التمييز بين الأزياء المفاهيمية والعرض المفاهيمي
في محادثة من جانب واحد تُطلقها قراءة هذا المقال، بهدف إثارة التأمل والتَفكر بالموضة، أُناقش وأُسلط الضوء على موضوع يتكرر بشكل مكثف، خاصة خلال عروض الأزياء الأخيرة أكثر من أي وقت مضى.
في الموضة اليوم، وجود ودور وسائل التواصل الاجتماعي هائل للغاية في التأثير وتسليط الضوء. فقد أثرت منصات التواصل الاجتماعي على ديناميكيات الصناعة تماما وهذا أمر مفهوم، تتكيف الموضة مع كل عصر بما فيه من وسائل واسلوب حياة.
وفي الوقت الحالي، تسود وسائل التواصل الاجتماعي بخوارزمياتها ومشاركاتها الفورية وفترة الانتباه القصيرة التي يعيش بها المحتوى لفترة وجيزة مثل الوقت بين كل نقرة على الشاشة للتمرير لأعلى ثم التراجع مرة أخرى للأسفل.
في عالم منصات التواصل الاجتماعي، تعد "اللحظة المُحطِمة للأنترنت" معادلة معقدة للغاية وصعبة الاتقان فهي متقلبة في ذلك لأن النتيجة متغيرة على نطاق واسع ولا يمكن التنبؤ بها ولكن عندما تنجح في التأثير، فإن لديها القدرة على وضع أي اسم على الخريطة ورفعه إلى أعلى الموضوعات الشائعة وضربها في منتصف صفحة الاستكشاف.
كان البحث عن نتيجة هذه "اللحظة الشهيرة" هدفا لعدد من المصممين بدلالة لحظات الأداء المذهلة أو الأعمال المثيرة التي دفعت الجميع إلى رفع هواتفهم الذكية لالتقاط المشهد الغريب بدلا من التقاط لقطات أقرب ومفصلة للحرفية العالية للثوب او القطعة التي تمر على المدرج.
في أسبوع الموضة في كوبنهاغن، انتشرت العلامة التجارية بعد أن نهضت العارضة الختامية للعرض من طاولتها حيث كان الضيوف جالسين وسحبت مفرش المائدة بالكامل (الذي كان متصلا بتنورتها) معها، مما تسبب في اصطدام الأطباق والأكواب بالأرض.
يُظهر الفيديو العالي الانتشار "دال"، شريكة المؤسس المشارك لعلامة (di)vision سيمون ويك، وهي ترتدي مشدا ورديا وتنورة قصيرة وتبدو وكأنها تبدأ نخبا قبل الانخراط في تطور حبكة المساء. امتلأت الطاولات بالأطباق والمحار وأعقاب السجائر ودعوات البطاقات البيضاء مع بقع زجاج النبيذ.
هذا المشهد الجريء الأدائي كان جزء من مجموعة العلامة التجارية لخريف 2023 بعنوان "Dressed for Disaster".
لحظة انتشارية أخرى تنتمي إلى أسبوع الموضة في باريس، كانت لدى كوبرني أكبر حصة من كعكة تحطيم الانترنت في الموسم السابق من ربيع 2023.
حيث تم رش فستان مباشرة على جسد عارضة الأزياء بيلا حديد خلال عرض حي في وقت عرض الازياء.
في الموسم الأخير من خريف عام 2023، كان المصممان الشريكان لعلامة كوبرني سيباستيان ماير وأرنو فيلانت يهدفان إلى إعادة إنشاء تأثير كسر الإنترنت حيث بدأ عرض الأزياء في جو مظلم طغى عليه اثارة التكنولوجيا، مليئ بروبوت "Spot" الذي يمكن التعرف عليه على الفور من Boston Dynamics.
سارت العديد من الروبوتات الصفراء الشبيهة بالكلاب في مجموعة كوبرني بينما كانت العارضات تسير بينها، وهو مشهد قريب للسينمائي وكأنه يحاكي فلما من الخيال العلمي.
بدأت روبوتات Spot في النهاية في التفاعل مع العارضات. كان أحدهم يرتدي ذراعا تداعب وجه عارضة الأزياء قبل أن تسحب السترة عن أكتافها.
في لحظة اخرى، حمل روبوت الكلاب أحد تصميمات حقائب كوبرني الجديدة ورفعها عالياً.
كان هناك أيضا عرض AVAVAV لخريف 2023، حيث شوهدت الملابس وهي تتمزق من العارضات، وكانت الاحذية تقع من أقدام العارضات وفي النهاية سقط الديكور بالكامل.
واجهت المديرة الإبداعية السويدية بيت كارلسون جدية الموضة بعرض ازياء أدائي، وتحررت الملابس والإكسسوارات وخرجت من عارضات الأزياء على أنها تحررت من تقاليد الموضة. المجموعة بعنوان "زيفها حتى تكسرها".
النتيجة الجماعية المادية والملموسة لتلك العروض تكاد تكون معدومة لأنها اعتمدت بشكل كبير على الأداء والوسائل البصرية لسرد كل رواية خاصة بهم.
وضع عروض الأزياء الماضي في نقطة تركيز اليوم وبنظرة في تَفَكرية نظرة تعيدنا بحنين الى وقتٍ مضى كمرجع نستند عليه بدل من مقارنة صارخة، في حين أبحث من خلال الارشيفات الرائعة حقاً ورؤية الملابس التي يعود تاريخها قديما إلى نقطة 1900 وأوائل 20s وما بعدها.
أجد ملابس حقيقية مٌنفذة بتقنيات تُعلن عن صانعيها، والمهارات التي تفصل بينهم والأسلوب والذوق الفريد الذي يجعل عملهم معروفا ومتميزاً الى الابد.
أخذني قطار أفكاري إلى التساؤل الطبيعي والإدراك أن الملابس الرائعة حقا هي ما يميز المصمم، وما يميز إرثه وما سيتم عرضه في النهاية في المعرض فني يستعرض اعمال المصممين. دون أي وسيلة مُساعدة للعرض. يجب أن يكون لها قوة فنية مُتجسدة وملموسة كافية للوقوف لوحدها ورواية القصة بمفردها.
في أزياء اليوم، نرى صعود التوجه المسرحي والعروض المفهومية التي تبدو وكأنها تحمل من العمل والجهد الذي تم وضعه فيها أكثر من المجموعة الفعلية التي من المفترض أن تدور حولها كنقطة تركيز وان تساعد في تضخيم أثرها الدرامي وابرازها فقط.
كمحررة مهتمة بالأزياء الراقية بالدرجة الاولى اكثر من غيرها أنظر إلى الوراء الى أواخر التسعينات كما اعتقد بانها ذروة الأزياء الراقية حيث تحولت الملابس إلى شخصيات، سواء كانت خيالية أو واقعية ولعبت دورا سحريا في ما بدا وكأنه إنتاج كامل يستحق الجلوس والتَفكر في كل جانب من جوانبه..فعلياً يكون هروب من الواقع بالموضة.
هناك فرق كبير بين الموضة المفاهيمية والعرض المفاهيمي. سكاباريلي وألكسندر ماكوين وجون جاليانو على سبيل المثال وليس حصراً، أسماء بارزة في تاريخ الموضة الذين صمموا الملابس لرواية القصص فتلاعبوا بالأقمشة، وزينوها، وبنوها، وشيدوها لنقل مفهوم، كانت الملابس هي العرض. الفساتين والملابس التي تنبض بالحياة مع الموسيقى، وعارضات الأزياء الذين يحيونها من خلال إيماءات اليد والمشية الدرامية وتعبيرات الوجه.
يوفر اختيار المكان الجو الأكثر تعبيراً ومساحته المحسوبة.
المجموعة الرائعة حقا عندما يتم تجريدها من جميع العناصر الضرورية التي تجعل العرض عرضاً، ستظل توحي بالمعنى وتوصل رسالة من خلالها فقط...القيمة الملموسة والمنتج النهائي.
لنأمل أن يعود تحول التركيز مره اخرى الى ارث الموضة الفعلي والحقيقي، الملابس.
