A FASHION ESCAPE... مجموعات "ريزورت" الهروب من المؤقت من خلال الفصول
إعداد: NORA ALBESHER
في عالم الموضة وضمن إطار جدول مواعيده الرسمية، تبقى الأهمية الكبرى لمجموعات الموسمين الأساسيين التي تحظى بالحصة الأبرز من انتباه الجمهور ومتابعته. عروض الملابس الجاهزة للربيع والصيف وللخريف والشتاء التي تحدث مرّتين في السنة، تلبّي بمجموعاتها حاجات خزاناتنا بحسب طقس الموسم المعيّن؛ ومن خلال تقديم هذه المجموعات قبل موسمها الفعلي، يحدد المصممون الصيحات والأساليب والإطلالات والاتجاهات المقبلة، ويضعون بذلك قواعد ما سنرتديه ونتوقعه لموسم كامل.
في عصر الاستهلاك الجنوني وفترة الانتباه القصيرة الأمد، تجد العلامات التجارية صعوبة في البقاء راكدة بين موسمَي الموضة من دون أن تقدّم تشكيلات جديدة تملأ الفراغ. مجموعات "ريزورت" و"كروز" تلبّي حاجة حقيقية، وتشكّل هروبا مؤقتا خلال الفصول، وتقف عند نقطة في وسط الطريق بين موسم الربيع والصيف وموسم الخريف والشتاء. هي مجموعات صُممت لتُخرج المجموعات الأساسية من إطارها الصارم، وتنشئ خزانة كبسولية ملائمة لملاذ فاخر نهرب إليه، ولو لبرهة. في الإجازة أو العطلة، ترافقنا هذه الملابس والإكسسوارات المثالية لفترة استرخاء بمنتهى الترف.
ولكن ما هو تاريخ مجموعات "ريزورت" التي يمكن أن تصنّف في فئة "كروز" أيضا؟
يعـــود مفـهــــوم مجـمـــوعــــات "ريـــــزورت" أو "كـــــروز" إلى أكثـــر من مئـــة عــــام، وأبصــــر النــــور حين ابتكر مصممو الأزياء ملابس ومجموعات مصغّرة للمسافرين الأثرياء الذين رغبوا في تفادي برد الشتاء القارس من خلال السفر إلى مناطق دافئة، أو لضيوف السفن السياحية الذين احتاجوا في منتصف الموسم إلى أزياء جديدة ترافقهم في إجازاتهم وأسفارهم المتّجهة إلى مناطق مختلفة المناخات. ولأن المتاجر في تلك الأشهر كانت مكتظة بالمعاطف الشتوية وأساسيات الموسم الخريفي، ولدت مجموعات "ريزورت". اليوم، تصلنا هذه المجموعات بعد طرح أزياء الخريف والشتاء بأسعار مخفّضة، وقبل عرض ملابس الربيع والصيف على الرفوف. وتتألف مجموعات "ريزورت" غالبا، ولكن ليس دائما، من قصات مريحة، وأقمشة خفيفة، وملابس سباحة لافتة.
يخبرنا تاريخ عالم الموضة أن "مادموازيل شانيل" كانت أول مصممي الأزياء الذين أطلقوا مجموعة "ريزورت"، وكان ذلك في عام 1919 بهدف تلبية رغبات عملائها من نخبة المجتمع.
تقديم هذه المجموعات يجري بين أواخر أبريل وأوائل يونيو، وقد نظر المصممون نظرة حَرفية إليها وإلى الهدف الكامن خلفها وطبيعتها المرتاحة والحالمة، وحوّلوا فعاليات كشفها إلى عروض أزياء في وجهات عالمية مختلفة، وإلى مشاهد تخطف الأنفاس.
الموقع المختار يصبح مصدر إلهام يستمد منه كل مصمم عناصر التصميم والألوان والتفاصيل، قبل أن يتحوّل إلى خلفية منصة العرض التي تردد صدى أجوائه، وتعبّر عن تقاطع هويّتين ولقاء متناغم يجمعهما: هوية الدار، وهوية المدينة التي اختارت تكريمها.
لقاء مذهل بين الشرق والغرب
"كارل لاغرفيلد" كان أحد المصممين الذين اتّبعوا خطى الأيقونة "كوكو شانيل" فصارت أسماؤهم مرادفة لعروض "ريزورت" الرائعة المتنقلة حول العالم. تفكير "لاغرفيلد" كان تقدّميا، إذ وجّه المصمم الراحل رؤيته نحو المستقبل واستبق الصيحات وتأمّل في الصفحات التالية من حكايته الإبداعية، بدلا من الوقوف على أطلال الماضي والتوقف عند الحنين إليه. أسلوب تفكيره هذا نبع على الأرجح من مهارته وموهبته الفريدتين في التجديد والإحياء. وهل من مدينة شهدت تطوّرا متواصلا وتجدّدا مستمرا، معزّزة طابعها الفخم وأسلوب عيشها المترف، أكثر من دبي في الإمارات العربية المتحدة؟!
في هذا العنوان، وجد "لاغرفيلد" فرصة ذهبية تتقاطع عندها دار "شانيل" الغربية الجذور والفخامة الشرقية المتجلّية في دبي. على غرار النمو السريع لمباني دبي وأفقها المعماري المكلل ببرج خليفة، أعلى مبنى في العالم، شيّدت دار "شانيل" موقع عرضها من الصفر، في غضون شهرين فقط، استعدادا لتقديم مجموعتها.
تم توجيه الضيوف إلى مكان كان أشبه بواحة خيالية من تصوّر "شانيل". بالقرب من الشاطئ، نُصبت خيام بدوية بيجية اللون ومؤثثة بوسائد وسجاد، وجلس فيها الحاضرون بطريقة مستوحاة من المجالس العربية التقليدية.
شعرنا بأن المجموعة نفسها ذهبية الروح، بفضل موجة الدرجات الدافئة التي هيمنت على لوحة ألوانها. بالاستلهام المباشر من ذهب رمال الصحراء، سطع اللون الذهبي من قماش اللاميه اللامع والمواد المعدنية المشعّة. ودخلت الطبعات الهندسية المستوحاة من الفنون الإسلامية دخولا رقيقا إلى فساتين شيفونية ناعمة وتنانير نابضة بألوان حيوية. وتشابك قماش التويد الراسخ في هوية "شانيل" مع لباس الشماغ التقليدي في الخزانة الرجالية الشرق أوسطية. أما مجوهرات "شانيل" الرفيعة، فقد أعيد تفسيرها مع عقود ذهبية تقليدية الأشكال أكملت الإطلالات المترفة.
في موقع ملوكي الفخامة، أخبرت هذه المجموعة الرائعة إحدى قصص لقاء الغرب والشرق.
عرض أزياء وسط الطبيعة والعمارة مع "لويس فويتون": من اللوفر إلى متحف ميهو
منذ تعيينه عام 2013 مديرا إبداعيا للمجموعات النسائية لدى دار "لويس فويتون"، قدّم "نيكولا غيسكيير" مجموعات تعكس نهجه المعقّد في التصميم، وترجم رؤيته المبتكرة في أحيان كثيرة إلى عناصر مستقبلية وقصّات نحتية.
متأثرا بتحويل "لاغرفيلد" عروض مجموعات "ريزورت" إلى استعراضات حقيقية تسافر حول العالم، كشف "غيسكيير" النقاب عن مجموعة "ريزورت" 2018 في متحف "ميهو" الياباني الذي فتح أبوابه في عام 1997 وصممه المهندس المعماري الصيني الأمريكي "آي إم بي" في أحضان محمية جبلية طبيعية ساحرة.
تضارب المبنى الهندسي مع أضواء الطبيعة وخَضارها، في أجواء لم يضاهِ سحرها سوى جمال المجموعة نفسها. التشابه بين التصاميم النحتية التي ابتدعها "نيكولا غيسكيير" وعمارة المتحف كان مثاليا. أعاد المصمم تصوّر سترات الساموراي بلغة "لويس فويتون" الرمزية؛ وكرّم تصاميم "كانساي ياماموتو"، وسلّط الضوء عليها مع حبات ترترة لافتة، في تحية إلى المصمم الياباني الذي كان جالسا بين الحاضرين في الصف الأوّل.
"ديور" ترقص على إيقاع الفلامنكو في إشبيلية، إسبانيا
"ماريا غراتسيا كيوري" المديرة الإبداعية لدار "ديور" تعرف تماما كيف تصمم عرض أزياء وكأنها ترسم لوحة بورتريه نابضة بالحياة واللون والموسيقى والأداء الحي، تكريما لثقافة معينة أو فنون محلية أو أفراد ملهمين أثّروا بشكل كبير في مجالاتهم ومجتمعاتهم، وتركوا فيها بصمات لا تمحى. لمجموعة "ريزورت" 2023 من "ديور"، اختارت "كيوري" أن تكشف الأزياء والإكسسوارات الجديدة في ساحة "بلازا دي إسبانيا" المدهشة في مدينة إشبيلية. افتتحت العرض راقصات الفلامنكو بحركاتهن الرشيقة وأصوات كعوبهن وهي تضرب الأرض، قبل أن تطل العارضة الأولى مرتدية سروالا ذا حمّالتين وقميصا أبيض فوقه شال باللونين الأسود والأبيض مصمم على شكل "شال مانيلا" التقليدي ومطرز برسوم الأزهار والفراشات. المجموعة مستوحاة من راقصة الفلامنكو الإسبانية "كارمن أمايا" التي أصبحت في خمسينيات القرن العشرين أول راقصة ترتدي أزياء رجالية، ويبقى تكريم النساء القويات اللواتي تحدّين القواعد، ووضعن قوانينهن الخاصّة تقليدا طويل الأمد تحافظ عليه السيدة القوية الجالسة على عرش "ديور" الإبداعي.
إطلالة تلو الأخرى، برزت شالات "مانيلا"، والفساتين المستوحاة من عالم الفلامنكو بتصاميمها المكشوفة الأكتاف والملوّنة بالأحمر والأصفر الخردلي، وكانت كلّها مترجمة بمفردات معجم "ديور" الأسلوبي الأيقوني.
زيارة المدن البعيدة والعناوين الساحرة الموجودة في كل أنحاء عالمنا من خلال عدسة الموضة، واكتشاف طبيعتها ومناخها ومعالمها المعمارية من خلال الأزياء، تجربة مهيبة. هذه العروض المقامة في وجهات مختلفة تشكّل الجانب المغامر من هوية عالم الموضة، وتكون بمنزلة إجازة قصيرة لحضورها المحظوظ!