التأثير الهائل للذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا الواقع الافتراضي في قطاع الأزياء
اعتدنا حتى اليوم رؤية عاشقات الموضة وخبيرات صيحاتها يسافرن من كل أنحاء العالم إلى عواصم الموضة الكبرى، موسما بعد آخر، ليكتشفن أحدث اتجاهات الأزياء ويستهلكنها، سواء أكان ذلك من خلال التسوق في متاجر أشهر المصممين العالميين على شارع "أفينو مونتين" الباريسي أم عبر اكتشاف العلامات والمواهب الصاعدة في حي "سوهو" اللندني. كان هذا السفر ضروريا للغوص في عالم الموضة. لكننا اليوم نستطيع أن نجرّب ونكتشف ونشتري الأزياء عن بُعد من راحة منازلنا، وذلك بفضل التأثير الهائل للذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا الواقع الافتراضي في قطاع الأزياء.
أحدث الذكاء الاصطناعي ثورات في مجالات متعددة، ولم يكن قطاع الأزياء استثناء عن القاعدة. فقد أتاح للمصممين ابتكار ملابس وإكسسوارات وحتى مستحضرات ماكياج تتخطى حدود الواقع، فتزوّدنا بملاذ بعيد عن العادي واليومي. واستعمال الذكاء الاصطناعي في عالم الموضة لم يعزز فقط العملية الإبداعية، بل جعل هذه الصناعة أيضا أكثر استدامة وفاعلية وشمولية.
أحد أبرز استخدامات تكنولوجيا الواقع الافتراضي في عالم الموضة حتى الآن كان في إقامة عروض الأزياء الافتراضية.
وبعد أن أجبرت جائحة "كوفيد" الكثير من علامات الأزياء على إلغاء عروضها التقليدية أو نقلها إلى الفضاء الرقمي، لجأ مصممون كثيرون إلى الواقع الافتراضي من أجل عرض مجموعاتهم بطريقة آسرة أكثر وغامرة أكثر. عروض الأزياء بصيغة الواقع الافتراضي تسمح للمشاهدين باختبار الملابس في مساحة ثلاثية الأبعاد، مع السماح لهم بالتحرك واستكشاف التصاميم من كل الزوايا؛ الأمر الذي لا يوفر للمشاهد تجربة أكثر ديناميكية فحسب، بل يتيح للمصممين أيضا عرض ابتكاراتهم بطريقة قد لا تكون ممكنة على منصات العرض التقليدية.
ومن بين أكثر التطورات التي تحمّسنا لها في الحوار المستمر بين الذكاء الاصطناعي والموضة، هو ابتكار الملابس الافتراضية التي يُظهر من خلالها المصممون قدراتهم الإبداعية دون الاضطرار إلى استخدام مواد ملموسة، وهو ما يؤدي إلى تقليص الهدر أي إلى قطاع أزياء أكثر استدامة. عبر استخدام خوارزميات الذكاء الاصطناعي، يقدر المصممون أن يبتكروا ملابس افتراضية يستحيل تمييزها عن الملابس الحقيقية، ويمكن استعمالها في ألعاب الفيديو ومنصات التواصل الاجتماعي وحتى في عروض الأزياء. وهنا أذكر "أسبوع الموضة للذكاء الاصطناعي" الذي يلجأ إلى تقنيات الذكاء الاصطناعي لإنشاء منصة عرض افتراضية، وهي تكنولوجيا تمكّن المصممين من عرض مجموعاتهم بأسلوب تفاعلي يعطي المشاهدين نظرة عن كثب إلى الملابس والإكسسوارات والعرض ككل.
NOONOOURI@ عارضة ومؤثرة افتراضية اجتاحت قطاع الأزياء في السنوات الأخيرة. وقد حصد هذا الابتكار الرقمي بسرعة هائلة عددا كبيرا من المتابعين على منصات التواصل الاجتماعي، وتعاونا مع بعض أكبر دور الأزياء والجمال.
دخلت تكنولوجيا الواقع الافتراضي أيضا إلى عالم الموضة مع جلسات القياس الافتراضية. مع ازدهار التسوق الإلكتروني، أتت جلسات القياس الافتراضية حتى تتيح للمستهلكين أن يروا كيف ستبدو الملابس عليهم دون أن يجرّبوها في الواقع. فباستعمال سماعات رأس خاصة بالواقع الافتراضي وتكنولوجيا مسح الجسم، يخلق كل مستهلك رمز "أفاتار" تشخيصي يمثّله كي يرى كيف تبدو وتتحرك قطع الأزياء المختلفة على جسمه الافتراضي.
هكذا تتقلص الحاجة إلى رد الملابس بعد شرائها، وتصبح تجربة التسوق الإلكتروني شخصية ومريحة أكثر. الذكاء الاصطناعي جعل عالم الموضة أكثر شمولية، بحيث صار بإمكان المصممين من خلال استعمال تقنياته المتقدمة أن يبتدعوا ملابس وإكسسوارات متوفرة لذوي الاحتياجات الخاصة، وذلك بفضل قدرة تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي على تحليل شكل جسم كل إنسان واقتراح خيارات أزياء وفق خصائص جسمه الفريدة.
وإلى جانب إنتاج ملابس افتراضية وتقديم اقتراحات مخصصة، يُستعمل الذكاء الاصطناعي أيضا لإعداد إطلالات ماكياج من خلال تحليل الخوارزميات التسلسلية لملامح وجه الشخص ولون بشرته قبل اقتراح مستحضرات ماكياج ملائمة، وتصميم إطلالة ماكياج افتراضية تناسبه. ومع هذا الخيار المتاح أمامنا اليوم، صار من الأسهل علينا أن نجرّب أساليب ماكياج مختلفة دون الاضطرار إلى استعمال منتجات واقعية ملموسة. صرّحت شركة "لوريال" بصوت عالٍ وواثق بأنها تريد أن تصبح الرائدة في مجال تكنولوجيا التجميل، وقد حققت حتى اليوم نجاحا كبيرا فيه.
فتستعمل العلامة العالمية إمكانات الذكاء الاصطناعي ليس لمجرّد تحسين تجربة التسوق الرقمية فحسب، بل أيضا لابتكار أجهزة ذكية، مثل أداة "هير كوتش" HAIR COACH الناجحة للغاية ضمن مجموعة "كيراستاز"، وصولا إلى أحدث اختراعاتها: "هابتا" HAPTA.
مع ملابس وماكياجات افتراضية، أصبح بإمكان الناس استكشاف أساليب وأنماط مختلفة والتعبير عن أنفسهم وأذواقهم، دون الحاجة إلى اللجوء إلى مواد محسوسة. وهذه الميزة مفيدة ومهمة خصوصا في أوقات لا يمكننا فيها مغادرة منازلنا أو يكون فيها وصولنا إلى الموارد المادّية محدودا. أحدث الذكاء الاصطناعي في قطاع الأزياء ثورة تطال الكثير من قنواته وأوجهه، من الملابس الافتراضية إلى الاقتراحات المخصصة والشخصية، مرورا بالتصاميم الشاملة والجامعة. فلم تعد التكنولوجيا تعزز وتحسّن العملية الإبداعية للمصممين فقط، بل توفّر ملاذا يهرب إليه المستهلك من الواقع، فيعبّر عن هويته بطرق جديدة مشوّقة. مستقبل الذكاء الاصطناعي في عالم الموضة مشرق، ويمكننا توقّع المزيد من التطورات المبتكرة في السنوات الآتية.
لا شك في أن الذكاء الاصطناعي سيستمر في صياغة مستقبل الموضة. السؤال الحالي ليس ما إذا كان الذكاء الاصطناعي سيلعب دورا في صناعة الأزياء أم لا، بل كيف يمكننا استخدامه بأفضل شكل لرسم مشهد موضة أكثر استدامة وابتكارا وفاعلية. وأنتِ، كيف ستحتضنين قوة الذكاء الاصطناعي في رحلتك داخل عالم الموضة؟
لا شك في أن الذكاء الاصطناعي سيستمر في صياغة مستقبل الموضة