رقص على الإيقاع... تأثير الموسيقى على الأزياء وصيحاتها
إعداد: "هبة نعمان " Heba Nouman
منذ أن دخلت الموسيقى بأنغامها وأصواتها إلى حياة الإنسان، أثّرت في أزيائه وصيحاتها. بدءا من الأنواع الموسيقية التي نشأت في عقود مختلفة، مرورا بالموسيقيين الذين غيّروا قواعد لباسنا، وصولا إلى الأغاني التي جسّدت مزاجا أو أسلوبا معيّنا، لطالما كان تشابك الموسيقى والموضة واضحا وأكيدا.
ازدادت شعبية موسيقى الجاز بشكل هائل خلال عشرينيات القرن الماضي في أرجاء الولايات المتحدة، وحملت معها أول تغيير بارز في عالم الموضة عام 1921. حقبة الديسكو أرست بدورها حركة جديدة قائمة على الحرّية، حين انتعل الرجال أحذية ذات كعوب سميكة مع بذلاتهم، وارتدت النساء فساتين وتنانير فضفاضة سمحت لهن بالتحرّك على حلبة الرقص. كما أتاح عالم الديسكو للناس ارتداء ما يريدونه، فكنّا نرى البعض في تصاميم "بوديسوت" من قطعة واحدة أو في سراويل وقمصان من الساتان، الأمر الذي غمر عناوين الحفلات الساهرة بهالة من التألق.
في التسعينيات، ظهرت تحدّيات أغاني الراب ورقص "بريك دانس" الحر، الأمر الذي أثمر موضة متأثرة بثقافة الهيب هوب ومؤلفة من قمصان قصيرة، وبذلات رياضية، وقمصان تي-شيرت برسوم غرافيكية، وأحذية رياضية، تزيّنها عقود ثقيلة من سلاسل معدنية متعددة.
السبب الأساسي خلف الترابط المعقد بين الأزياء والموسيقى هو تحوّل الموسيقى إلى وسيلة للتعبير عن الفردية والمعتقدات السياسية والأفكار المختلفة. وفي أحيان كثيرة، نرى أشخاصا يرتدون ملابس معينة، وينسّقونها بطريقة محددة، بسبب أنواع الموسيقى التي يستمعون إليها أو فنانين يقدّرونهم ويريدون تقليدهم في إطلالاتهم. إذا نظرنا إلى كل عقد من عقود القرن الأخير، فسنلاحظ تأثير الموسيقى في الأزياء (والعكس صحيح) في كل واحد منها تقريبا، الأمر الذي أسهم إلى حد كبير في صياغة اتجاهات عالم الموضة.
C L A S S I C A L
كلاسيكية
الموسيقى والأداء الكلاسيكيان تجربة مسموعة ومرئية، وصارت الأناقة الراقية التي تتمتع بها راقصات الباليه وإطلالاتهن الديناميكية نمطا يواصل إلهام مصممي الأزياء لدى ابتكار تصاميمهم.
يعود رقص الباليه إلى القرن الخامس عشر، حين ارتدت الراقصات طبقات متعددة من الأزياء المزركشة والأقنعة وإكسسوارات الرأس والتفاصيل الزينية. تلك الأزياء المقيّدة التي كانت موجودة آنذاك، بدت للعين فاخرة وباذخة، لكنها بطبيعتها صعّبت حركة الراقصة، وأدّت إلى التزام الراقصات بحركات صغيرة.
لكن بعد تصميم تنورة التوتو المتعددة الطبقات، أسهم الزي الجديد في تعزيز حرّية الحركة وإبراز تأثيرها البصري الذي أعطى انطباع الخفّة والطيران.
في مواسم الموضة الأخيرة، لاحظنا وجودا كبيرا للتلميحات إلى عالم الباليه من خلال الطبقات الشفافة وكشاكش التول الريشيّ الخفّة، في قطع مفعمة بالأنوثة والأناقة. القصات الناعمة والرومانسية تتناغم بشكل رائع مع نعومة الأصوات الكلاسيكية ورومانسيتها، لأنها تسير يدا بيد.
حين أشاهد ابنتي المراهقة وهي ترقص، بعد أن تدرّبت وتعلّمت الباليه خلال السنوات العشر الماضية، أشعر بفرح كبير لملامسة احترامها الراقي لهذا الفن الكلاسيكي (وهو أمر نادرا ما نراه لدى أبناء الجيل "زد" في هذه الأيام!). وعلى الرغم من أن أسلوب أزيائها يميل إلى الهيب هوب أكثر منه إلى الكلاسيكي، لا شك في أن هناك تباينا جميلا بين أناقة التدريب الكلاسيكي وصيحات الموضة الشبابية العاكسة لأزياء العصر الحالي.
DISCO
ديسكو
يمكننا القول إن صرعة الديسكو وصلت في السبعينيات إلى أوجها، بالتزامن مع حركات التحرير النسائية في الولايات المتحدة التي انبثقت وقتها وحضّت النساء على التحرر في أزيائهن أيضا. وبفضل أيقونات الديسكو مثل "دونا سمر" و" ديانا روس" وكل النساء اللواتي ترددن إلى عناوين السهر المتألقة مثل "استوديو 54" الأسطوري، لدينا اليوم وفرة من الصور الفوتوغرافية التي تُظهر موضة تلك الحقبة المفعمة بالمرح. وتنسجم تلك الأزياء اللافتة مع المعاني التاريخية التي حملها عالم الديسكو ككل، بحيث شكّل في السبعينيات خصوصا مساحة للتحرر والتعبير.
لو أردنا تصنيف أسلوب الديسكو، فسنصنفه على أنه صارخ ومبهرج. ومحاكاة الإطلالات الأيقونية التي نتذكّر بها مغنيات مثل "غلوريا غاينور" تتطلب شعرا مجعّدا في تموّجات محكمة، وأقراط أذن ضخمة، وأحمر شفاه زاهيا. بتاريخه الحافل، لا شك في أن إرث الديسكو في عالم الموضة يستحق الاحتفاء به. وإن تكريم علامات الأزياء له بشكل خافت وماهر، يعيد إثبات تأثير الموسيقى في عالم الموضة، وذلك من خلال عودة القطع الصارخة الجريئة، وحبات الترترة، والسراويل المتسعة بعد الركبة.
أعتقد أن هذا الأسلوب هو خياري الأول حين أريد إضفاء لمسة تألق على إطلالتي، وقد يكون الجمبسوت على الأرجح هو القطعة المفضلة لدي، والتي تذكّرني دائما بتلك الحقبة تحديدا وبالموضة السهلة التي رافقتها.
H I P H O P
هيب هوب
بدأ رواج ثقافة الهيب هوب قرابة عام 1979 حين أحدثت فرق موسيقية مثل "ران دي إم سي" ضجّة ملحوظة، بفضل موسيقاها الفريدة التي تمزج الراب بالفانك والدقّات الإلكترونية، بأسلوب لم نكن قد سمعناه قبل ذلك. وقد ألقت هذه الثقافة ضوءها على العلاقة بين الموسيقى والأزياء.
بحلول أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات، انتشرت موسيقى الهيب هوب بشكل مذهل، وصارت من أكثر أشكال الموسيقى شهرة ورواجا، الأمر الذي حمل معه موجة جديدة إلى عالم الموضة بعد أن صار ارتداء ملابس واسعة وفضفاضة جزءا من هذا المشهد الثقافي. ولا يتّضح هوس عالم الموضة بأزياء الشارع فقط من خلال ازدياد شعبية العلامات المتخصصة في هذه الملابس، بل أيضا من خلال تصاميم تحاكي جماليات أزياء الشارع، وتقدّمها علامات عريقة متخصصة في السلع الفاخرة. ومن أبرز صيحات موضة الهيب هوب التي رأيناها عبر السنين، نذكر السراويل الواسعة، وبذلات "أديداس" الرياضية، والقمصان الرياضية الفضفاضة، والقبعات ذات قصة الدلو، والألوان الصارخة، وتعدد عقود السلاسل الذهبية، وما زلنا نراها كلها على خشبات العروض اليوم.
وقد شهدت العلاقة بين الهيب هوب وعالم الموضة تحوّلا كاملا، بعد أن انتقل مجال الهيب هوب من كونه ثقافة مضادّة لها أزياؤها الخاصة، إلى ثقافة يمكننا أن نقول عنها: إنها الأكثر تأثيرا في صيحات الموضة الأساسية حاليا.
JAZZ
جاز
في هذا العصر، قد تبدو موسيقى الجاز "نظيفة" وبريئة، لكنها كانت متمرّدة للغاية خلال سنواتها الأولى، لأنها كانت أول نوع موسيقي استمع إليه الناس بشكل شبه حصري في الملاهي الليلية التي كانت تستضيف أشخاصا من كل الأعراق. كما كانت لموسيقى الجاز رسائل نسوية باطنية، وغيّرت بذلك طريقة تصرّف النساء وارتدائهن ملابسهن.
الفستان المنخفض الخصر أبصر النور، وانتشرت إكسسوارات مثل الحبال الطويلة من اللؤلؤ والخرز الزجاجي. وتطوّرت الفساتين أكثر، لتشبه فساتين "شيفت" shift التي وصلت حتى الركبة، وكانت فضفاضة بعض الشيء لتلائم رقص الجاز، ولم تكن مقيدة بخطوط خصر. يستقي مصممون كثيرون إلهامهم اليوم من عصر الجاز، مع فساتين ساتانية ذات تفاصيل مدروزة وشراريب، إلى جانب حبال اللؤلؤ الطويلة التي نراها لدى "شانيل" .
ما أجمل أن نرى هذه التلميحات الصغيرة تتجدد وتتكيف لتصبح تحية معاصرة إلى حقب موسيقية مضت، وتلقي الضوء على أهمية التأثير المتبادل بين الفنَّين.