الموضة والرياضة.. قوتان ديناميكيتان لهما القدرة على إحداث تأثير ثقافي

إعداد

Nora AlBesher

تعد الموضة قوة ناعمة، قوة قادرة على بناء الجسور بين الثقافات، والتعبير عن التقاليد، قوة خافتة تبقى تحت الرادار، مقارنة بالعوامل الأكثر قوة في الجهة المقابلة، مثل العسكرية والاقتصادية. بفضل نعومتها ومرونتها، يمكنها أن تتكيف مع معظم قطاعات العالم وتواكبها. تتحكم الأزياء بالمفتاح المرئي الذي يستطيع أن يصوغ هوية. ويتراوح تأثيره بين الإيجابي والمعتدل والسلبي بحسب عوامل التوافق والحرفية والمحاذاة الذكية. لوجودها في موازاة أهم الأحداث والقطاعات مرونة بارزة وتنوّع غني، من استخدامها سلاحا استراتيجيا دبلوماسيا إلى استعمالها عنصرا ثقافيا قويّ التأثير، مرورا بجعلها لحظة مهمة في تاريخ عالم الرياضة.

عالم الموضة ينقل خشبة عرضه إلى الملاعب الرياضية

للعلاقة بين الرياضة والموضة أوجه كثيرة، نستكشفها مباشرة من خلال الملابس الرياضية التي تلعب دورا أساسيا في عالم الرياضة، لأنها تعزز الأداء، وتوفّر الراحة والمرونة، من أحذية كرة القدم إلى تنانير التنس الشهيرة التي شقّت طريقها خارج ملاعب التنس إلى عالم الموضة الفاخرة بفضل العلامة الإيطالية "ميو ميو"، شقيقة علامة "برادا".

لطــالما أهـــدى عالم الريـــــاضة جمـــاهيــــــــره أزيـــــــــاء وإطلالات أيقونية صاغت الطريقة التي نرى فيها الرياضيين ونجوم الرياضة. وإلى جانب التأثير المباشر للرياضة وطبيعتها الديناميكية في الموضة، تغزو الموضة بدورها المنصات الرياضية لتحدث تأثيرا ثقافيا، وتلقي الضوء على إبداع مصمم نجم، وتلوّن حدثا رياضيا تاريخيا بمشهد أزياء تشع قوّته الدائمة من قصاته وهيكلياته وأقمشته المتدفقة.

عالم الموضة يجتاح المنصات الرياضية عبر نقل خشبات عرضه إلى أرض الملاعب.

"إيف سان لوران" يغزو كأس العالم لكرة القدم

اجتمع سحر الموضة وتاريخها في تصريح قوي بلغة الموضة عبّر عن الوطنية والأناقة والاستمرارية. في الـ12 من يوليو 1998، قدّم المصمم "إيف سان لوران" عرض أزياء ضخما بحجمه ومكانته ودلالته، مع 300 تصميم معروض في ملعب "استاد دو فرانس" بمناسبة كأس العالم لكرة القدم.

لأن عاصمة الموضة باريس هي عاصمة فرنسا، لهذه القوة الناعمة التي تملكها فرنسا في عالم الموضة مكانة رائدة ودور كبير في تشكيل هويتها. وكان الجمع بين هذا الحدث الرياضي العالمي المقام على أرضها وعالم الموضة، مبادرة استثنائية واستراتيجية.

قدّم "إيف سان لوران" أحد أشهر عروضه في فعالية دخلت كتب التاريخ في المجالين، وجرت في لحظة احتفل خلالها "إيف سان لوران" بمرور 40 سنة على انطلاق مسيرته المهنية.

قبل المباراة النهائية بين المنتخبين الفرنسي والبرازيلي، بدأ العرض الساحر للدار الفرنسية "إيف سان لوران" على منصة عرض داخل "استاد دو فرانس" حاكت السماء التي تقابلها مع أرض مطلية بالأزرق السماوي والغيوم البيضاء. تباهت على أرض الملعب 300 من أفضل إطلالات المجموعات السابقة، في عرض هائل هيمنت عليه ستة موضوعات أساسية، من بينها البوب آرت، والفنون، والتألق، والحضارات الشرقية، وسارت في كل فصل 50 عارضة.

كانت لحظة اندمج فيها مجالا الموضة والرياضة، ولحظة صارت بعد قليل مناسبة احتفالية أيضا بفضل فوز المنتخب الفرنسي بالمباراة التي تلت العرض وتتويجه بطل العالم.

الحركة حرّية.. "ديور" صممت سراويل ليغينغ حريرية وعرضت مجموعتها في ملعب رياضي

رفع عالم الموضة راياته الرقمية خلال جائحة فيروس كورونا لمعظم عروضه، قبل أن يعود تدريجيا إلى فعالياته المعهودة.

قــدّمت مــديـــرة دار "ديــــور" الإبــداعــــية مجــموعة ريـــزورت 2022 في عــــــرض يونــــــاني تألّـــــــف حضــــــوره بمــــعظـــمه من عمــــــلاء ووكــــــلاء شـــــــراء وصحفيـــــين محليين. الموقع نفسه كان مدهشا، وهو ملعب "باناثينايكو" في أثينا الذي بُني قبل آلاف السنين، وما زال أحد أهم المعالم السياحية التاريخية في عاصمة اليونان، ويبقى الملعب الوحيد في العالم المصنوع بالكامل من الرخام. والهدف من اختيار هذا المكان التاريخي والعظيم والرائع الجمال كان التعبير عن تركيز الفكرة الرئيسة خلف مجموعة "ريزورت" على الرياضة. قالت "ماريا غراتسيا كيوري": إن "الحركة حرّية"، وهي شيء افتقدناه خلال فترة الإغلاق نتيجة الجائحة، وعوّضت عنه "كيوري" بالتأثير الرياضي الواضح في أناقة "ديور". فالتقــت حرفيــــة الخـيـــــاطة الــراقـيـــــة بديـنــاميــكيـــــة الملابس والتكنولوجيا التي تم إتقانها خلال تطوير هذه المجموعة النابضة بروح رياضية مهيمنة.

هي مجموعة لن تضمحل من ذاكراتنا، ولا سيما بإطلالاتها الأيقونية، حيث اجتمعت سترة "بار" الرمـــزية الكــريــمــيــــة اللون بليــغيـــنـــغ حـريـــــري ذي لـــون وردي حيـــوي، وعـــانقــــت الفســاتين الإغريقية الأســـلــوب تـــأثــيــــرا مبلـــلا جعلها تشــــبه منــحــوتــــات الحضــــارة اليونــــانية القديمة.

أكبر عرض أزياء في التاريخ في ملعب كأس العالم "فيفا 2022"

هذا العرض التاريخي كان من تصوّر الشيخة المياسة بنت حمد بن خليفة آل ثاني، وبإشراف الفرنسية "كارين رويتفيلد" رئيسة تحرير المجلة التي تصدر مرتين في السنة CR Fashion Book، والتي كانت رئيسة تحرير مجلة "فوغ باريس" لمدة عشر سنوات.

العرض الذي حمل عنوان "قطر فاشن يونايتد باي سي آر رانواي" Qatar Fashion United by CR Runway كان اللقاء المثالي بين الموضة والرياضة. تخيّلي التأثير الثقافي لقوة كل من المجالين، وتصوّري كيف نجح مزجهما في مضاعفة التأثير ليجتاز الحدود الجغرافية، ويوحّد بين الجماهير. على أرض ملعب "استاد 974"، اجتمع 20 ألف شخص ليشهدوا على احتفال بالموضة وكرة القدم والثقافة زادته حيوية عروض الأداء الحي والغناء الموسيقي لبعض ألمع نجوم الفن.

لا شك في أن عرض أزياء بهذه الضخامة يملك كل الصفات والمقومات ليكون حدثا يجرى مرة واحدة في العمر. وقد شاركت فيه أكثر من 150 علامة تجارية منها بعض أهم الدور العالمية إلى جانب مصممين صاعدين، وأطلّ على منصته أكثر من 80 عارض أزياء ونجما. تمثّلت ست قارّات على خشبة عرض واحدة داخل الملعب الرياضي المؤقت.

أقيم هذا الحدث التاريخي قبل يومين من المباراة النهائية من بطولة كأس العالم لكرة القدم لعام 2022 بين فرنسا والأرجنتين، وتألف من ثلاثة أقسام. بداية العرض الضخم كانت مع جزء كرّم فكرة كأس العالم، من خلال مشاركة 32 سفيرا يمثّلون البلدان المشاركة في البطولة العالمية، وهم يرتدون قمصانا رياضية من علامة "أوف-وايت" أضيفت إلى كل منها لمسة خاصة على يد مصمم من البلد نفسه.

الفصـل التالي كان بعنوان "جولة الأزياء العالمية" بمشاركة دور عالمية متخصـصــــة في الأزيــــاء الفاخــــرة، مثــــل "ديـــــور"، و"ســـان لــــوران"، و"بــرادا"، و"فرســـاتشي"، و"لويفي"، و"بربري"، و"فالنتينو"، و"توم فورد"، وغيرها الكثير. وخصص هذا القسم مكانا بارزا أيضا لأسماء مبدعة تستحق المتابعة مثل "باتشيفا"، و"كولينا سترادا"، و"باك ماي"، و"سول ناش"، و"مريم الدرويش"، و"ثيوفيليو"، و"أورانج كلتشر"، و"لورلاين"، و"عبد الطيب" و"آتو تيته". وقد عزز هذا الجزء صداه عبر الجمع بين جماليات تصميم آتية من ست قارّات.

ذروة التألق وقمة الحرفية في الفصل الثالث والأخير بعنوان "ليلة واحدة في قطر"، حيث عُرضت سلسلة ساحرة من الملابس الراقية والأزياء المسائية الملونة بدرجات بيضاء وعاجية، والمصممة حصريا لهذا الحدث، الذي تميز بنطاق ووقع سيتركان أثرا ثابتا وذكرى محفورة إلى الأبد في تاريخ الموضة وكرة القدم على حد سواء.