مستقبل الموضة في دور المزادات
إعداد: VALENTINA MARIANI
لجذب الجيل المقبل من هواة الجمع، صارت دور المزادات التقليدية مثل "كريستيز" و"سوذبيز" و"فيليبس" المشهورة ببيع أعمال "وارهول" و"بيكاسو" وقطع أثرية، تعرض الآن حقائب "بيركن" وأحذية "جوردان".
في نهاية المطاف، من منّا لم تحلم يوما بامتلاك عقد من "بولغري" إلى جانب عمــــــل بتوقيـــــع "باسكيا"، أو ربمـــــا حقيبـــــــــــة "بيركين بيكنيـــــــك" محدودة الإصدار تلائم ساعة "باتيك فيليب كالاترافا"؟ لكل من تقـــــدّر الجودة الراقية والفخامة الحصرية، أصبح اليوم من الممكن تسوق كل القطـــــــع المذكورة في وقت واحد، بعد المزايدة برقم ملائم طبعا.
تقاطع الفنـــون الجميلة والموضــــــــة ليس بالأمر الجديد، لكن دور المزادات شهدت في السنوات الأخيرة ارتفاعا في عدد لقاءات العالمين الإبداعيين، وتعمل بعض المؤسسات التي كرست جهودها تاريخيا لأرقى التحف الفنّية، على توسيع أعمالها نحو عالم الموضة. نموذج المزاد العلني يرسم زاوية جديدة نقدّر من خلالها روائع الموضة، ويرتقي بها إلى مكانة الفن. في دور المزادات المرموقة، يخضع كل شيء موجود في المخزون إلى تقييم دقيق يأخذ في عين الاعتبار العلامة التجارية، والموديل، والمواد المستخدمة، وعملية الإنتاج، والمصدر، وما إلى ذلك، وكلها عوامل تسهم في تحديد قيمة القطعة.
تقول "ريتشل كوفســـــــكي" المســــــــؤولة عن القسم الدولي لحقائب اليد والإكسسوارات لدى دار "كريستيز": "لا شك في أن المنتجات الفاخرة شكّلت جزءا من معروضاتنا منذ فترة طويلة، لكنها باتت الآن في طليعة اهتمامات العملاء والجامعين في مختلف أنحاء العالم". في الواقع، كانت أول حقيبة باعتها الدار في مزاد علني قطعة من مجموعة "كوكو شانيل" في عام ١٩٧٨. وتتابع "كوفسكي" قائلة: "اليوم، نرى أن سوق الفن وسوق الأزياء وسوق السلع الفاخرة وثقافة "بوب" الشعبية قد اجتمعت بالفعل". تعاونت دار "كريستيز" للتو مع "غوتشي"، وأطلقت مزادا رقميا بعنوان "الترددات المستقبلية.. استكشافات في الفن التوليدي والأزياء" نجح في احتضان بعض أهم المواهب من عالم الفن الرقمي.
ولو عدنا إلى الماضي، لوجدنا أن ملابس الأميرة الراحلة "ديانا" تحقق أرقاما عالية في المزادات العلنية منذ سنين. في يوليو ١٩٩٧، وقبل بضعة أشهر فقط من وفاتها، جمعت الليدي "ديانا" مبلغ ٣.٢٥ مليون دولار أمريكي لقضايا خيرية كثيرة، عبر بيع أكثر من سبعين فستانا لها ضمن مزاد لدار "كريستيز" في نيويورك. وفي يناير ٢٠٢٣، باعت دار "سوذبيز" فستانا من تصميم "فيكتور إدلستين" كان ملكا للأميرة "ديانا"، وذلك مقابل نحو ٩٠٥ ألف دولار، وهو أعلى سعر يحققه فستان للأميرة في مزاد علني إلى أن بيعت ثلاثة من فساتينها لقاء ١.٦٢ مليون دولار في الشهر الماضي. ولا ننسى كنزة "الخروف الأسود" التي أوقفت علامة الملابس المحبوكة "وارم أند ووندرفول" WARM & WONDERFUL إنتاجها في عام ١٩٩٤ قبل أن تتعاون في ٢٠٢٠ مع علامة الأزياء والإكسسوارات "روينغ بليزرز" ROWING BLAZERS لإعادة إطلاقها باسم "كنزة الخروف نسخة ديانا" "DIANA EDITION" SHEEP SWEATER. بعد نحو أربعة عقود على الصورة الأولى لليدي "ديانا"، وهي مرتدية هذه الكنزة الأيقونية، التي تم عرضها في مزاد لدار "سوذبيز" في سبتمبر ٢٠٢٣.
حين يتعلق الأمر بالأزياء، يبدو أن المزايدين يتأثرون للغاية بما إذا كانت شخصية مشهورة قد ارتدت القطعة أم لا. على سبيل المثال، بيع قميص ارتداه الرياضي النجم "مايكل جوردان" في المسلسل الوثائقي "الرقصة الأخيرة" مقابل ١٠.١ مليون دولار، وذلك في مزاد لدار "سوذبيز". وهناك أيضا الفستان الأسطوري الذي أطلّت به "مارلين مونرو" وهي تغنّي "عيد ميلاد سعيد" للرئيس "كينيدي"، والذي ذهب في ١٩٩٩ إلى مستثمر دفع ١.٢ مليون دولار (وهو مبلغ قياسيا عالمي في ذلك الوقت)، قبل أن تنتقل ملكيته مرة جديدة مقابل ٤.٨١ مليون دولار في مزاد أقامته دار "جولينز أوكشن" في عام ٢٠١٦. وقد ظهر هذا الفستان حديثا على السجادة الحمراء في حفل "ميت غالا" ٢٠٢٢، حيث ارتدته "كيم كارداشيان"؛ ولهذا السبب يعتقد المدير التنفيذي لدار "جولينز أوكشن" أنه "على الأرجح سيباع مقابل ١٠ ملايين دولار في حال عُرض مرّة أخرى في مزاد علني".
في السنة الفائتة، أطلقت "سوذبيز" مزادا رقميا عالميا خاصا بعنوان "حذاء إير فورس وان من لويس فويتون ونايكي من تصميم فيرجيل أبلوه". وقد عرضت فيه حذاء "إير فورس ١" المرغوب للغاية والناتج عن تعاون بين "نايكي" و"لويس فويتون"، إلى جانب علبة حصرية من "لويس فويتون" مصنوعة من جلد "توريون" بنقشة "مونوغرام" الرمزية ولون برتقالي حيوي. وكان الهدف من عائدات المزاد مساعدة صندوق "فيرجيل أبلوه" للمنح الدراسية، الذي يسعى إلى تحقيق الإنصاف والشمول داخل قطاع الأزياء عبر تقديم منح دراسية لطلاب واعدين من أصول سوداء أو أمريكية إفريقية أو إفريقية.
تحت عنوان "داخل الصندوق البرتقالي.. مقتنيات من العمر"، نظّمت دار "كريستيز" منذ فترة قصيرة فعالية رائعة. كانت أضخم مزاد لحقائب يدوية وإكسسوارات جمعها مالك واحد، وبدأت مع معرض في ميلانو، تلاه المزاد الرقمي الذي كرّم شغف هاوية جمع خبيرة كرّست وقتها لبناء أكبر وأغنى مجموعة لدار "هيرمس" تُعرض في مزاد. وضمّ المزاد الأول تشكيلة مدهشة غنية بألوانها وتنوعها، من حقائب يد وإكسسوارات وأنسجة وساعات ومجوهرات وأكثر.
وفي فبراير من هذا العام، قدّمت "كريستيز" أيضا مجموعة محرر الموضة الأسطوري "أندريه ليون تالي" الذي احتل مكانة استثنائية في عالم الموضة بعد أن صار أول رجل أســــود يُعين مديرا إبداعيا لمجلة "فوغ" الأمريكية. شملت المجموعة المعروضة أعمالا فنية، وحقائـــب يد مخصصـة، وأزيـــــاء راقيــــــــــة صُممت خصيصا له. من أروع معروضات المزاد، صندوق سفر صلب مكسو بالكانفاس المطبّع بنمط "مونوغرام" والمزين باسم "أندريه ليون تالي"، وقفطان مزركش باللون الذهبي من تصميم "دابر دان"، وقبعات "تالي" القشية الشهيرة، إضافة إلى لوحة "علبة الحلوى (حب حقيقي)" CANDY BOX (TRUE LOVE) للفنــــــــان "أنـــــــدي وارهــــــــــول" الذي أهداهــــا إلى صديقه "تالي". وذهبت عائدات المزاد المباشر والبيع الرقمي إلى مؤسستين دينيتين في نيويورك وكارولاينا الشمالية كانتا عزيزتين على قلب المحرر الراحل.
يقول "جوش بولان" الذي يشرف على قسم المنتجات الفاخـــــرة الدولية لدى "سوذبيز"، إن دوافع الشراء عديدة ومختلفة. فهناك من ينظر إلى الأزياء على أنها استثمار بحت، وهناك من يشتريها ليستخدمها أو يهديها، وأيضا هناك من "يبحثون عن تلك القطعة البطلة التي ستجلس على رف أو داخل صندوق، وتصبح بمنزلة تذكار نفيس لا يتم استخدامه أبدا". ويتحدث أيضا عن الرابط الشخصي والعملاء الذين يشترون جزءا من التاريخ أو من طفولتهم، مشددا على أن هذا الدافع يظهر أكثر في المزادات المتعلقة بالثقافة الشعبية أو التذكارات الرياضية.
على الرغم من كل ذلك، ما زالت المبيعات الفاخرة تمثّل جزءا محدودا من إيرادات دور المزادات. ففي النهاية، يستطيع المستهلك الوصول إلى حقائب اليد والمجوهرات والساعات من نقاط دخول أسهل مقارنة بلوحات كبار الرسّامين التاريخيين. ومع ذلك، فإن السعر المعقول هو عامل جذب أكيد للعملاء الأصغر سنّا، الذين لولاه لتردّدوا في الاقتراب من عالم المزادات.