الأقمشة المُتنكرة.. تقنية الخداع البصري Tromp-l’oeil المُذهلة في الأزياء
هناك العديد من الجوانب الرائعة للأزياء والموضة وإلى جانبها العملي وكونها حاجة مُلحة ومستمرة، يمكنها استحضار المشاعر والعواطف ومصادر إلهام لانهائية.
يمكن للأزياء أن تجعلك تفكر وتتساءل، وتفاجئك وتصدمك وتترك بصمة مؤكدة في الذاكرة.
لطالما تقاطعت مسارات الموضة مع الفن وتشابكت معه، من اللوحات إلى المنحوتات، والسريالية إلى Trompe-l'œil وهو فن الخداع البصري.
Trompe-l'œil هو فن يلعب على مفتاح الوهم، فهو يخدع العينين ويرمي الرؤية الاستقبالية للمتلقي لعدة جوانب تلهيه عن الجانب الأساسي وبدوره يحرك المخيلة ويوسع المدارك. فانه فن يقنع المشاهد بإدراك الأشياء أو المساحات المرسومة على أنها حقيقية وهذا يتطلب مستويات من الذكاء لتحقيقه، بطبيعته المُشاغبة يترك تأثيرا مثيرا للاهتمام عند تطبيقه في الموضة.
Trompe-l'œil هو في حد ذاته عالم إبداعي رأينا مصممين الأزياء يستعينون به ويطبقونه عدة مرات على المدرج وفي الأرشيف وفي التاريخ. يتم تفسيره تبعاً للرؤية الفردية لكل منهم ووجهة نظره الشخصية.
يعتبر المصممون مثل فيكتور ورولف مرادفان لتنفيذ هذا الفن والتوجه بعد أن قدموا مؤخرا مجموعة الكوتور لخريف 2023 بعنوان "التجسيد" حيث حملت العديد من الإطلالات مانيكانات بدون رأس يرتدين بدلات رسمية نسائية سوداء، أو يتعلقون بظهور العارضات، أو يلتفون بوضعيات متعددة حول أجسادهم كما لو كانوا مستميتين لجذب الانتباه ولا يريدون التخلي عنهم.
استكشف ثنائي المديرين الابداعيين الفن المحتال في المجموعة السابقة ربيع 2023 للازياء الراقية بعنوان "رقصة الفالس الرأس مالية في مراحلها المتأخرة".
حيث سارت العارضات على المدرج مرتديات فساتين بطريقة جانبية، رأسا على عقب أو خارجين من خلال الفستان الأفقي من فتحة منشورة في تنورة التول الكثيفة.
هنالك أيضا "دانيال روزبيري" في سكـابريلي الذي قدم أحدث مجموعة أزياء راقية للدار الباريسية في Petit Palais، مجموعة الأزياء الراقية لخريف 2023 بعنوان "... والفنانين" مجموعة كانت على ما يبدو تكريما لا نهاية له للفنانين.
أحد الاطلالات اتخذ طابع الـخداع البصري، فكان صورة ظلية هجينة وغير متساوية مميزة مع فن الوهم البصري المستوحى من الفنان البريطاني لوسيان فرويد، المتخصص في فن الكولاج، وكان معروفا بأنه أحد أهم رسامي البورتريه في القرن العشرين، حيث تكونت الاطلالة من فستان أسود ضخم من الخلف بطبقات متعددة تسحب على ارض المدرج. أما الجزء الأمامي منه فصُمم على شكل معطف أبيض بياقة عالية وضخمة وأكمام واسعة مزين بتفاصيل فنية على شكل ظلال جسم ويد مرسومة في موقع استراتيجي، حيث ظهرت كيد العارضة الخارجة من الأكمام، بينما كانت أذرعها الواقعية مخبأة داخل أكمام المعطف.
انطلق فن الخداع البصري Trompe l'oeil منذ ما يقرب 100 عام، وذلك بفضل المبدعين مثل "إلسا سكابريلي" و "جان كوكتو" و "سلفادور دالي"، الذين كانوا شخصيات رئيسية في تطوير الفن والحركة السريالية. ظهرت هذه الحركة الثقافية استجابة للاضطرابات الاجتماعية والاقتصادية من الحرب العالمية الأولى وفي أعقاب جائحة الإنفلونزا الإسبانية، مما أدى إلى فن عبثي وغير عقلاني كان في تناقض مباشر مع الحياة الحقيقية. أصبح وسيلة هروب ومنصة للتعليق على الأحداث السياسية في ذلك الوقت من خلال شخصيات مشوهة ومشاهد تشبه الحلم وتضارب ودمج مغاير.
لكن ما وجدته رائعاً ومنعشا بشكلٍ عجيب هو تقنية ترقص بين مفهوم الوهم والتلاعب بالنسيج، ولكن يتم تصنيفها في النهاية لتنتمي الى الخداع البصري Trompe l'oeil. تم تكييفها من قبل اثنين من المصممين في الآونة الأخيرة وهذه التقنية أحب أن أُطلق عليها " الأقمشة المُتنكرة".
أظهر "ماتيو بلازي"، المدير الإبداعي للعلامة الإيطالية الفاخرة بوتيغا فينيتا، هذه التقنية المذهلة بشكل رائع.
في ظل مجموعته الأولى، مجموعة خريف 2022، أرسل اطلالة بسيطة وعادية بأسلوبها الكاجوال الغير متكلف على المدرج، بلوزة بيضاء قطنية بدون أكمام وبنطلون جينز .. لكن الحقيقة الصادمة والمذهلة هي أن الاطلالة بأكملها في الواقع من الجلد.
عبقرية خالصة وحرفية متناهية وخدمة وفية للمفهوم الأساسي للعلامة وإرث الدار.
مجموعة بتويغا فينيتا خريف 2023 للملابس الجاهزة
في عرضه الثالث للدار الإيطالية العريقة، وهي دار متجذرة في صناعة الجلد الفاخر والاكسسوارات الجلدية الفخمة لأكثر من نصف قرن حتى الآن.
بالاعتماد على هذا التاريخ الطويل من الجلديات الفاخرة، استوفى "بلازي" هذا المعيار بنهج الملابس الجاهزة.
وتماما مثل "Intrecciato" تقنية الجلد المُجدل المميز لبوتيغا فينتا، فهو ينسج إرثه الخاص مع إرث الدار.
اكتشاف حقيقي وتقنية مذهلة ابتكرها وأعاد النظر فيها في جميع مجموعاته حتى الآن، الأقمشة المخادعة.. جلد يتنكر على شكل قوام أو بُنية او حتى حبكة أخرى.
نرى معطفا محبوكا رائعا من الصوف مزدوج الصدر بلونيه الأسود والأبيض، مُهدب عند الحاشية ليعطي حركته تميز وديناميكية، المعطف بالفعل مصنوع من الجلد. اتخذ المدير الإبداعي تقنية الجلد المحلوق "لجعل القطعة خفيفة الوزن لحد كبير".
مثال آخر خادع كانت جوارب محبوكة باللون الأحمر المميز التي لا تتطلب نظرة واحدة، بل العديد من النظرات للتأكد أنها في الواقع مصنوعة من الجلد.
فالنتينو " القلعة Un Chateau"
دار إيطالية أخرى عرضت التقنية المخادعة وهي فالنتينو، في شاتو دي شانتيلي كشف المدير الإبداعي بييرباولو بيتشيولي النقاب عن أحدث مجموعة أزياء راقية للدار وكانت في طياتها اطلالة كلاسيكية عرضتها عارضة الازياء كايا جربر. تألفت الاطلالة من قميص أبيض ناصع مفتوح الأزرار بالكامل تقريبا مدخلة في بنطال جينز واسع. الجينز في الواقع ليس جينز على الإطلاق، بل منفذ تبعا لقاعدة الخداع البصري ليبدو مثل الدنيم. عندما نتفحص القطع عن كثب وننظر إلى تفاصيله، سنرى أن البنطال مصنوع بالكامل من الخرز، ويصل إلى أربعة أسابيع من العمل المطرز يدويا. تم تحقيق تأثير الدنيم المُتموج باستخدام 80 درجة مختلفة من اللون النيلي. تم تقطيع الخرز إلى جانبين لإعطاء الجينز تأثيرا أكثر نعومة. كانت التفاصيل مدعومة بعوامل زادت من القوة الاقناعية للمظهر العام مثل الدبابيس والأزرار المأخوذة من الجينز الحقيقي.