهة أخرى.
مصدر الإلهام خلف مجموعة الهوت كوتور لربيع 2023 من "سكياباريلي" كانت قصيدة "إنفيرنو" للشاعر "دانتي أليغييري"، التي تأخذك بكلماتها المهيبة في رحلة من الرعب والذنب والرحمة. ويقول "روزبيري": "الحيوانات هي أحد المراجع الأربعة التي أخذتها حرفيا من "إنفيرنو دانتي".


ويتابع: "في المرحلة الأولى من رحلته، يواجه الرعب. فيقابل أسدا، ونمرا، وذئبة أنثى". نتأت من الفساتين والملابس رؤوس حيوانات واقعية للغاية، مثل رأس الأسد الذي زيّن بالكامل الجهة اليسرى من أعلى فستان أسود مخملي يلامس بطوله الأرض، ويتميز بكمّيه اللامتماثلين، وقد أطلّت به على منصة العرض "إيرينا شايك". ونذكر أيضا النمر الثلجي الزائر وسط فستان بلا حمالات وبطول الركبة تألقت فيه أسطورة منصات العرض "شالوم هارلو"، ورأس الذئب الغامض الجالس على معطف أسود من الفرو الاصطناعي عند الكتف اليسرى للأيقونة "نعومي كامبل".
تدهشنا المهارة الحرفية التي تطلّبها تنفيذ هذه الأشكال، باستعمال فرو اصطناعي وراتنج ومركب رغـــوي لخـــلق هذه الــــرؤوس المهــيـــــــبة بمظـــــــــهرها ومنزلتها.
تراوحت معظم ردود الفعل حيال رؤوس الحيوانات من "سكياباريلي" بين الكره والصدمة والتساؤل حول معناها. وقد اعتبرها معظم الناس تحية إلى الصيد الرياضي أو الترفيهي الذي يحتفظ برؤوس الحيوانات على أنها تذكارات لنجاح الصيّاد. لكن لو عدنا إلى تاريخ الدار العريقة، لوجدنا أنها أُسست حول المفاهيم السريالية، ونفهم أن معناها لم يكن إلا رمزيا، وأن عامل الصدمة كان متعمدا، على طريقة المصممة الراحلة "إلسا سكياباريلي".


لطالما استُعملت رمزية الحيوانات على مر العصور، بســبب خصــــــائص كـــل منــــــها وســــلوكهـــــــــا ومـــزايــــاهــــــا. والتحيــــة التي عبـــّرت عنـــــها هـــذه الفســـــاتين المتــفـنـنـــة الساحرة، كانت موجّهة إلى تلك الحيوانات الرائعة، لا بهدف التزيين، بل بهدف إثارة أحاسيس معينة.


إذا اعتبرنا التاريخ ملائما لدعم هذه المجموعة، فلننظر إلى أحد أشهر تصاميم "إلسا سكياباريلي"، وهو فستان "الهيكل العظمي" العائد إلى عام 1938. ابتُكر هذا الفستان المصنوع من الكريب الحريري الأسود بالتعاون مع الفنان السريالي "سلفادور دالي". صُمم ليحتضن الجسم كبشرة ثانية وعليه خطوط ناتئة على شكل حدود الهيكل العظمي البشري. والنتيجة إطلالة لفستان أسود عدنا بالذاكرة إلى هذا الفستان عند رؤية إطلالات "دانييل روزبيري" المزيّنة بأشكال الحيوانات المستوحاة من قصيدة "إنفيرنو" للشاعر الإيطالي "دانتي أليغييري". أما الجزء المتبقي من المجموعة، فاشتمل على قصّات حادّة الخطوط بدت وكأنها طُبخت وسُبكت بالنار، في نظرة مختلفة لأحداث "إنفيرنو". وذكّرتني البنية الدقيقة والخصور المبالغ بها والأوراك البارزة بـ"الإطلالة الجديدة" NEW LOOK التي أطلقها الراحل "كريستيان ديور" في 1947. هنا نرى سترة تكسيدو رجالية تم التلاعب بنسبها وأبعادها بطريقة رائعة، وإطلالة أخرى مدهشة مؤلّفة من خشب مع جزء علوي مصوغ على شكل ألواح خشبية مرتبة لرسم خط عنق دائري وتنورة مصنوعة تماما من أكثر من 20 ألف حبة خرز خشبي متنوعة الأحجام. هذه الإطلالة الخشبية مستوحاة من العارضتين الخشبيتين اللتين أحبّتهما جدا "إلسا سكياباريلي"، وكان اسم الأولى "باسكال" والثانية "باسكالين".
إطلالة تلو الأخرى، أعادتنا هذه المجموعة الجميلة إلى الجوهر الذي ردد صدى تأثير "إلسا سكياباريلي" عبر التاريخ وصولا إلى يومنا هذا: الصدمة.
ASHI STUDIO COUTUREتحملنا الى القمر
وسط صخب أسبوع الكوتور الباريسي، "طرنا" فرحا وحلما مع "آشي استوديو كوتور"ASHI STUDIO COUTURE إلى القمر، من خلال مجموعة شاعرية عُرضت في "باليه دو طوكيو".

قدّم المصمم السعودي "محمد آشي" مجموعة الكوتور من "آشي استوديو" لربيع 2023 بعنوان "ضوء القمر والغبار" MOONLIGHT AND DUST.
موقع العرض كان مساحة شاسعة وطويلة أسرت مخيلاتنا بالرمل الأسود البرّاق فوق منصة العرض البيضاء، ورحنا نتساءل عن المعنى الغامض خلف الديكور، قبل أن نكتشف المجموعة المنتظرة فنفهم القصة.


خُففت الأضواء، وسمعنا أبيات شعر تعلن رومانتيكية هذه المجموعة ومزاجها القاتم الذي كشف عن عمق طبقاته وتعقيدها. وبعد وقت قليل، أشرقت الأضواء من جديد فوق خشبة العرض، وعكست الإطلالة الافتتاحية ما كنا قد رأيناه وسمعناه للتو، وتبعت خطاها الإطلالات الأخرى المتتالية.
"آشي" شاعر يكتب أبياته بالأقمشة، ويبرع في تحريك أحاسيسنا ومشاعرنا بابتكارات تنضح بالفخامة والسحر. وفي هذه المجموعة، احتضنت الأجسام قصّات حسية تتبع حدودها.
تألقت الدرجة البيضاء السكّرية التي صارت مرادفة لأسلوب "آشي"، بصورة خاصة في الإطلالتين الأولى والأخيرة. وبدت المجموعة رومانسية في ظل تناقض قيمتين متباينتين تماما، وهما الرقّة والدراماتيكية اللتين اصطدمتا في نسب متساوية لنسج تشكيلة عابرة للزمن بأناقتها. من خلال الخرز المعقد والأحجام الساحرة النابضة بالأنوثة، لم تركّز أعمال "آشي استوديو" على تفجر الأقمشة، بل على تقديم أحجام مدروسة تلتقي بالجسم الأنثوي في حوار استراتيجي يسمح له بالتعبير عن أوج جماله، دون المساومة على الجانب الخيالي من التصميم. أما الحرفية، فكانت واضحة وجلية حتى من بعيد.

تحت أقدام العارضات المتحركات ببطء شديد إلى حد ما، أصدرت حبيبات الرمل السوداء اللماعة قرمشة ناعمة، وفهمنا من النص الذي رافق العرض أن هذا الرمل يمثّل غبارا قمريا. وتقول قصة المجموعة:
"إن العاشقين "بينيلوبي" و"أوريون" تائهان وضائعان بين عالمين نائيين. كما تقول الحكاية الفانتازية، تبقى هي عالقة على أرض مهجورة يأكلها الغبار، وهو على القمر، ذلك الملجأ الناصع الذي تتوق إلى الوصول إليه. تكافح بطلتنا تحت أشعة الشمس، وهي تجمع غبار الأرض المحروقة حولها ورمادها، لتبني جبلا طويلا بما يكفي حتى يعلو فوق الغلاف الجوي، فتستطيع أن تنضم أخيرا إلى حبيبها بين النجوم".
في نفحة كلاسيكية، سيطر على المجموعة اللون الأسود، والدرجة البيضاء السكّرية المائلة إلى العاجي والتي صارت توقيعا للدار. أما القصّات، فكانت حادة الهيكلية في أجزائها العلوية، وفضفاضة في تنانيرها المصنوعة من قماش الأورغانزا. أما الزخرفات البلورية المتلألئة، وأشكال الأورغانزا المقطعة، وشرائط نسيج الموهير المحبوك، فتحاكي كلها عناصر طبيعية وُجدت على القمر أو انجرفت نحو الشاطئ.
يجيــب المصـــمم "محــــمد آشــــــي" عن أسئـــــلة مجلة "هي" في لقاء حصري يخبرنا فيه أكثر عن مجموعته الشاعرية المدهشة من الأزياء الراقية.

تعبّر تصاميم "آشي استوديو" دائما عن مشاعر قوية. افتُتح عرض هذه المجموعة مع أبيات شعر مرويّة. هل يشكّل الأدب والشعر العنصر الأكثر إلهاما لك؟
لا شــك في أنــني أستـــوحي مــن التــــاريـــــــخ، والأدب الكلاســـيــــــــــكي، وبشـــــــــــكل خـــــــــاص من الحــــــركـــــــــــة الرومانتيكية العائدة إلى القرن التاسع عشر بلوحاتها وأعمالها الأدبية. على غرار مرات كثيرة سابقة، كان ذلك نقطة البداية لقصة هذه المجموعة التي تحكي عن حب مستحيل. مع ذلك، تأثرتُ كثيرا خلال عملي على هذه المجموعة بالطبيعة والبحر والماء والرمل. فصممت عدة إطلالات لتبدو كأنها وُجدت على الشاطئ، فيظهر عليها تأثرها بالعناصر الطبيعية التي مرت عليها.
وفي سعيي إلى ترجمة العناصر الطبيعية من خلال التقنيات الحرفية، استخدمت مواد مثل الموهير الذي حافظ على لونه الطبيعي الأصلي.
المجموعة رائعة بالفعل، ومستوى الحرفية الممتازة ظاهر بكل وضوح. هلا أخذتنا إلى كواليس العمل وأطلعتنا على المدة التي استغرقها تنفيذ بعض القطع؟
عملنا هذا الموسم على نسيج أورغانزا حريري مهدّب ليبدو مهترئا. كما استعملنا الموهير الصوفي الخام الذي طرّزناه بالبلور. غير أن القطعة التي تطلبت أكبر عدد من ساعات العمل كانت بالتأكيد الفستان المطرّز والمصنوع تماما من الرخام.
لاحظنا التوازن الذكي بين الأحجام الدراماتيكية الصادمة التي نربطها بعالم الكوتور، والقصات الحسية الناعمة التي تبدو قابلة حقا للارتداء. ما مفهوم الكوتور الذي تعتمده دار "آشي استوديو" مع عملائها؟
مع كل زبونة للكوتور، أبني علاقة جديدة. لكن هدفي العام هو أن أقدّم إلى كل زبونة إطلالة تشبهها وتتمسك في الوقت نفسه بالجانب الخيالي الحالم من عالم الأزياء الراقية.
"حيدر أكرمان" يجلس على العرش الإبداعي لـJEAN PAUL GAULTIER
في باريس، كانت هناك مجموعة مشوقة تنتظر الكشف عن روعتها: مجموعة الأزياء الراقية لربيع 2023 من دار "جان بول غوتييه" JEAN PAUL GAULTIER من تصميم "حيدر أكرمان" HAIDER ACKERMANN.
في الواقع، إن إحدى أروع مبادرات عالم الموضة التي حظينا بفرصة رؤيتها تتبلور في أيامنا، هي الخطوة المبتكرة التي اتّخذتها دار "جان بول غوتييه"، بحيث تدعو في كل موسم مديرا إبداعيا جديدا لتصميم مجموعة أزيائها الراقية. مع ترجمات وتفسيرات لا تعد ولا تحصى، وانصهار وجهات نظر إبداعية مختلفة تصطدم وتنسجم عبر السنين، تتألق مواهب هؤلاء المبدعين تحت راية هذه المبادرة التي تهدف إلى تكريم أحد أشهر المصممين الباريسيين الذي لقّبه عالم الموضة بعبارة "الولد الشقي".



"حيدر أكرمان" هو رابع مصمم يجلس على العرش الإبداعي لدار "جان بول غوتييه"، وأتى دوره بعد "أوليفييه روستان" المدير الإبداعي لدار "بالمان". لدى الاطلاع على مجموعة "أكرمان" لدار "جان بول غوتييه"، نجد أنها في جوهرها مختلفة للغاية مقارنة بأعمال أسلافه. بدلا من أن تكون تحية، كانت هذه المجموعة اصطداما اندلعت نيرانه من الإطلالة الأولى.
وفيما عمّ الهدوء أجواء القاعة، دخلت العارضة الأولى مرتدية بذلة سوداء بمعطف ذي ذيل، تضاربت فيها الخياطة الصارمة مع نمط الثنيات الزاويّة في وسط الصدار. الاصطدام موجود في تصاميم البوستييه شبه المخروطية والعناصر الريشيّة المرادفة لأسلوب "جان بول غوتييه"، فكانت انحرافا مرحا وناعما عن خطوط "أكرمان" الحادّة للغاية.

إن أحد العناصر الدراماتيكية المرتبطة بأعمال المصمم "جان بول غوتييه" هو استخدامه المعقد للريش، وقد انعكس على الإطلالة الرابعة، حيث تنبثق بقوّة أرياش من قميص منسّق تحت بذلة سوداء أنيقة ذات قصة ضيقة متقنة الخياطة. ونذكر أن الريش هنا ملون بالأزرق، وهو لون لطالما تضارب مع الأبيض في الخطوط الأفقية البحرية الإلهام التي صارت توقيعا آخر لمجموعات "جان بول غوتييه".
لفتنا فستان أسود طويل الكمّين مزيّن بحواف ذات لون أزرق مائي مشرق. بدا محتشما من الجهة الأمامية قبل أن يكشف ظهره المفتوح، في قصة واسعة بعض الشيء تسمح بالحصول على نظرة خاطفة للبطانة المدهشة. على كامل الفستان، بطانة مزدوجة اللون، حيث ظهر الأزرق على الظهر والأخضر الحيوي من تحت التنورة مع كل خطوة قامت بها العارضة، ولا شك في أن تنفيذها تطلّب مهارة استثنائية.

وقد اجتمعت قطع الكورسيه القفصية الآتية مباشرة من عالم "غوتييه" بالألوان المتضاربة التي أضفاها "أكرمان". واستمر ظهور البطانات المتباينة والقصات المتقنة الخياطة في أرجاء المجموعة.
لدى إعلانه تصميم هذه المجموعة لدار "جان بول غوتييه"، كتب المصمم "حيدر أكرمان" في منشور على "إنستغرام": "الخياطة الراقية تبقى بعد أن يرحل كل شيء آخر". رأينا أيضا إطلالات تردد صدى الهوت كوتور في خمسينيات القرن الماضي، ومن بينها معطف أبيض مع ياقة واقفة وظهر على طراز ما يعرف بـ"الفستان الفرنسي"، وفستان نيلي أضاءته هالة حنين إلى ماضي الكوتور الذهبي. وقد ضاقت القصات المدورة الضخمة والواسعة الأكتاف تدريجيا، لتتحول إلى قصات ضيقة في أجزائها السفلى.

مع اقتراب نهاية العرض، توالت إطلالات سوداء ركّزت بشدّة على القصّة، وكانت أشبه بظلال في وقفات عابرة تحضّرنا لإطلالة العروس الختامية. وكان هذا الجزء من العرض تحية إلى مجموعات الهوت كوتور التقليدية. الإطلالة الزفافية انبثقت من قلب الظلمة بإشراقها، مع غطاء ملائكي للرأس، وكاب مربوط عند خط العنق بعقدة مفعمة بالأنوثة. ويعانق هذا الكاب تصميم جمبسوت ضيقا تميز بملمس شبيه بالحراشف.


بعدها، وصلت لحظة سطع فيها نجم اللقاء بين الحمضين النووين لكل من "أكرمان" و"غوتييه"، لحظة ربطت الهويتين الإبداعيتين عبر الدمج بين الأسلوب المسرحي الكوميدي من "جان بول غوتييه" والخياطة المثالية من "حيدر أكرمان". هنا، تحوّل سروال التكسيدو إلى جمبسوت مسائي أسود واسع الساق، وقد ثبت الجزء العلوي عن طريق حزام رفيع أنيق من الجلد الأسود يمسكه شريطان على شكل حمالات البناطيل التقليدية. الانتباه الدقيق إلى التفاصيل ينعكس أيضا على الجزء الخلفي من الجمبسوت، حيث تلتقي الحمالتان القابلتان للتعديل عند أعلى الظهر في تصميم هزلي وذكي في الوقت نفسه.
فجر ذهبي مع "إيلي صعب"
"فجر ذهبي" كان عنوان مجموعة الهوت كوتور من "إيلي صعب" ELIE SAAB لربيع 2023. بعد أربعين سنة على بداية القصة، ما زال المصمم اللبناني "إيلي صعب" الرائد في الدمج بين الزخرفة والأنوثة والفخامة الشرق أوسطية من جهة، والقصات الغربية من جهة أخرى. والنتيجة أناقة تخطف الأنفاس وتتبلور في كل مجموعة يبتكرها المصمم موسما بعد آخر، وتتكلل بتفاصيل معقدة وأعمال تطريز فائقة الدقّة.



لمجموعة الهوت كوتور لربيع 2023، سافر بنا "صعب" إلى طبيعة تايلاند وثقافتها الغنية. وترجم مصدر إلهامه باستعمال لوحة ألوان هادئة من الدرجات الذهبية والبيجية والوردية والخضراء والزرقاء الباستيلية، التي عكست دفء الشمس ونورها والجمال الرومانسي العابق من أزهار الطبيعة. وتداخلت إطلالات رجل "إيلي صعب" مع الملابس النسائية، وتزيّنت أيضا بالزخرفات المترفة.
انبعثت فخامة ملوكية وأناقة خالدة من روعة حبات الستراس والبلور المتلألئة المنسوجة في كابات معدنية دقيقة ومعاطف ضخمة مترفة منسدلة فوق الفساتين. وختمت مجموعة الفساتين المسائية المدهشة، إطلالة العروس المتوّجة بطرحة طويلة كمّلت الفستان المكشوف الكتفين والمميز بتنورة متسعة تدريجيا ومزينة بأشكال الأزهار.
DIOR تكرّم "جوزيفين بيكر"
أعادنا عرض الأزياء الراقية من دار "ديور" DIOR إلى عصر الجاز، مع مجموعة ذهبية تمحورت حول قصة الراقصة الفرنسية ذات الأصول الأمريكية "جوزفين بيكر". منذ تعيينها مديرة إبداعية للدار الفرنسية العريقة، جعلت المصممة الإيطالية "ماريا غراتسيا كيوري" قلب عهدها ينبض بروح الحركة النسوية، فوجدت إلهامها في بطلات قويات ومؤثرات من الماضي، من "كاترين ديور" إلى الملكة "كاترين دي ميديتشي"، وصولا إلى "جوزفين بيكر".


"كيوري" تعشق التاريخ والفن، الأمر الذي يتجلى بوضوح في العناوين التي تختارها لتقديم مجموعاتها. موقع عرض مجموعة الهوت كوتور لربيع 2023 كان متحف "رودان" الباريسي، الذي اكتست جدرانه بأعمال تحمل توقيع الفنانة الأمريكية الإفريقية "ميكالين توماس" وتمثّل بورتريهات لنساء قويات ورائدات ذات أصول إفريقية أو مختلطة. إحداهن كانت مصدر الإلهام الأساسي خلف المجموعة، وهي "جوزفين بيكر" التي كانت صديقة مقربة للسيد "ديور" وإحدى زبوناته الوفيّات. سعت دائما إلى ارتداء ملابس تعكس مكانتها النجومية، وشكّلت مجموعة هذا الموسم تحية تكاد تكون ملموسة ومادّية إلى الراقصة والمغنّية الأسطورية.
هيمن هنا الذهبي المعدني، والبيج المتلألئ، إلى جانب الدرجات الكريمية. ظهرت فساتين تلامس بطولها الأرض مصنوعة من المخمل المغضّن لتشبه رداء الروب المنزلي، قبل أن تتكلل خشبة العرض بلباس مليء بالحركة والخرز الذي راقص الأضواء في انعكاس مثالي.


أرخت "كيوري" هيكلية "الإطلالة الجديدة" المتجذرة في هوية "ديور"، فصارت سترة "بار" الشهيرة أوسع وأنعم، واجتمعت مع تنورة مطابقة ذات قصة مستقيمة ومتوسطة الطول. ولمع سحر أناقة "ديور" العابرة للزمن في إطلالات كلاسيكية سوداء، من معاطف وتصاميم جمبسوت من دون حمالات، إلى فستان ذي جزء علوي منسدل وخط عنق عريض عال وطرف سفلي ذهبي يبرز في بحر أسود.
وأسلوب وفيّ لإطلالات CHANEL"كوكو شانيل" الأيقونية
كما عوّدتنا دار "شانيل" CHANEL، عرضت مجموعة أزيائها الراقية في القصر الكبير. تعاونت المديرة الإبداعية "فيرجيني فيار" مع الفنان "إكزافييه فيان" لتقديم مجموعة الأزياء الراقية لربيع 2023. والنتيجة كانت منصة عرض تسكنها منحوتات حيوانية ضخمة بدت مصنوعة من الكرتون والخشب والورق. وأعاد من خلالها الفنان تصوّر أحد أهم العناوين ومصادر الإلهام بالنسبة إلى دار "شانيل": شقّة "مادموازيل كوكو شانيل" على شارع "كانبون". نظر تحديدا إلى الألوان الدافئة التي تكسو مفروشاتها، ووفرة الكتب والأعمال الأدبية الموجودة في مكتبتها، وفي المقام الأول الحيوانات التي زيّنت طاولاتها الجانبية وزوايا أخرى استراتيجية في منزلها، ومنها جمل وأسد وغزال.

بدأ العرض حين سارت العارضة الأولى خارجة من منحوتة على شكل طير مريّش، وقد بدت لي إطلالتها أشبه برسم أوّلي كلاسيكي للراحل "كارل لاغرفيلد" أبصر النور بمساعدة "فيار". توّجت قبعة عالية سوداء معطفا عسكري الطراز من قماش التويد الأبيض ومنسّقا مع تنورة قصيرة بيضاء مزخرفة بالريش وظاهرة قليلا من تحت المعطف. وبأسلوب وفيّ لإطلالات "كوكو شانيل" الأيقونية، مشت العارضة على المنصة منتعلة صندلا مسطحا أسود اللون. تواصل "فيرجيني فيار" صون الصورة التي تركها سلفها "كارل لاغرفيلد"، لكنها تضيف دائما لمسة شبابية بسيطة إلى الفخامة والأنسجة المعقدة الراقية التي ارتبطت بإبداع "لاغرفيلد".


أهم الإكسسوارات المختارة كانت القبعة العالية وربطة العنق القوسية، وعكست بذلات السراويل القصيرة وبذلات التنانير القصيرة المصنوعة من التويد مقاربة مرحة في التعامل مع رموز الدار الراقية. وشقّت الرموز الحيوانية طريقها إلى التطريزات على السترات، وتداخلت مع التويد الأيقوني بحبّات الكريستال والخرز.