رياضة التنس وتأثيرها الثابت في عالم الموضة
بشكل ثابت، أثّرت الإطلالة المستوحاة من الملاعب الترابية والعشبية في عالمَي الموضة والسينما، وهي إطلالة متصلة اتصالا وثيقا بصيحة "بريبي" المدرسية الأنيقة وبالجماليات الراقية التي يربطها المجتمع عادة بالأسر العريقة الثراء. اليوم، وبفضل علامة "ميو ميو"، كلّنا نريد الحصول عليها! لطالما كانت لعبة التنس أحد الأنواع الرياضية الأكثر أناقة من حيث الملابس، ولكن كيف تطوّرت هذه الأزياء الرياضية الاحترافية إلى الأسلوب الذي نعرفه ونحبّه اليوم؟
لنجد الجواب، سنعود إلى أواخر القرن التاسع عشر، حين تميّز الزي المعتمد في ملاعب التنس بلونه الأبيض التامّ، وهو لون تأثّر في المقام الأول بملابس رياضة الكريكت، وكان يرمز إلى "النقاء والفضيلة" وفق كتاب "التاريخ الاجتماعي للتنس في بريطانيا" بقلم "روبرت جاي ليك". الأناقة كانت ملزمة ومقيّدة بالنسبة إلى النساء اللواتي اضطررن إلى التضحية بالراحة وحرّية الحركة من أجل ارتداء فساتين ذات قصّات معقّدة وقطع كورسيه ضيقة حتى عام 1887، حين فازت المراهقة "تشارلوت دود" ببطولة ويمبلدون، وهي مرتدية إطلالة أقل تعقيدا تذكّر بالزي المدرسي، فغيّرت خزانة ملابس التنس النسائية إلى الأبد.
وفي عام 1920، حدثت "ثورة" أخرى أيضا على أرض ملاعب ويمبلدون، حين استبدلت اللاعبة الفرنسية "سوزان لنغلن" تنورتها الطويلة التي كانت قد ارتدتها دائما حتى تلك اللحظة، بتنورة تصل حتى ربلة الساق. لكن ذلك لم يكن كل شيء، فشملت الإطلالة الحاملة توقيع المصمم "جان باتو" أيضا ذراعين مكشوفتين، وقبّعة حلّت محلها أحيانا عصابات رأس مستوحاة من إطلالة فتيات "فلابر"، بما يتوافق مع موضة تلك الحقبة. ملابسها غير التقليدية أثارت ضجة كبيرة وجذبت اهتمام الناس إلى درجة أنه في عام 1922، تم نقل موقع البطولة إلى مكان آخر لاستيعاب جمهور أكبر.
مع مرور السنين وتوسّع نطاق منتجات دور الأزياء الكبرى، انجذبت أفخم علامات الموضة إلى الملابس الرياضية التي ارتبطت تاريخيا بالمجتمع الراقي. فاستمدّت إلهامها من النوادي الريفية وحاجات نخبة زبائنها، وبدأت بإنتاج معدّات رياضية وسلع جلدية مصممة لتناسب ملاعب متنوعة، ومنها حقائب الغولف وحقائب مضارب التنس. أما العصر الذهبي الحقيقي لأزياء التنس، فبدأ في السبعينيات، واستمر في العقدين التاليين مع لاعبين تجرّؤوا على تجريب الجديد، مثل "مارتينا هينغيز" و"أندريه أغاسي"، الأمر الذي شجّع العلامات التجارية على تطوير تصاميمهم. البطل الأمريكي "آرثر آش" مثال آخر، وقد ألهم في العام الماضي إطلاق علامة تجارية جديدة تحمل اسمه، وتعد عشّاق كرة المضرب بتكريم إرث "آش" وأناقته المميزة، من خلال تقديم نسخ عن إطلالاته الأيقونية، إضافة إلى تصاميم جديدة بنكهة قديمة.
بفضل علامات مثل "فيلا" و"أديداس" و"لو كوك سبورتيف" و"نايكي كورت"، تسللت رياضة التنس خلال الثمانينيات والتسعينيات أكثر فأكثر إلى الحياة اليومية، حتى لمن لم يلعب التنس أو يمارس أي رياضة أخرى. فنقلت العلامات الفاخرة رموزا مستوحاة من عالم الرياضة الاحترافية إلى خزانة الملابس اليومية، ومن هنا ولد مثلا شعار "غوتشي تنس" Gucci Tennis المصمم على شكل مضربين متقاطعين، والذي طرّزته الدار على كنزات خفيفة وكنزات رياضية، وأعادت تقديمه على ملابس معاصرة في عام 2019.
غير أن تأثير هذه الرياضة المحبوبة لم يظهر فقط على ملابسنا، بل ألهم نواحي كثيرة من أسلوب عيشنا. لا ننسى مثلا سوار التنس على شكل حلقة رفيعة مرصعة بالماس. نجد هذا السوار العابر للزمن في معظم مجموعات المجوهرات الراقية، ويعود تاريخه إلى عشرينيات القرن الماضي حين كان معروفا باسم "سوار الأبدية". بعد عقود عدّة، أعيدت تسميته رسميا تكريما لرياضة التنس، حين فقدت اللاعبة الشهيرة "كريس إفرت" في بطولة أمريكا المفتوحة للتنس لعام 1987 سوارها الماسي، وأوقفت المباراة للبحث عنه.
لدى اعتماد إطلالة مستوحاة من عالم التنس، إن القواعد قليلة وبسيطة: من الكنزات بنمط "شيفرون" على شكل حرف V، والكنزات المزوّدة بأزرار والمعقودة حول الكتفين، والتنانير المثنية، إلى عصابات الرأس، والأحذية الرياضية مع الجوارب العالية، والإطلالات البيضاء الناصعة التي تعيدنا إلى عقود ماضية من الأناقة الراقية. وتتبادر هنا إلى ذهني صورة البورتريه العائلي من الفيلم الإيطالي الدرامي "حديقة عائلة فينزي-كونتيني" العائد إلى السبعينيات والمبني حول رواية بالعنوان نفسه، وقد وصفته الصحافة الإيطالية بالشهادة الحقيقية على الأناقة الإيطالية. لكنها لم تكن المرة الأولى أو الأخيرة التي يغازل فيها عالم السينما رياضة التنس، ففي 1967، حملت الممثلة "كاترين دينوف" أناقتها وجاذبيتها إلى الشاشة مع فيلم "جميلة النهار"، فتألقت بشعرها الأشقر الطويل المرفوع بعيدا عن وجهها بعصابة رأس بيضاء، وإطلالتها المكتملة بتنورة مثنية وكنزة كشميرية فوق قميص "بولو"، وهي إطلالة بتوقيع "إيف سان لوران". في 1977، ظهرت "ديان كيتون" في شخصية "آني هول" بقميص ذي لون أزرق فاتح وسروال "بيرمودا" أبيض. وبعد عشرين عاما، في "لوليتا"، ارتدت الممثلة "دومينيك سوين" إحدى أبرز إطلالات التنس الأيقونية في تاريخ السينما: لباس سباحة أبيض بجزء علوي معقود وسروال قصير عالي الخصر.
كان للتنس ظهور بارز أيضا في الفيلم الأيقوني "ذا رويال تينيبومز" للمخرج "ويس أندرسون"، وتحديدا في حياة شخصية "ريتشي" المستوحاة من اللاعب السويدي الأسطوري "بيورن بورغ" الذي اعتزل وهو بعمر 27 سنة. في الفيلم، يواصل لاعب التنس السابق "ريتشي" اعتماد عصابات الرأس والمعصمين حتى مع بذلاته الرسمية، وتظهر المرأة التي كان مغرما بها "مارغو" في فستان بأسلوب بولو من علامة "لاكوست".
اليوم، وعلى الرغم من أن ملابس التنس تركّز أكثر على الجانب العملي في تصاميمها، يبقى سحرها القديم متوهّجا بفضل علامات تحنّ بوضوح إلى الماضي مثل "سبورتي أند ريتش"، وصيحات تنبثق من مواقع التواصل الاجتماعي، وقبل كل شيء خشبات العروض. ولعل أبرز مثال على هذه الأخيرة، عرض "ميو ميو" لخريف وشتاء 2022 تليه حملة Miu Miu Tennis Club مع تنانيرها القصيرة المثنية والمصممة بخصور منخفضة للغاية، وقمصانها المحبوكة والمزينة عند الحواف بخطوط زرقاء وحمراء والمنسقة تحت معاطف صوفية ضخمة.
ولا ننسى طبعا أن إطلالة التنس ارتبطت تاريخيا بالجماليات المدرسية والجامعية التي كانت رائجة للغاية في الآونة الأخيرة، وهو ما يجعل الصيحتين متناغمتين بشكل مثالي. لموسم خريف وشتاء 2022، كان هذا الأسلوب أحد أبطال منصات العرض، بفضل مصممين مثل "ميوتشا برادا" التي قدّمت تنانير قصيرة بيضاء مع أحزمة بنّية صلبة وجوارب طويلة وأحذية باليه، و"أليساندرو ميكيلي" الذي منحنا مثالا رائعا على صيحة الأناقة الرياضية من خلال تعاون "غوتشي" و"أديداس" في حملة أيقونية ظهرت فيها عارضة أزياء مرتدية تنورة مثنية عليها خطوط "أديداس" الثلاثة الرمزية مع قميص بولو وحذاء "غازيل" الرياضي وحقيبة رياضية غرافيكية. وقد بيّنت بعض أبحاث السوق الأخيرة ارتفاعا كبيرا في نسبة البحث الرقمي عن "بولو التنس" بين شهري مارس ويوليو من العام الماضي.
إضافة إلى أفكار المصممين المختلفين الذين نظروا إلى التنس، نجد اليوم أيضا اهتماما جديدا بدور أزياء ارتبطت تقليديا بعالم الرياضة، مثل "لاكوست" و"رالف لورين". وفي السنوات الأخيرة، لاحظنا ميلا واضحا لدى أبناء الجيل "زد" إلى كل ما هو متعلّق بأسلوب "بريبي" المدرسي الأنيق، من رياضات المجتمع الراقي، إلى إجازات اليخوت على جزيرة كابري، وحدائق الفلل الحجرية الفاخرة.